ثم قال نصيب: وأنشدت الوليد فقال لي: أنت أشعر أهل جلدتك، والله ما زاد عليها.
ذلك رأي المتأدبين المشهود لهم بعلم الشعر في عصره، ولعلهم غلبوا فيه النظر إلى العشق والنسيب على النظر إلى فنون الشعر كله، ففي هذا - ولا ريب - مجال لمن يشاء أن يقدم جميلا على شعراء الجاهلية وشعراء الإسلام إلى زمانه؛ إذ ليس في الجاهلية من اشتهر بالعشق والنسيب خاصة كما اشتهر بعض الشعراء في القرن الأول للهجرة، وليس في شعراء القرن الأول للهجرة من يرتفع على المقابلة بينه وبين جميل في أغراضه ومعانيه، فإذا قال القائل على هذا الاعتبار: إن جميلا أشعر أهل الإسلام والجاهلية، فليس في قوله غلو كبير، وإن جاز فيه الخلاف.
ومع تعدد الآراء في هذا يمكن الاتفاق على أن جميلا كان ملحوظ المكانة بين شعراء زمانه، وكان معترفا له بالإجادة والأستاذية إلى ما بعد زمانه، كما يظهر ذلك من نظر الشعراء المبرزين إلى معانيه واقتباسهم من أقواله.
لقي الفرزدق كثيرا بقارعة البلاط - بالمدينة - فقال له الفرزدق: يا أبا صخر، أنت أنسب العرب حين تقول:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما
تمثل لي ليلى بكل سبيل
يعرض له بسرقته من جميل؛ حيث يقول:
أريد لأنسى ذكرها فكأنما
تمثل لي ليلى على كل مرقب
فأجابه كثير: وأنت يا أبا فراس أفخر الناس حين تقول:
ناپیژندل شوی مخ