وخلط بين هوى الشخصية وهوى الصفات، فمن شروط العشق الأولى أنه يميز للعاشق شخصية واحدة بين جميع الشخصيات التي يراها، فهو يحل «الشخصيات» لفرد من أفراد الجنس في محل أعلى وأرفع من الصفات التي تعم بحسنها كل من اتصف بها، ويرجع هذا التمييز إلى أسباب كثيرة لا تقتصر على استحسان الجمال، منها تقارب العواطف، ومنها المصادفة التي تجمع بين العاشقين في أحوال مهيأة للتعلق والالتفات ثم للألفة والهيام، ومنها إحساس النقص في العاشق وما يتممه من مزايا المعشوق، ومنها قدرة المعشوق على إعزاز مكانته في قلب العاشق، وإن لم تكن له فتنة جمال.
ثم هو خلط بين خصائص المعشوق وخصائص العاشق ...
فالجمال شيء يخص المعشوق ويدل عليه، ولا يلزم من تفوق المعشوق في الصفات المحبوبة أن يتفوق العاشق في الصفات المحبة، وأن يكون كلامه مثلا لكلام المحبين.
فمن المحقق إذن أن أحسن الغزل ليس هو أحسن الثناء على المحبوب، وقد يكون غزلا جيدا - أو شعرا غراميا جيدا - وفيه هجو وإقذاع.
ثم ينبغي أن نذكر هنا أن العشق اضطرار وليس باختيار، فالعاشق لا يلازم معشوقه؛ لأنه يختار ملازمته؛ بل لأنه لا يستطيع فراقه ولو أساء إليه، فإذا رأى منه السيئات وبقي على عشقه، فذلك أدل على قوة العشق من البقاء مع الاستحسان والاختيار؛ إذ لا فضل ولا قوة عشق لمن يبقى على الشيء؛ لأنه مستحسن لديه، وقد يكون فضل العاشق وقوة عشقه في عرفانه السيئات والسخط عليها ثم حبها مع هذا وذاك، فيكون هجاؤه أحيانا أدل على عشقه من ثنائه؛ لأنه العشق الذي يغلبه على ما يريد.
فالمدرسة التي تجعل الثناء والاستحسان مقياس الإجادة في الغزل تجهل الغزل الجيد، وتخلط بين جميع تلك الأمور. •••
وهناك مدرسة أخرى تجعل «الرقة» والمبالغة فيها مقياسا للغزل والمتغزلين.
فالذي يجعل قلبه موطئا لقدم محبوبه أغزل ممن يجعل خده - ليس إلا - موطئا لقدمه.
والذي يبكي الليل والنهار أغزل ممن يبكي الليل ويكفكف دمعه بالنهار.
والذي يتذلل ويتضرع أغزل من الذي يثور ويتبرم، والذي يشبه المرأة في كلامه معها هو على مذهبهم أصلح الرجال لعشق النساء!
ناپیژندل شوی مخ