- ب -
وقد تظاهرت الآيات في وجوب العمل بالسنة النبوية، والاعتماد عليها، والإذعان لها، وتحكيمها في كل شأن من شؤون حياتنا. قال تعالى: ﴿وما آتاكم الرسول فخُذوهُ وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ [الحشر: ٧] وقال: ﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله﴾ [النساء: ٨٠] وقال: ﴿فلا وربِّك لا يؤمنون حتى يحكِّموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلِّموا تسليمًا﴾ [النساء: ٦٥] وقال: ﴿فإن تنازعتم في شيء فردُّوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر﴾ [النساء: ٥٩] وقال: ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسولُه أمرًا أن يكون لهم الخِيرَةُ من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالًا مبينًا﴾ [الأحزاب: ٣٦] .
وقد أنعم الله على هذه الأمة الإسلامية بأن قيَّض لها في القرون الأولى المشهود لها بالفضل نخبة ممتازة وصفوة مختارة ندبت أنفسها لخدمة السنة النبوية المطهرة ولم شتاتها، فالتقطوها من أفواه سامعيها، وجمعوها من صدور حامليها، وطَوَوْا الفيافي والقِفار إلى حَفَظَتِها في كل قطر ومصر، وبذلوا في سبيل ذلك أموالهم، وأفنوا أعمارهم، فكان من أثر ذلك تدوين المؤلفات الضخمة العديدة التي ضمت تراث نبينا الكريم، فاستحقوا بذلك رضوان الله تعالى، والشكر والتكريم.
والكتاب الذي نقدمه للقراء - وهو أحد تلك المؤلفات العظيمة تأليف الإمام أبي السعادات مجد الدين المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني الجزري، ثم الموصلي المعروف بابن الأثير من رجال القرن السادس الهجري -
قد عمد فيه المؤلف إلى الأحاديث التي وعتها الأصول الستة المعتمدة عند الفقهاء والمحدثين: - الموطأ، والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، التي حوت معظم ما صح عن النبي الكريم - فجمعها وأدمجها كلها في مؤلف واحد بعد أن رتبَّها وهذَّبها وذلَّل صِعابها، وقرب نفعها، وافتتحه بمقدمة ضافية فصل فيها الطريقة التي اتبعها في تصنيف الكتاب، وذكر جل قواعد مصطلح الحديث التي تمس الحاجة إلى معرفتها، وختمها
1 / 4