فلم أكن أبت القول لهم في ضمان ذلك، إلى أن بدر يوما على لساني: سأفعل، فصرت رهين قولي، فلم أستجز الإخلال بوعدي، وقلت: لعل الله تعالى ينفع به الناس من بعدي، ورعيت حرمة من اختلفت في سالف الدهر إلى أبيه، وحقوق إخوته الذين يلونه، وكل واحد منهم يمت مني بماتة قوية، ويقرب بذمة مرعية، فإنهم للناس سادة، كما هم للدين قادة، وتقربي إليهم بحبي لهم عادة، وبذلك أرجو الخلاص، وأوليهم في شهادتي هذه الإخلاص؛ دعوى صديق صادق، غير مماذق، واستوفقت الله تعالى، ولخصت لهم ما سألوني، وخرجته بأسانيدي التي كنت استنفذتها من مشايخي الماضين؛ أسوة بمن تقدمني في التخريج على حسب ما لا يشذ عنه أثر يتضمن معنى لا يوجد في غيره، إما مستوفقا، أو مستبدلا بدلا يقرب المسافة، ويأمن السالك فيه الآفة.
وضاق علي الوقت فيه، فليعذرني من طالعه؛ فإني لم أنفس فيه الأيام، ولم أجف فيه الأقلام، ولم أختر لنفسي الإجمام، بعد أن احتجت فيه إلى مطالعة الكتابين مرات كنت أقوم فيها وأقعد، وكلما قلت: استقربت الأمر وجدتني من بعده أستوغر وأستبعد، إلى أن سهل الله المرام، وقرب الاختتام.
وبوبت الكتاب تبويبا، ورتبته ترتيبا قريبا، يهتدي إليه الطالب إن شاء الله عز وجل، فأول ذلك:
كتاب التوحيد، وذكر عظمة الله وأسمائه، وعائدته على العبيد بفضله وإحسانه.
مخ ۹