جامع لطیف
الجامع اللطيف في فضل مكة وأهلها وبناء البيت الشريف
ژانرونه
الحادية والعشرون: إن قيل ما المراد بالفطرة فى قول جبريل اخترت الفطرة؟ فاعلم أن الفطرة تطلق تارة، ويراد بها الإسلام، وتطلق تارة على أصل الخلقة، فمن المعنى الأول:
قوله (صلى الله عليه وسلم) كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه.
ومن المعنى الثانى قوله تعالى: فطرت الله التي فطر الناس عليها وقوله تعالى: فاطر السماوات والأرض أى مبتدئ خلقهما، فقول جبريل: اخترت الفطرة أى اخترت اللبن الذى عليه تثبت الخلقة، وهى نبت اللحم ونشر العظم.
أقول: فيكون من باب ذكر المسبب وإرادة السبب فتأمل انتهى. أو اخترته لأنه الحلال المستمر فى دين الإسلام، وأما الخمر فحرام فيما يستقر عليه الأمر.
الثانية والعشرون: يحتمل أن يكون فى تقديم إناء اللبن إشارة إلى أنه شعار العلم فى التعبير، كما ورد أنه (صلى الله عليه وسلم) قال: أريت كأنى أتيت بقدح من لبن فشربت حتى أرى الرى يخرج من أظفارى، ثم ناولت فضلى عمر. فقالوا: يا رسول الله، ما أولته؟ قال: العلم.
والإسراء وإن كان يقظة إلا أنه ربما وقعت فى اليقظة إشارات على حكم الفأل تعبر كما يعبر المنام.
الثالثة والعشرون: فى استفتاح جبريل (عليه السلام) لأبواب السماء دليل على أنه صادف أبوابها مغلقة، مع أنه (صلى الله عليه وسلم) كان قد استدعى، فلعل والله أعلم الحكمة فى ذلك التنويه بقدره، وأن السموات لم تفتح أبوابها إلا من أجله ولو صادفها مفتوحة لم يتحرر أنها فتحت من أجله ولا بد.
الرابعة والعشرون: ينبغى للمستأذن إذا قيل له من هذا، أن لا يقول أنا، فإن جبريل لم يقل أنا عند الاستفتاح ثم وإنما سمى نفسه، وقد أنكر النبى (صلى الله عليه وسلم) على الذى استأذن عليه، فقال (صلى الله عليه وسلم) من هذا، فقال أنا، فجعل النبى (صلى الله عليه وسلم) يكرر لفظة أنا إنكارا.
الخامسة والعشرون: إنما كرهت هذه الكلمة لوجهين:
أحدهما: أن فيها إشعارا بالعظمة، وفى الكلام السائر أن أول من قال أنا إبليس.
فشقى حيث قال أنا خير منه، ثم فرعون فتعس حيث قال أنا ربكم الأعلى.
الثانى: أنها مبهمة لافتقار الضمير إلى العود فهى غير كافية فى البيان.
مخ ۱۷۲