جامع کبیر
الجامع الكبير في صناعة المنظوم من الكلام والمنثور
پوهندوی
مصطفى جواد
خپرندوی
مطبعة المجمع العلمي
ذلك ما رواه عبد الله بن سلام قال: لما ورد رسول الله ﷺ المدينة أن جفل الناس قبله، وقيل قدم رسول الله ﷺ فجئت في الناس لأنظر اليه، فلما تبينت وجهه عرفت انه ليس بوجه كذاب، وكان أول شيء تكلم به أن قال: (أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام، وصّلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا بسلام) فإن قيل إن النبي ﷺ
قال لبعضهم منكرًا عليه، وقد كلمه بكلام مسجوع: (أسجعًا كسجع الكهّان) ولو أن السجع مكروه لما أنكره رسول الله ﷺ الجواب عن ذلك أنا نقول: لو كره النبي ﷺ السجع أصلًا لقال أسجعًا؟! ثم سكت، وكان المعنى يدل على إنكار هذا الفعل لِمَ كان، فلما قال (أسجعًا كسجع الكهان؟) صار المعنى معلّقًا على أمر آخر؛ وهو إنكار الفعل لم كان على هذا الوجه، فعلم أنه إنما ذم من السجع ما كان مثل سجع الكهان، لا غير وأنه لم يذمَّ السجع على الإطلاق. ومحال أن يذمه على الإطلاق؛ لأن القرآن الكريم، قد أتى به. وهو ﷺ قد نطلق به في كثير من كلامه، حتى أنه غير الكلمة عن وجهها، اتباعًا لها بأخواتها لأجل السجع؛ فقال لابن ابنته ﵉: (أعيذه من الهامة والسامة، وكل عين لامة) وإنما أراد ملمه، لأن الأصل فيها من (ألم فهو ملم)، وكذلك قوله ﷺ: (ليرجعن مأزورات غير مأجورات) طلبًا للتوازن والسجع، وهذا من أدل على فضيلة السجع.
واعلم أن الأصل في هذا الاعتدال في مقاطع الكلام، والطبع يميل إلى الاعتدال في
1 / 252