جامع البیان په قرآن کې د تفسیر په اړه
جامع البيان في تفسير القرآن
فإذا كان معنى «أم» ما وصفنا، فتأويل الكلام: أتريدون أيها القوم أن تسألوا رسولكم من الأشياء نظير ما سأل قوم موسى من قبلكم، فتكفروا إن منعتموه في مسألتكم ما لا يجوز في حكمة الله إعطاؤكموه، أو أن تهلكوا، إن كان مما يجوز في حكمته عطاؤكموه فأعطاكموه ثم كفرتم من بعد ذلك، كما هلك من كان قبلكم من الأمم التي سألت أنبياءها ما لم يكن لها مسألتها إياهم، فلما أعطيت كفرت، فعوجلت بالعقوبات لكفرها بعد إعطاء الله إياها سؤلها. القول في تأويل قوله تعالى: { ومن يتبدل الكفر بالإيمان }. يعني جل ثناؤه بقوله: { ومن يتبدل } ومن يستبدل الكفر ويعني بالكفر: الجحود بالله وبآياته بالإيمان، يعني بالتصديق بالله وبآياته والإقرار به. وقد قيل عنى بالكفر في هذا الموضع الشدة وبالإيمان الرخاء. ولا أعرف الشدة في معاني الكفر، ولا الرخاء في معنى الإيمان، إلا أن يكون قائل ذلك أراد بتأويله الكفر بمعنى الشدة في هذا الموضع وبتأويله الإيمان في معنى الرخاء ما أعد الله للكفار في الآخرة من الشدائد، وما أعد الله لأهل الإيمان فيها من النعيم، فيكون ذلك وجها وإن كان بعيدا من المفهوم بظاهر الخطاب. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن أبي العالية: { ومن يتبدل الكفر بالإيمان } يقول: يتبدل الشدة بالرخاء. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسن، قال: حدثني حجاج، عن ابن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية بمثله. وفي قوله: { ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل } دليل واضح على ما قلنا من أن هذه الآيات من قوله:
يأيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا
[البقرة: 104] خطاب من الله جل ثناؤه المؤمنين به من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعتاب منه لهم على أمر سلف منهم مما سر به اليهود وكرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، فكرهه الله لهم. فعاتبهم على ذلك، وأعلمهم أن اليهود أهل غش لهم وحسد وبغي، وأنهم يتمنون لهم المكاره ويبغونهم الغوائل، ونهاهم أن ينتصحوهم، وأخبرهم أن من ارتد منهم عن دينه فاستبدل بإيمانه كفرا فقد أخطأ قصد السبيل. القول في تأويل قوله تعالى: { فقد ضل سواء السبيل }. أما قوله: { فقد ضل } فإنه يعني به ذهب وحاد. وأصل الضلال عن الشيء: الذهاب عند والحيد. ثم يستعمل في الشيء الهالك والشيء الذي لا يؤبه له، كقولهم للرجل الخامل الذي لا ذكر له ولا نباهة: ضل بن ضل، وقل بن قل كقول الأخطل في الشيء الهالك:
كنت القذى في موج أكدر مزبد
قذف ألاتي به فضل ضلالا
يعني: هلك فذهب. والذي عنى الله تعالى ذكره بقوله: { فقد ضل سواء السبيل } فقد ذهب عن سواء السبيل وحاد عنه. وأما تأويل قوله: { سواء السبيل } فإنه يعني بالسواء: القصد والمنهج، وأصل السواء: الوسط ذكر عن عيسى بن عمر النحوي أنه قال: «ما زلت أكتب حتى انقطع سوائي»، يعني وسطي. وقال حسان بن ثابت:
يا ويح أنصار النبي ونسله
بعد المغيب في سواء الملحد
يعني بالسواء الوسط. والعرب تقول: هو في سواء السبيل، يعني في مستوى السبيل. وسواء الأرض مستواها عندهم، وأما السبيل فإنها الطريق المسبول، صرف من مسبول إلى سبيل. فتأويل الكلام إذا: ومن يستبدل بالإيمان بالله وبرسوله الكفر فيرتد عن دينه، فقد حاد عن منهج الطريق ووسطه الواضح المسبول. وهذا القول ظاهره الخبر عن زوال المستبدل بالإيمان الكفر عن الطريق، والمعنى به الخبر عنه أنه ترك دين الله الذي ارتضاه لعباده وجعله لهم طريقا يسلكونه إلى رضاه، وسبيلا يركبونها إلى محبته والفوز بجناته. فجعل جل ثناؤه الطريق الذي إذا ركب محجته السائر فيه ولزم وسطه المجتاز فيه، نجا وبلغ حاجته وأدرك طلبته لدينه الذي دعا إليه عباده مثلا لإدراكهم بلزومه واتباعه إدراكهم طلباتهم في آخرتهم، كالذي يدرك اللازم محجة السبيل بلزومه إياها طلبته من النجاة منها، والوصول إلى الموضع الذي أمه وقصده. وجعل مثل الحائد عن دينه والحائد عن اتباع ما دعاه إليه من عبادته في حياته ما رجا أن يدركه بعمله في آخرته وينال به في معاده وذهابه عما أمل من ثواب عمله وبعده به من ربه، مثل الحائد عن منهج الطريق وقصد السبيل، الذي لا يزداد وغولا في الوجه الذي سلكه إلا ازداد من موضع حاجته بعدا، وعن المكان الذي أمه وأراده نأيا. وهذه السبيل التي أخبر الله عنها أن من يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواءها، هي الصراط المستقيم الذي أمرنا بمسألته الهداية له بقوله:
اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم
ناپیژندل شوی مخ