جامع ابن بركة ج1
سلطنة عمان
وزارة التراث القومي والثقافة ...
... ... ...
... كتاب الجامع
تأليف:
... العالم العلامة ...
الشيخ أبي محمد عبد الله بن محمد بن بركة البهلوي العماني
الجزء الأول
حققه وعلق عليه
عيسى يحيى الباروني
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
الحمد لله الواحد القهار، الكبير المتعال، لا مثل له ولا نظير ولا عديل، وهو السميع البصير، العدل في قضائه، الرحيم بعباده، اللطيف بجميع خلقه، الناظر لأهل سمائه وأرضه، المشكور على نعمائه. المبتدئ بنعمته على غير السائلين، والمتفضل على غير المستحقين، نحمده وهو أهله. ونستعين على ما ننال(1) إلا به. ونتوكل عليه توكل من يعلم إيمانه أن كل نعماء (¬1) فمن عنده، وما مسته لأواء فمن جناية يده. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون. (¬2) وصلى الله على محمد النبي،وآله الطاهرين، وسلم تسليما.
الباب الأول في الأخبار
¬__________
(¬1) في (ب) و (ج) نعما.
(¬2) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا.(سورة الفتح): 28.
مخ ۱
ثم نبدأ بذكر الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم التي (¬1) تتعلق بها أحكام الشريعة، وإن كان الفقهاء قد اختلفوا في تأويلها وتنازعوا في صحة الحكم بها؛ لأنها قواعد الفقه و(أصول دين الشريعة (¬2) ) لحاجة المتفقه إلى ذلك، وقلة استغنائه عن النظر فيه والاعتبار في معانيه، فالواجب عليه إذا أراد علم الفقة 1أن يتعرف أصول الفقه وأمهاته، ليكون بناؤه على أصول صحيحة ليجعل كل حكم في موضعه ويجريه على سننه، ويستدل على معرفة ذلك بالدلالة الصحيحة، والاحتجاجات الواضحة، وأن لا يسمي العلة دليلا، والدليل علة، والحجة علة، وليفرق بين معاني ذلك، ليعلم افتراق حكم المفترق، واتفاق المتفق؛ لأني رأيت العوام من متفقهي أصحابنا، ربما ذهب عليهم كثير من معرفة ما ذكرنا وتكلم عند النظر ومحاجة الخصوم بما ينكره الخواص منهم، وأهل المعرفة بذلك؛ لأنهم ربما وضعوا اللفظة في غير موضعها ونقلوا الحجة على (¬3) غير جهتها، واستعملوها في غير أماكنها.
والله نسأل أن يوفقنا وإياهم لما يقربنا إليه، ونحن نذكر بعد هذا في كتابنا هذا من هذه المعاني، ونبين من ذلك ما يرغب (¬4) إلى الله في توفيقه لنا ومعونته على ذلك.
باب في الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم
وهي التي تتعلق الأحكام بها، ويختلف الفقهاء في معانيها ( نسخة تأويلها) وتنازع الحكم في معانيها. فمنها أخبار المراسيل، وأخبار المقاطيع، والأخبار الموقوفة، وأخبار المتن، وخبر الصحيفة، والخبر الزائد على الخبر الناقص، والخبر المتعارض لغيره من الأخبار. والخبران يردان من طريق أو طريقين يكون أحدهما خاصا والآخر عاما. والخبران يكون أحدهما ناسخا والآخر منسوخا.
¬__________
(¬1) في (ب) و (ج)، والتي تتعلق، وهذا هو الصحيح.
(¬2) في (ب) و (ج) وأصوله الشريعة.
(¬3) في (ج): إلى.
(¬4) في (ج): نرغب.
مخ ۲
? فأما أخبار المراسيل فهو أن يرفع (¬1) الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يشاهد النبي عليه السلام. فواجب أن يكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم صحابي فلا يذكره (¬2) . وإما أن يكون قد سمع من الصحابي فاقتصر على ما روي له ولم يجتمع إلى ذكره مرة أخرى أو يكون صح عنده الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بالإخبار عن ذلك الصحابي ويسنده إلى صلى الله عليه وسلم .
? وأما أخبار المقاطيع، فهو أن يروي الرجل الخبر عن صلى الله عليه وسلم فيسقط في الوسط رجلا فلا يذكره في إسناده، فإذا ترك ذلك الرجل، انقطع الخبر إلى حيث ترك الرجل.
? وأما الخبر الموقوف من الأخبار، فهو أن يروى الخبر عن الصحابي والتابعي فيوقف الخبر عليها.
? وأما أخبار المتن، فهي التي تروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يذكر من رواها من الصحابة ويعتمد على صحتها وتسمى مثل هذه الأخبار (¬3) (المتن).
? وأما خبر الصحيفة، فهو أن يروي الراوي الخبر إلى أن ينتهي به إلى رجل فيقول: عن أبيه عن جده ولم يذكر ذلك المذكور النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا كان هذا الخبر على هذا الوصف ونحوه سمي خبر الصحيفة.
? وأما الخبر الزائد على الناقص، فإنه إذا ورد خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه، وروي ذلك الخبر أيضا من وجه آخر إلا أن أحد (¬4) الخبرين فيه زيادة لفظة استعمل الزائد من الخبرين؛ لأن فيه فائدة لم تذكر في الخبر الآخر، ولم يوردها الراوي الثاني معه، لما قد يجوز أن يكون أحدهما شاهد القصة إلى آخرها (¬5) فيسمع ما لم يسمع الآخر ويشاهد ما لم يشاهد الآخر، فلذلك استعمل الزائد من الأخبار.
¬__________
(¬1) في (ب) و (ج): فهو أن يروي التابعي الخبر عن النبي (صلى الله عليه وسلم)
(¬2) في (ب) و (ج) فلا بأس أن يذكره.
(¬3) في (ب) أخبار.
(¬4) في (ب) إلا أحد الخبرين.
(¬5) شاهد القصة إلى الموضع الذي أخبر به والآخر شاهد القصة.
مخ ۳
? وأما الأخبار المتعارضة، فمثل ذلك أن يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم ، خبر بإباحة شيء، ويروى خبر آخر فيحظر ذلك فيوقفا (¬1) جميعا، وينظر المتقدم منهما من المتأخر بالتاريخ، ليعلم الناسخ من المنسوخ. نحو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : "أنه سهى في صلاته فسجد قبل التسليم". وروي عنه (¬2) "أنه سجد بعد التسليم"، فتنازع الناس في ذلك واختلفوا في الناسخ منهما من المنسوخ والمتقدم من المتأخر.
? وأما الخاص والعام من الأخبار، فنحو قول النبي صلى الله عليه وسلم : "حيث ما أدركتك الصلاة فصل." (¬3) ، فهذا عموم يوجب جواز الصلاة في كل موضع، وروي عنه صلى الله عليه وسلم : "نهى (¬4) عن الصلاة في المقبرة والمجزرة والمزبلة والحمام وقارعة الطريق ومعاطن الإبل". وكأن هذا خبر خص بعض ما اشتمل عليه عموم الخبر الآخر، فالخاص يعترض على العام. ولا يعترض العام على الخاص، وكذلك الخبر المفسر يقضي على المجمل، ولا يقضي المجمل على المفسر.
? وأما الناسخ والمنسوخ فهو نحو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ولا تقولوا هجرا". (¬5)
? وأما الأخبار التي تنازع الناس في تأويلها عند مبايعاتهم على شروط بينهم. فمنها ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : "أنه نهى عن شرطين في بيع". (¬6) هذا ما اتفق الناس على إبطال البيع به. وهو أن يبيع الرجل الغلام لغيره بثمن معلوم على أن يبيع له المشتري غلاما بثمن معلوم أو ثمن يتفقان عليه، فهذا ونحوه لا يجوز في البيع بإجماع الأمة.
¬__________
(¬1) في (ب) و (ج) فيوقفان.
(¬2) عنه لا توجد فيه (ب) و (ج).
(¬3) أخرجه مسلم بلفظ: (( أينما أدركتك الصلاة فصل)).
(¬4) في (ب) إنه نهى.
(¬5) رواه الخمسة إلا البخاري.
(¬6) رواه مالك.
مخ ۴
وأما ما اختلفوا في جوازه وفساده فهو نحو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : "أنه اشترى من جابر بن عبد الله بعيرا وشرط جابر ظهره من مكة إلى المدينة. فأجاز صلى الله عليه وسلم البيع والشرط". (¬1) وروي عنه: "أن عائشة اشترت بريرة لتعتقها، فاشترط البائع ولاءها لنفسه، فأجاز صلى الله عليه وسلم (¬2) البيع وأبطل الشرط" وقال: "الولاء لمن أعتق" (¬3) . وروي: "أن تميما الداري باع دارا واشترط سكناها فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم البيع والشرط". (¬4) واختلفت الرواية (¬5) في مقدار مدة السكنى. فقال بعض الرواه: أنه اشترط سكنى سنة وقال (¬6) بعض (¬7) اشترط سكنه أيام حياته. فيحتمل أن تكون هذه الأخبار بعضها ناسخا وبعضها منسوخا، ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تركهم وهذه الأخبار ليجتهدوا فيها آراءهم.
والذي عندي والله أعلم أن خبر بريرة كان شرطه غير جائز؛ لأنه اشترط ما لا يجوز تملكه، وهو الولاء الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم كالنسب لقوله: "لحمة الولاء كلحمة النسب". (¬8) والنسب لا يجوز تملكه لهذا الخبر، فلذلك أبطله النبي صلى الله عليه وسلم .
¬__________
(¬1) أخرجه الخمسة.
(¬2) في (ب) و (ج) النبي (ص).
(¬3) ابن ماجه والدارمي وأحمد بن جنس.
(¬4) ابن ماجه والدارمي وأحمد بن جنس.
(¬5) في (ب) واختلف الرواه.
(¬6) وقد قال.
(¬7) بعضهم.
مخ ۵
(¬8) في (ب): (( الولاء لحمة كلحمة النسب )) وأما خبر جابر بن عبد الله في بيع البعير إذ اشترط ركوبه من مكة إلى المدينة،لم يكن في نفس عقد البيع وإنه كان على وجه العارية، وقد روي هذا أيضا. وأما خبر تميم الداري فإنه يحتمل أن يكون الخبر الذي روي إنه اشترط في البيع سكنى الدار أيام حياته، فإن الجهالة بمدة أيام حياته لا يصح البيع معها؛ لأن ذلك غير معلوم، ولذلك بطل البيع والشرط، ولو كان شرط السكنى مدة معلومة لكان البيع جائزا؛ لأن البيع إذا شرط فيه شرط له قسط من الثمن معلوم جاز البيع. (¬1) والله أعلم.
وإذا ورد خبر أن أحدهما ينفي الفعل والآخر يوجب إثباته، كان الإثبات أولى إذا لم يعلم المتقدم منهما من المتأخر ولا الناسخ من المنسوخ، وهذا على أصول أصحابنا يصح إلى ما يذهبون إليه من (¬2) الحظر والإباحة والأوامر. وقد وافقنا الشافعي في هذا المعنى.
ومن الأخبار الموقوفة لتعارضهما وطلب الدلالة على المتقدم منهما من المتأخر، وأما ما أريد ببعضها دون بعض نحو ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن الشرب قائما". وروي "أنه شرب من زمزم قائما" (¬3) فوجب اتفاق الخبرين، وكان المرجوع إلى قول الله تعالى: ? { وكلوا واشربوا } (¬4) فهذه الآية تبيح الأكل والشرب على أي حال كان عليها الآكل والشارب، إلا أن تخص في بعض الأوقات وبعض الأحوال.
وروي عنه صلى الله عليه وسلم" أنه نهى عن الشرب من فم السقاء". وروي أنه خنث السقا وشرب منه، أي عطفه، وأما الشرب من فم السقا الذي ورد النهي عنه، فقيل: إنه للإشفاق أن تكون فيه دابة.
مسألة في التقليد الجائز
¬__________
(¬1) في (ج): البيع به.
(¬2) في (ج) و (ب) في
(¬3) في (ب) و هو قائم.
(¬4) كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين )). الآية 60: سورة البقرة.
مخ ۶
تقليد الصحابة في باب الأحكام وما كان طريقه طريق السمع، ألا ترى أنك تحكي عنهم الإجماع. فإن كان الخبر منقولا عن بعضهم إذا لم ينقل عن أحد منهم خلافا لذلك، ويجوز تقليد الواحد منهم أيضا إذا قال قولا ولم ينكر عليه غيره، وإن علم له مخالف في الصحابة فلا، وخلاف التابعي عليهم ليس كخلاف بعضهم على بعض؛ لأنه ليس في طبقتهم؛ لأن الصحابة هم الحجة التامة، ألا ترى أن الله تعالى جعل شهادتهم على الناس كشهادة الرسول عليهم بقوله: { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } . (¬1) فلا يجوز وقوع الخطأ في شهادتهم إذا كانت شهادتهم كشهادة الرسول عليه السلام عليهم مثل قوله: { ويتبع غير سبيل المؤمنين نزله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا. } (¬2) والخارج من قول الصحابة متبع لغير سبيل المؤمنين، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا تجتمع أمتي على ضلال". (¬3) فإذا لم ينقل الاختلاف فيهم، وكان المنقول عن بعضهم وترك المخالفة عن الباقين وهم حجة الله جل ذكره في أرضه على عباده، دل تركهم لمخالفة القائل منهم على تصويبه، ومن ادعى على أن في ضمائر بعضهم غير ما كان في الظاهر منهم، أو نفيه منعتهم كان مخطئا، وطعن على الصحابة إنهم لم يقيموا الحجة لله عز وجل (¬4) بالنهي عن المنكر والأمر بالمعروف، (¬5)
¬__________
(¬1) سورة البقرة: 143.
(¬2) سورة النساء: 115، وأول الآية: "ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع"
(¬3) متفق عليه.
(¬4) لا توجد في (ب) و (ج).
(¬5) قال تعالى: " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"..
مخ ۷
ولا يجوز التقليد لأهل الاستدلال والبحث والأخبار في عصر غير الصحابة مع الاختلاف، ويجوز الاعتراض عليهم في أدلتهم، ولا يجوز الاعتراض على الصحابة لما ذكرنا، ويجوز للعامة تقليد العلماء والاتباع لهم فيما لا دليل لهم على التفرقة بين أعدل أقاويلهم في باب الشرع، وما كان (¬1) طريقه طريق الاجتهاد واستسلامهم للعلماء كاستسلامهم للحكام فيما يحكمون به لهم وعليهم فيما لا علم لهم بصوابه. وكذلك تقليد الجاهل لمن لا يتهم في الدين، والله أعلم.
باب في ذم التقليد
قال الله تبارك وتعالى في كتابه: { ?وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون. } (¬2) وقال جل ذكره: { ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا. (¬3) وقال عز وجل: { إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب. (¬4) وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار } (¬5) .
¬__________
(¬1) من (ب) و (ج).
(¬2) سورة المائدة: 104.
(¬3) سورة الفرقان: 27.
(¬4) سورة البقرة: 166.
(¬5) سورة البقرة 167.
مخ ۸
وهذا المعنى كثير في القرآن وفي السنة، من ذلك: أن رجلا أصابته شجة فأجنب، وقد اندملت عليه فاستفتي له فأمر بالغسل ولم يروا له عذرا فاغتسل فكز فمات. فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: "قتلوه قتلهم الله". (¬1) ففي هذا دليل على إنه لم يجعل للمستفتي والمستفتي له عذرا، والله أعلم. ولعل المفتي لم يكن أهلا لذلك، ونحن نعوذ بالله من غلبة الأهواء ومسامحة الآراء وتقليد الآباء، وإياه نسأله أن يجعلنا من المتبعين لكتابه الذابين عن دينه والقائمين بسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
باب في الناسخ والمنسوخ من القرآن
وإذا رفع الصحابي خبرا عن الرسول عليه السلام بإيجاب فعل وجب العمل به على من بلغه (¬2) من المكلفين إلى أن يلقى خبرا غيره ينسخ ذلك الخبر، كان على من عمل بالخبر الأول الرجوع إلى الثاني وترك العمل بالأول. وكذلك الحاكم يعمل بما قام عليه الدليل عنده من أقاويل العلماء، فإذا قام له دليل بعد ذلك على قول آخر هو أرجح عنده من الأول عمل بالثاني، وترك العمل (¬3) الذي حكم به واستعمله، والله أعلم، وإذا لم يرجح عنده أحد الدليلين، واستوى القولان عنده من كل الوجوه واعتدلا أخذ المتعبد بأي الأقاويل شاء، وبالله التوفيق.
والنسخ على ثلاثة أوجه: (¬4) وجهان منهما مفهومان عند العامة، فأحدهما انتساخ الشيء من كتاب قبله إلى كتاب آخر، والآخر نسخ الشيء وتحويله وتبديله، هذا هو الذي يفهمه الناس في القرآن والسنة جميعا.
¬__________
(¬1) رواه النسائي.
(¬2) في (ب) من بلغه من الكلفين.
(¬3) في (ب) وترك العمل بالأول.
(¬4) في (ج) أقسام أوجه.
مخ ۹
والوجه الثالث: أن يحصي الشيء على عامله ويحتفظ به عليه نحو قول الله جل ذكره: { ?هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } (¬1) يريد والله أعلم إنا كنا نحصيه عليكم حتى نعيد ذكره إليكم فتعلمون إنما (¬2) تجزون بما كسبت أيديكم.
وأما انتساخ الكتاب من كتاب كان قبله إلى كتاب بعده فقد أخبرنا الله تعالى أن القرآن في لوح محفوظ بقوله: ? { بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ } (¬3) وبقوله:? { يمحو الله ما يشاء ويثبت عنده أم الكتاب } (¬4) وإذا كان القرآن عنده في أم الكتاب في لوح محفوظ ثم أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم فإنما أنزله على محمد نسخة ما في ذلك اللوح المحفوظ والكتاب المكنون، وذلك الكتاب عند الله في موضعه. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يوما قاعدا في أصحابه إذ ذكر حديثا فقال: (ذلك أو إن نسخ القرآن) فقال رجل كالأعرابي: يا رسول الله ما ينسخ أو كيف ينسخ؟ فقال: "يذهب بأهله ويبقى رجال كأنهم النعام) يعني حلة الطير".
¬__________
(¬1) سورة الجاثية: 29.
(¬2) إنكم إنما.
(¬3) سورة البروج: 22.
(¬4) سورة الرعد: 39.
مخ ۱۰
واختلف الناس في أول سورة أنزلت، فقال بعض: أول سورة أنزلت { ?إقرأ باسم ربك الذي خلق } (¬1) وآخر سورة أنزلت (المائدة) وآخر آية أنزلت: { ?واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون } (¬2) ، وقال آخرون: وآخر آية أنزلت (¬3) : ? { لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم } (¬4) ، وسنذكر من الناسخ والمنسوخ ما يكون فيه دلالة على معرفة الناسخ الذي يجب العمل به والإيمان بالمنسوخ الذي نهينا عن العمل به بعد نسخه بإذن الله وتوفيقه. قال الله تبارك وتعالى: { ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها. } (¬5) يعني خيرا منها: لكم أو مثلها في العمل والفرض نسخة في العمل والفضل أو ننسها: نتركها على حالها والله أعلم. وقال قوم من أهل التفسير: { أو ننسها } ، فلا تقرأ على وجه الدهر، يقول صاحب هذا التفسير (¬6) : أي ننهى عن قرآتها فلا تقرا حتى تنسى، وفي الرواية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض عليه الصلوات الخمس قبل الهجرة بنحو سنة. وصلى عليه الصلاة والسلام إلى بيت المقدس بعد هجرته سبعة عشر شهرا، وكانت الأنصار وأهل المدينة يصلون إلى بيت المقدس نحو سنتين قيل قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- بمكة فصلى إلى الكعبة (¬7) ثماني سنين إلى أن عرج به إلى المقدس، ثم حول إلى قبلة بيت المقدس (¬8) لئلا يتهمه اليهود ولا يكذبونه لما كانوا يجدون من صفته معهم ونعته في التوراة.
¬__________
(¬1) العلق: 1.
(¬2) سورة البقرة: 281.
(¬3) في (ج) وقال آخرون آخر آية نزلت.
(¬4) التوبة: 128.
(¬5) سورة البقرة: 106.
(¬6) تفسير القرطبي: الإبطال ولإزالة وهو منقسم في اللغة على ضربين: إبطال الشيء وزواله ، وإقامة آخر مقامه.
(¬7) في (ج): وكان النبي صلى الله عليه وسلم صلى بمكة إلى الكعبة.
(¬8) في (ج) إلى قبيلة بيت القدس.
مخ ۱۱
فقال اليهود: يزعم محمد إنه نبي، وقد استقبل قبلتنا واستن بسنتنا فما نراه أحدث في نبوته شيئا، وكانت الكعبة أحب القبلتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهي قبلة إبراهيم عليه السلام، فكره النبي صلى الله عليه وسلم قبلة اليهود، فسأل جبريل عليه السلام أن يسأل له (¬1) ربه أن ينقله إلى قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام، فقال له: إنما أنا عبد مثلك، فانصرف من عنده، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقلب نظره نحو السماء فأنزل الله تعالى: ? { قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام. } (¬2) وأنزل تبارك وتعالى: { ?فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه } . (¬3)
? وكان الموصي يسلم والوصي يلزمه ذلك. وكان الرجل يوصي بجميع ماله فلا يدع لورثته شيئا، فأنزل الله تبارك وتعالى: { ?فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه } (¬4) فردهم (¬5) رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الثلث.
وأنزل جل ذكره: ? { وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا? } (¬6)
وكان الرجل إذا حضره الموت لم يورث زوجاته ولا بناته ولا الصغار من أولاده، وإنما يورث من أولاده من يحمل السلاح أو يقاتل على ظهور الخيل، فأنزل الله تعالى: ? { وليخشى الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا } ?الآية.
¬__________
(¬1) له: لا توجد في (ج).
(¬2) سورة البقرة: 144.
(¬3) سورة البقرة: 181.
(¬4) سورة البقرة: 182.
(¬5) في (ب) فردها.
(¬6) سورة النساء: 9.
مخ ۱۲
وكانت الوصية للوالدين والأقربين جائزة واجبة بقوله عز وجل: { ?كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين } ? (¬1) ثم نسخت هذه الآية بآيات المواريث التي (¬2) في سورة النساء، وقال قوم ممن يقول بأن السنة تنسخ القرآن: إنما نسخها قول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا وصية لوارث) (¬3) .
¬__________
(¬1) الآية 180 من سورة البقرة.
(¬2) من (ب).
(¬3) رواه أصحاب السنن.
مخ ۱۳
وكان فرض الصيام واجبا في الحضر والسفر بقوله جل ذكره: { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات } . (¬1) ثم رخص بعد ذلك للمسافر والمريض. وقوله: { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } على اليهود والنصارى والملل من قبلكم لعلكم يعني (¬2) لعلكم تتقون الأكل والشرب والجماع وغير ذلك مما نهي عنه في الصوم، وقال تعالى: { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } . فقال قوم: يطيقون الصيام من غير مشقة (¬3) مرض، وقال قوم: يطيقون الإطعام، وقال قوم: كانوا يطيقونه ثم عجزوا عنه، وقال قوم: إنها منسوخة نسخها فرض الصيام. وأما قوله تعالى: { فمن تطوع خيرا فهو خير له } (¬4) ، إن أطعم مسكينين كل واحد نصف صاع بر فهو خير له، هكذا وجدت في بعض التفسير (¬5) فالواجب إطعام واحد يقال نسخها قوله: { شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان? } (¬6) يعني من الحلال والحرام والله أعلم. وقوله: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } ?وأما قوله: { الذي أنزل فيه القرآن } ?عني نزل من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في كل ليلة قدر، ما يحتاج إليه الناس لسنتهم والله أعلم. قوله: { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } ?اليسر: السعة، والعسر: الضيق، ولولا إنه رخص للمريض والمسافر لكان قد ضيق عليهما. وأما قوله: "ولتكبروا الله على ما هداكم"، فقال قوم من أهل التفسير: يكبرون على الضحايا والذبائح التي هداكم لتأديتها، وقال قوم: يكبرون على إثر رمضان ليلة الفطر (¬7) وقوله: { فابتغوا ما كتب الله لكم } ?يعني الولد.
¬__________
(¬1) سورة البقرة: 183.
(¬2) يعني لكي تتقوا الأكل والشرب هذا في (ب) و (ج).
(¬3) في (ب): من غير مشقة سفر ولا مرض وفي (ج) من غير سفر ولا مرض.
(¬4) سورة البقرة: 184.
(¬5) في (ب): التفاسير.
(¬6) سورة البقرة: 185.
مخ ۱۴
وأما قوله: { والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } ، فإنه كان الرجل من العرب في صدر الإسلام يعاقد (نسخة يعاهد) رجلا أجنبيا، يعني يحالفه على النصرة له على عدوه يقول: "هدمي هدمك، ودمي دمك، تنصرني على عدوي وأنصرك على عدوك. ترثني وأرثك، فلا يورث قرابته من ماله شيئا". ثم نسخها قوله جل ذكره: { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } (¬1) يعني في (¬2) اللوح المحفوظ من العقد والحلف الذي كان يفعله الناس، والقرابات أولى والله أعلم.
¬__________
(¬1) الحض على التكبير في آخر رمضان في قول جمهور أهل التأويل، تفسير القرطبي. فقال الشافعي رضي الله عنه: روي عن سعيد بن المسيب وعروة وأبي سلمة إنهم كانوا يكبرون ليلة الفطر، ويحمدون: قال وتشبه ليلة النحر بها. وقال ابن عباس: حق على المسلمين إذا رأوا هلال شوال أن يكبروا. القرطبي ص 306.
(¬2) سورة الانفا ل: 75.
مخ ۱۵
وأما قوله تعالى: { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } (¬1) يعني مسلطون على النساء في الضرب الذي أمر الله به والتأديب. نسختها آية القصاص: ? { الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } (¬2) في قول بعض أهل (¬3) التفسير وقال قوم: الآية التي يذكر فيها الضرب والتأديب غير منسوخة، والرجل (¬4) كان يقتص من زوجته وتقتص منه فنسخ الاقتصاص بين الزوجين بقوله: { الرجال قوامون على النساء } (¬5) ، أي مسلطون، وأما قوله: { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } (¬6) يعني: بالظلم، فلما أنزلت هذه الآية قالوا: ما بالمدينة مال أعز من الطعام. فكان الرجل يتحرج الأكل في بيوت الأهل، نسختها: { ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم } (¬7) الآية. وقال قوم: ليس هذا نسخ، هذا تخصيص لبعض الآية. وهذا القول أنظر عندي؛ لأن حقيقة النسخ بأن يدفع حكم المنسوخ بكليته. وأما قوله: { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة. } (¬8) نزلت هذه الآية في الفداء الذي أخذه النبي صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر فعاتبه الله على ذلك ثم أباح له الفداء بعد ذلك بقوله تعالى: { فإذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء } (¬9) ، فكانت هذه الآية ناسخة للأولى. وأما قوله: { يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة } (¬10)
¬__________
(¬1) النساء: 34.
(¬2) البقرة: 178.
(¬3) روي عن ابن عباس إنها منسوخة بآية المائدة وهو قول أهل العراق. القرطبي راجع جزء 6 ص 191.
(¬4) في (ب) وإن الرجل.
(¬5) النساء: 34.
(¬6) البقرة: 188.
(¬7) سورة النور: 61.
(¬8) الأنفا ل: 67.
(¬9) سورة محمد صلى الله عليه وسلم 40.
(¬10) سورة المجادلة: 12..
مخ ۱۶
نسختها: { أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } (¬1) . وأما قوله: { يسألونك ماذا ينفقون } ? (¬2) فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحض المسلمين على فعل الصدقة فسألوه عن ذلك فأنزل الله جل ذكره: { يسألونك ماذا ينفقون؟ قل: العفو } ، (¬3) وهو ما فضل من (¬4) القوت، فإن كان من أصحاب الذهب والفضة أمسك لقوته وعياله ويصدق (¬5) بالباقي.
وإن كان ممن يعمل بيده أمسك قوت يومه وأنفق الباقي، نسختها قوله: { وما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين } (¬6) ثم نسخها قوله تعالى الآية التي في سورة براءة: { إنما الصدقات للفقراء والمساكين } (¬7) ويروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنه قال: "تصدقوا فإن صدقة السر تقي مصارع السوء وتدفع ميتة السوء" (¬8) . وقوله جل ذكره: { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } (¬9) كان الرجل إذا حضره الموت يوصي لزوجته بسكنها ومؤونتها سنة كاملة. ثم نسختها الآية التي قبلها: ?والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بانفسهن أربعة أشهر وعشرا } (¬10) وبطلت الوصية لها بقوله عليه السلام: " لا وصية لوارث " (¬11) وصار المفروض لها الربع والثمن من مال زوجها، وأما قوله تعالى: { ?يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام } ? (¬12) الآية.
¬__________
(¬1) سورة المجادلة: 13.
(¬2) سورة البقرة: 215.
(¬3) البقرة: 219.
(¬4) في (ج): عن.
(¬5) في (ج): وتصدق.
(¬6) البقرة:215.
(¬7) سورة التوبة: 60.
(¬8) رواه الترمذي.
(¬9) سورة التوبة: 60.
(¬10) البقرة: 240.
(¬11) رواه أصحاب السنن.
(¬12) سورة المائدة: 90.
مخ ۱۷
ولما (¬1) نزل تحريم الخمر قال المشركون: كيف لمن شربها منكم قبل تحريمها ؟ وما حال من مات منكم وقد سماه الله رجسا من عمل الشيطان وقد مات منكم من مات على شربها ؟ فأنزل الله: { ?ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا } ?الآية (¬2) وأما قوله تبارك اسمه: { ?يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا } (¬3) لحجهم،
وذلك أن بعض الصحابة أرادوا أن يقطعوا هديا لقوم سرقوا لهم أموالا بالمدينة وساقوها عليهم فأنزل الله عز وجل: { لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا?لحجهم، فحرم بهذه الآية القتال في الشهر الحرام وما سيق إلى البيت من هدي ثم نسخها بقوله: { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم?إلى قوله: { واقعدوا لهم كل مرصد } (¬4) ،ونسخ ذلك بقوله: { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا } (¬5) وأما قوله: { وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها } . (¬6) يقال: كانوا إذا أحرموا لم يدخل أحدهم من باب بيته ولم يخرج منه فإنما (¬7) كان يثقب في (¬8) ظهره ثقبا يخرج منه وإن كان خباء رفعه وخرج من ظهره، نسختها: { وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون } . (¬9)
¬__________
(¬1) في (أ): ونزل.
(¬2) سورة المائدة: 92.
(¬3) سورة المائدة: 2.
(¬4) التوبة: 5.
(¬5) التوبة: 28.
(¬6) البقرة: 189.
(¬7) في (ج): وإنما.
(¬8) في ساقطة من (ج).
(¬9) البقرة: 189.
مخ ۱۸
وأما قوله عز وجل: { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس?، (¬1) كان الرجل إذا حلف على قطع رحم لا يكلمه أو في معروف (¬2) كان لا يفعل ذلك ليبر القسم لئلا يأثم فأنزل الله: { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس } . وكان الرجل إذا حلف من قوم إذا أغضبه أحدهم خاف أن يحنث فأخبره الله أن الوفاء باليمين معصية فقال: { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } (¬3) يعني والله أعلم إذا تعمدوا في باب الإثم.
وأما قوله: { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن } . (¬4) كان الرجل إذا طلق زوجته واحدة واثنتين كان أملك بردها مالم تتزوج حتى تكون ثلاث تطليقات فتصير أملك بنفسها، وقال قوم: إذا (¬5) طلقها ثلاثا ما لم تتزوج نسختها الآية التي في سورة الطلاق، قول الله عز وجل: { إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة } ، إلى قوله: { لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف } (¬6) .
¬__________
(¬1) البقرة: 224.
(¬2) في (ب) ، (ج) أو معروف.
(¬3) البقرة: 225.
(¬4) البقرة: 228.
(¬5) في (ب)، (ج) لو طلقها.
(¬6) الطلاق: 2.
مخ ۱۹
وأما قوله: { يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة. } (¬1) كان الرجل قبل الإسلام إذا مات وترك امرأته، قام إليها ابنه من غيرها أو وارثه من قرابته إذا لم يكن له ولد طرح ثوبه على امرأة حميمه، فيرث نكاحها بالمهر الأول مهر الميت ثم يمسكها، فإن كانت شابة جميلة ذات مال عجل بها رغبة في مالها وشبابها، وإن كانت كبيرة دميمة أمسكها ولم يدخل بها وضارها حتى تفتدي منه إليها بمالها ثم يخلي سبيلها، فأنزل الله هذه الآية: { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة?وهو الزنا والله أعلم. وقال قوم: هو النشوز، فإذا فعلت ذلك حل له أخذ المهر منها والفداء، فكان (¬2) الناس كذلك حتى نشزت جميلة بنت عبد الله بن قيس (¬3) من زوجها ثابت بن قيس الأنصاري مرتين تشكو ثابتا بن قيس فيردها أبوها إليه ويقول: يا بنية ارجعي إلى زوجك واصبري، فلما رأت أن أباها لا يشكيها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكت إليه وذكرت إنها له كارهة فأرسل إلى زوجها فقال: يا ثابت: مالك ولأهلك؟ قال: والذي بعثك بالحق نبيا ما على ظهر الأرض أحب إلي منها غيرك، وإني لمحسن إليها جهدي، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تقولين فيما قال ثابت؟ فكرهت أن تكذب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألها فقالت: صدق يا رسول الله، ولكن تخوفت أن يدخلني النار. يعني إنها مبغضة له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه ما أخذت منه ويخلي (¬4)
¬__________
(¬1) النساء: 192.
(¬2) في (ب) و (ج): وكان الناس.
(¬3) في (ب): أبي قيس.
(¬4) في (ب) و (ج): ويخلي لك سبيلك..
مخ ۲۰