١ قال أما إذا أحببت أيها الحبيب أنطستانس أن تفهم اختلاف جميع الأعضاء التى فى بدن الإنسان وهى التى تعرف بالمتشابهة الأجزاء فأنا واصف لك ذلك فى هذه المقالة وجاعل ابتداء كلامى القول فى ما يستدل عليه من هذه اللفظة أعنى متشابهة الأجزاء فأقول إن الأمر فى أن هذا الاسم يدل على تشابه ما للأجزاء بين ظاهر كما أن الاسم أيضا المقابل له وهو قولك غير متشابه الأجزاء يدل على اختلاف الأجزاء ومع هذا أيضا فإن الذين جرت عادتهم باستعمال هذين الاسمين لما قصدوا إلى تحديد كل واحد منهما قالوا إن المتشابهة الأجزاء هى التى أجزاؤها يشبه بعضها بعضا ويشبه جميعها وأما غير المتشابهة الأجزاء فهى التى أجزاؤها لا تتشابه والشبه والحديد والذهب والرصاص من الأشياء المتشابهة الأجزاء وأما الأجسام المعدنية قبل أن تصفى بالنار وأبدان الحيوان كله إلا الشاذ منه فلأن بين الأجزاء التى منها تركيبها اختلافا كثيرا جدا قالوا إنها من الأجسام التى أجزاؤها غير متشابهة ويشبه أن يكون استعمالهم لهذا الاسم لم يجر على حقيقة ما يدل عليه هذا الاسم على أنهم قد ميزوا فى مواضع كثيرة بين ما يقال أنه متشابه وبين ما يقال أنه هو بعينه لأنه ما يقال فيه أنه هو بعينه يوجد كذلك إما فى الجنس وإما فى النوع وإما فى الجوهر الذى لا ينقسم أما فى الجنس فمثل الإنسان والفرس لأنهما جميعا حيوان وأما فى النوع فمثل سقراط وأبقراط لأنهما إنسانان وأما فى الجوهر الخاصى الذى لا ينقسم فمثل قياسك تركورس إلى نفسه وقد يسمى أيضا نوكودبرس إذا قيس إلى نفسه الذى هو بعينه فى العدد فأما المتشابه فهو المتركب من الماهية والغيرية إلا أن الغالب فى تركيبه الأجزاء الماهية وأما الأجزاء الغيرية فتوجد فيه يسيرة لأنه متى غلبت فيه الأجزاء الغيرية خرج عن أن يكون متشابها ويسمى ما كانت هذه حاله غير متشابه [الأجزاء] وقد تجد أشياء كثيرة ليس فيها شىء هو بعينه إذا كانت من أجناس أخر أقدم منها مثل الذى يوجد فى المعرفة والبياض وقد يكثر تعجبى من أرسطوطاليس وشيعته فى تسميتهم الأشياء التى جوهرها بكليتها جوهر واحد بعينه متشابهة الأجزاء وقد عرفوا الشىء بعينه والمتشابه وميزوا بينهما فى كتبهم اللهم إلا أن يكونوا هربوا من ذلك بسبب شناعة هذا الاسم فرأوا أن الأولى أن يقال متشابه الأجزاء مكان ما يقال الذى أجزاؤه أجزاء بعينها لأنه لا يمكن أيضا أن يسمى المخالف له باسم واحد كما يقال غير متشابه الأجزاء بل يجب ضرورة أن يضم إليه الحرف السالب فيقال الذى أجزاؤه ليست أجزاء بعينها وذلك أنه لا ينفهم من هذا الاسم أن ما يدل عليه هو المتغير الأجزاء وإنما اضطررت إلى هذا الكلام فى الأسماء ومن عادتى دائما ألا أعنى بذلك لئلا يغلط أحد فيخطئ فى الاستدلال على الأجسام المتشابهة الأجزاء فيظن مثلا أن العصبة والرباط والوتر شىء واحد فى النوع وذلك أن تشابه هذه الأجسام فى جوهرها إنما هو من جهة من الجهات وليست فى النوع شيئا واحدا بالحقيقة كما أن الحمامة أيضا والورشان ليس هما شيئا واحدا فى النوع ولا الذئب ولا الكلب ولهذا السبب صار الأولى أن تتدرب فى تعرف صورة كل واحد من هذه الأشياء التى بعضها قريب من بعض حتى يكون التمييز بين المتجانسة منها وبين المتشابهة فقط تمييزا مستقصى ولا ينبغى أن تفهم عنى فى هذا الموضع من قولى متجانسة أن فى هذا الاسم ما يدل على التشابه لكن على أن فيه اللفظة التى تدل على الأشياء التى يقال فيها أنها معا وذلك أن هذا الاسم إنما تسمى به الأشياء التى نوعها واحد فيدل بذلك على أن لها أنواعا تحصرها لا أنها محصورة من أنواع متشابهة وعلى هذه الجهة أيضا ينبغى أن تفهم عنا متشابهة الأجزاء وغير متشابهة الأجزاء فى جميع قولنا هذا وذلك أن المتشابهة الأجزاء هى التى صورة جوهرها بكليتها صورة واحدة بعينها وأما غير المتشابهة الأجزاء هى التى صورها ليست صورة واحدة بعينها ومع هذا أيضا فقد ينبغى أن نحدد شيئا آخر يحتاج إلى تحديده فى جميع هذا القول وهو أن الحكم فى الفرق بين المتشابهة الأجزاء وغير المتشابهة الأجزاء لا يمكن أن يدرك بالحس لأنه من القبيح أن يتوهم فى الشىء المركب من أجزاء صغار جدا لا يشبه بعضها بعضا أن جميعه شىء واحد
[chapter 2]
مخ ۵۰