فهذا ما اردنا ذكره من اصناف العادات واختلافها بحسب قوة الاشيا التي فيها يكون قوامها واصناف الصحة التي تحدث عنها ولان ارسسطراطس قد قال كما ان البدن يقتضي ايضا الاستفراغات اذا هو اعتادها قد ينبغي لنا ان نبحث عن ذلك وذاك انا قد نعلم ان قوما يصيبهم الرعاف بادوار في اوقات متساوية وقوم اخرون يستفرغ منهم الدم من العروق التي في السفلة وقوم اخرون يستفرغون بالقي او باختلاف نصيبهم وقوم اخرون يفرغون الدم من ابدانهم بارادتهم بفصد العروق او بشرط العروق التي الى جانب الكعبين او من المنخرين او يفرغون ابدانهم بالادوية المسهلة او بالادوية التي تبعث القي او التي تحدر الطمث وذلك ايضا مما ينبغي ان نبحث عنه فاني لا ارى ان هاولا انما يحتاجون الى مثل هذه الاستفراغات للعادة لكن للسبب الذي من اجله احتاجوا الى الاستفراغ الاول الذي فعلته الطبيعة او فعله رجل حكيم بقياس طبي لذلك السبب بعينه يحتاجون الى معاودته بعينه مرة ثانية ومرارا كثيرة وذلك ان في الناس قوما يجمع في ابدانهم بسبب سو تدبيرهم دما كثيرا واخلاطا ردية وبعض الناس يعرض لهم ذلك بسبب ان هية بدنه هية ردية فهم بهذا السبب ينتفعون بالاستفراغات التي ذكرناها اذا تحركت الطبيعة ففرغت من ابدانهم فضولها قبل ان يمرضوا او فعل ذلك بهم بعض الاطبا وبضعهم اذا هو مرض كانت مداواة مرضه بهذه الاستفراغات اذا انبعثت من الطبيعة او بعثها الطبيب باستعماله في المداواة ما يحتذى به فعل الطبيعة ثم انهم اذا اصابهم بعد ذلك مرض شبيه بالاول وتداووا بتلك الاستفراغات ويروا ان عرض لهم في وقت ما ان يجدوا مرة اخرى حس ثقل في جميع البدن او في الراس وحده او يجدون اضطرابا في البدن او غير ذلك من الاشيا الخارجة عن الطبيعة سالوا الاطبا ان يتقصوا ابدانهم لما يتخوفونه من ان تصيبهم الامراض التي قد كانت اصابتهم عندما عرضت لهم هذه الاعراض على هذا المثال فاذا هم افلتوا او تخلصوا من المرض الذي كانوا يتوقعونه اما باسهال واما باخراج دم بادروا وسارعوا الى ذلك العلاج حتى احسوا في بعض الاوقات باعراض شبيهة بتلك وبعضهم من قبل ان يحس بشي من الاعراض لخوفهم من حلول الوقت الموقت الذي كان يصيبهم فيه بعض العلل بادوار معلومة يتقدمون فيتفرغون ابدانهم ويظنون ان هذا الاستفراغ الذي يفعلونه على طريق التقدم بالحفظ قد صار عادة لهم وبالحق اقول ان البدن ليس يناله من امثال هذه الاستفراغات شي من التغيير فوجب ان يكون ذلك عادة له كما بينا انه يناله من الاشيا التي تقدم ذكرها بل انما يصيبه من سبب واحد بعينه امر واحد بعينه ولذلك متى ابدلوا اصحاب هذه الاستفراغات تدبيرهم وقللوا من طعامهم وزادوا في رياضتهم سلموا من الامراض فابدال العادة حينئذ مما ينتفعون به لا مما يضرهم. كما يضر اوليك الذين ذكرناهم قبل وذلك انه ليس الذي يتفق لهم من الانتفاع بالاستفراغ انما هو سبب العادة بل انما ذلك بسبب انهم يتدبرون تدبيرا رديا يجتمع في ابدانهم اخلاطا ردية وامتلا.
مخ ۱۵۰