جاحیز: مشرانو ادب (لومړی برخه)
الجاحظ: أئمة الأدب (الجزء الأول)
ژانرونه
وسأصف لك شرف النبيذ في نفسه، وفضيلته على غيره؛ لأن النبيذ إذا تمشى في عظامك، والتبس بأجزائك، ودب في جنانك؛ منحك صدق الحس وفراغ النفس، وجعلك رخي البال واسع الذرع قليل الشواغل قرير العين واسع الصدر حسن الظن، ثم سد عليك أبواب التهم، وحسن دونك الظن وخواطر الفهم، وكفاك مئونة الحراسة وألم الشفقة وخوف الحدثان وذل الطمع وكد الطلب، وكل ما اعترض على السرور وأفسد اللذة وقاسم الشهوة وأخل بالنعمة. وهو الذي يرد الشيوخ في طبائع الشبان، ويرد الشبان في نشاط الصبيان، وليس يخاف شاربه إلا مجاوزة السرور إلى الأشر، ومجاوزة الأشر إلى البطر. ولو لم يكن من أياديه ومننه، ومن جميل آلائه ونعمه، إلا أنك ما دمت تمزجه بروحك وتزاوج بينه وبين دمك فقد أعفاك من الجد ونصبه، وحبب إليك المزاح والفكاهة، وبغض إليك الاستقصاء والمحاولة، وأزال عنك تعقد الحشمة وكد المروءة، وصار يومه جمالا لأيام الفكرة وتسهيلا لمعاودة الروية؛ لكان في ذلك ما يوجب الشكر ويطنب الذكر، مع أن جميع ما وصفناه وأخبرنا به عنه يقوم بأيسر الجرم وأقل الثمن. ثم يعطيك في السفر ما يعطيك في الحضر، وسواء عليك البساتين والجنان، ويصلح بالليل كما يصلح بالنهار، ويطيب في الصحو كما يطيب في الدجن، ويلذ في الصيف كما يلذ في الشتاء، ويجري مع كل حال، وكل شيء سواه فإنما يصلح في بعض الأحوال، ويدفع مضرة الخمار كما يجلب منفعة السرور. وإن كنت جذلا كان بارا بك، وإن كنت ذا هم نفاه عنك. يسر النفوس ويحبب إليها الجود، ويزين لها الإحسان، ويرغبها في التوسع، ويورثها الغنى، وينفي عنها الفقر، ويملؤها عزا، ويعدها خيرا، ويحسن المسارة، ويصير به النبت خصبا والجناب مريعا ومأهولا معشبا.
وليس شيء من المأكول والمشروب أجمع للظرفاء ولا أشد تألفا للأدباء ولا أجلب للمؤنسين ولا أدعى إلى خلاط الممتنعين ولا أجدر أن يستدام به حديثهم ويخرج مكنونهم ويطول به مجلسهم منه. وإن كل شراب وإن كان حلا ورق وصفا ودق وطاب وعذب وبرد ونفح، فإن استطابتك لأول جرعة منه كثير ويكون من طبائعك أوقع، ثم لا يزال في نقصان إلى أن يعود مكروها وبلية، إلا النبيذ؛ فإن القدح الثاني أسهل من الأول والثالث أيسر والرابع ألذ والخامس أسلس والسادس أطرب، إلى أن يسلسك إلى النوم الذي هو حياتك وأحد أقواتك. ولا خير فيه إذا كان إسكاره تغلبا، وأخذه بالرأس تعسفا، حتى يميت الحس بحدته، ويصرع الشارب بسورته ، ويورث البهر بكظته، ولا يسري في العروق لغلظته، ولا يجري في البدن لركوده، ولا يدخل في العمق ولا يدخل في الصميم، ولا والله حتى يغازل العقل ويعارضه ويدعه ويخادعه فيسره ثم يهزه، فإذا امتلأ سرورا وعاد ملكا محبورا خاتله السكر وراوغه وداراه، وماكره وهازله وغانجه، وليس كما يغتصب السكر
3
ويعتسف الذاذي
4
ويفترس الزبيب، ولكن بالتقتير والغمز والحيلة وتحبيب النوم وتزيين الصمت.
ذم النبيذ
من مثالبه أن صاحبه يتكرهه قبل شربه، ويكلح وجهه عند شمه، ويستنقص الساقي من قدره ويعتبر عليه مكياله ويمزجه بالماء الذي هو ضده ليخرجه عن معناه وحده، ثم يكرعه على المبادرة، ويتجرعه ولا يكاد يسيغه، ليقل مكثه في فيه، ويسرع على اللهوات اجتيازه. ثم لا يستوفي كليته، ويرى أن يجعل عاقبة الشراب فضلة في قدحه، ويشاح الساقي في المناظرة على ما بقي منه عند رده ليصرف عن نفسه عادية شربه، ويذهب بساعته ويمنع من تهوعه.
أمثلة من رسائل الجاحظ
كتب في الاعتذار
ناپیژندل شوی مخ