30 (32) إن كل ما في استطاعة عالم الطبيعة أن يؤكده بواسطة قانون بقاء الطاقة هو أن القدر المعين الموجود من الطاقة في الصورة «أ»، يساوي القدر المعين الموجود من الطاقة في الصورة «ب». «غير أن التأكد من المتساويات الآلية للصور المختلفة من الطاقة، وتقرير الثبات المطلق لهذه المتساويات كجزء من المسلمة العامة التي تقول إن الطبيعة مطردة شيء، والزعم بأن كمية الطاقة الموجودة في الكون محدودة، ولأنها محدودة فهي لا تزيد ولا تنقص تبعا لقانون ما أو لمبرر كاف شيء مختلف عنه أتم الاختلاف ... «إن عالم الطبيعة لا يعرف إلا أن معدلات التحول والتبدل ثابتة ومنتظمة داخل نطاق الحدود الضيقة جدا لملاحظته، وهو حتى داخل هذه الحدود مقيد تماما بمعدل النتائج لعدد لا حصر له من العمليات الفردية».»
31 (33) وفضلا على ذلك كله، وبغض النظر عن مشكلة الصعوبة الكمية : فكيف يستطيع العلم أن يتأكد من أن صور الطاقة المعروفة هي وحدها الصور الممكنة فحسب؟ إننا حين نقول: إن «أ» يمكن أن تتحول تماما إلى «ب»، فإننا لا نستبعد بذلك إمكان وجود صور أخرى من الطاقة تتوسط هذه الدورة. وسواء أكانت كمية الطاقة الموجودة في الكون ثابتة كلها أم لا، فسوف يبقى علينا أن نتأكد من أن قائمة صور الطاقة التي نعرفها قائمة شاملة تماما، قبل أن يحق لنا أن نرفض نظرية جديدة. (34) وإلى جانب ذلك كله: افرض أننا سلمنا بأن قانون بقاء الطاقة صحيح وشامل، فهل لا بد أن يكون هناك تعارض بين مثل هذا القانون وبين النشاط الذاتي؟ يمكن أن يقال بادئ ذي بدء إن قانون بقاء الطاقة يختص فحسب بإعادة توزيع الطاقة داخل إطار النظام المادي، لكنه يظل صامتا أمام الأحداث الأخرى التي يقال إنها ليست مادية. إن ما يؤكده هذا القانون هو أن الطاقة لا يمكن أن تزيد أو تنقص في أية ظروف مادية، لكنه لا يخبرنا ما الذي عساه أن يحدث لو تدخل عامل غير مادي ليلعب دورا في هذه الأحداث. (35) ثانيا - وربما كانت تلك نقطة أكثر أهمية - إن من الممكن تماما أن تكون فاعلية الذهن مجرد فاعلية موجهة، بحيث تقود إلى إعادة توزيع الطاقة دون أن يكون لها أدنى أثر على كمية هذه الطاقة زيادة أو نقصانا. والحق أن المرء ليغريه تماما أن يسوق اقتراحا جريئا مؤداه أن الحياة تعتمد على توجيه وضبط الطاقة دون أن تكون هي نفسها إحدى صورها، ويمكن أن تكون لمجرد إعادة التنظيم نتائج مذهلة، فنحن نجد فيما يسمى بفعل الإنسان في الطبيعة أن «خواص المادة هي التي تعمل كل شيء بمجرد ما توضع الأشياء في وضعها الصحيح. وكل ما يفعله الإنسان في المادة، بل كل ما يستطيع أن يفعله هو أن يقوم بهذا العمل، أعني أن يضع الأشياء في وضعها الصحيح، بحيث يمكن أن تؤثر فيها قواها الداخلية الخاصة، كما تؤثر فيها تلك الأشياء الطبيعية الأخرى الباقية. فالإنسان لا يفعل شيئا سوى أن يحرك شيئا من شيء آخر أو إلى شيء آخر. وأوامره كلها على قوى الطبيعة لا يمكن أن تقاس قوتها بتلك القوة التي يحصل عليها هو نفسه حين ينظم الأشياء في تلك التركيبات والتفاعلات التي نشأت عنها القوى الطبيعية ذاتها، كما هي الحال - مثلا - حين يضع عود ثقاب مشتعلا على وقود، أو حين يضع الماء فوق مرجل من نار، بحيث يتولد عنها قوة البخار التمددية التي أدت بشكل واسع إلى تحقيق الأغراض البشرية.»
32
يقول: «ماكسويل
Maxwell » لو أننا افترضنا وجود عفريت من نوع خاص، بلغت ملكاته من الدقة حدا يمكنه من تتبع الجزئيات في مسارها، بحيث يكون قادرا على أن يعمل ما يستحيل علينا الآن عمله، فسوف نظل مع ذلك نتخيله محدودا في صفاته مثلنا تماما؛ لأن «الجزئيات في إناء مملوء بالهواء وفى درجة حرارة مطردة تتحرك بسرعات ليست مطردة على الإطلاق، رغم أن أدنى سرعة لأي عدد كبير منهم نختاره اختيارا تعسفيا هي سرعة مطردة في الغالب تماما. ودعنا الآن نفترض أن مثل هذا الإناء يقسم قسمين هما: «أ، ب»، وأن أحد القسمين به ثقب صغير، وأن هناك كائنا يستطيع أن يرى الجزئيات الفردية، يفتح هذا الثقب الصغير ويغلقه بحيث يسمح فقط للجزئيات السريعة بالعبور من «أ» إلى «ب»، والجزئيات البطيئة بالعبور من «ب» إلى «أ». إن مثل هذا الكائن سوف يستطيع على هذا النحو - دون أن يبذل أدنى جهد - أن يرفع درجة حرارة «ب»، وأن يخفض درجة حرارة «أ».»
33
غير أن ذلك ليس إلا تشبيها مجازيا يمكن أن يساء فهمه، فأنا لا أفترض وجود أي كائن متوسط يقوم بعمل التوزيع من أجل الفاعل السيكوفيزيقي على النحو الذي اقترح فيه «ديكارت» وجود غدة صنوبرية تقوم بوظيفة مماثلة.
34
كلا، ولست أفترض وجود ذهن مستقل يعمل في البدن ويتفاعل معه. فأنا أعتقد أن هناك كائنا واحدا فحسب هو: الفاعل السيكوفيزيقي، وواحديته هي اتحاده العضوي، أو هي وحدته العضوية، ومثل هذا الفاعل له وظيفة تختص بطريقة عجيبة بالجسم الحي، وهذه الخاصية العجيبة تعتمد أساسا - كما قلنا - على انتباه الفرد إلى الوجود، وانتقاء عناصر معينة ورفض عناصر أخرى، والفرد في إحداثه لحركته يكون نشطا فعالا محددا بذاته فحسب، وكل أنشطة الفرد - أيا كان نوعها - تفترض مقدما وظائف الانتقاء والاختيار المتضمنة في الانتباه.
بقي أن نعرف: متى يعتبر فعلا من أفعال الانتباه إرادة، ومتى لا يعتبر كذلك.
ناپیژندل شوی مخ