وهذا الموضوع قد «يمتص» أو يستغرق انتباهنا كله، بحيث نجد أن الموضوعات الأخرى التي تقع في مجال الانتباه تنزاح إلى خلفية هذا المجال. ويستمر «سير تشارلز شرنجتون» فيقول:
56 «هناك مراتب من الفعل. فنحن نعتقد في أنفسنا، وفي غيرنا من الناس، أننا مشغولون في هذه اللحظة أو تلك بهذا العمل أو ذاك. وهذا حق. فكل منا في أية لحظة، من لحظات اليقظة عبارة عن حزمة كاملة من الأفعال المتآنية، ووسط هذه الحزمة هناك فعل رئيسي واحد، أو فعل مركزي بعينه، تتركز عليه نظرتنا الخاصة بوصفه الفعل الذي نقوم به أساسا في هذه اللحظة الراهنة. وأيا ما كان هذا الفعل الرئيسي فإن هناك أفعالا أخرى تشترك معه وتتحد به وتساهم فيه، بعضها بنصيب كبير وبعضها الآخر بنصيب أقل. وهناك أفعال أخرى بعضها لا يكون له علاقة على الإطلاق بهذا الفعل الرئيسي، وبعضها الآخر تكون علاقته ضئيلة للغاية، لكن لا توجد حالة من الحالات تكون فيها هذه الأفعال الجانبية مزعجة للفعل الرئيسي المركزي. وعلى ذلك فكل منا في أية لحظة عبارة عن نموذج للفعل الإيجابي النشط، نموذج بسيط من شرائح كلها ثانوية بالنسبة للفعل الأساسي. ولا يسمح لأي جزء من أجزاء هذا النموذج بإزعاج الفعل المركزي الأساسي. إنه لو حدث ذلك لتغير النموذج كله، ولأصبحت الشريحة المزعجة هي الفعل المركزي في نموذج جديد يزيح النموذج السابق ويحل محله. وتصبح هذه الشريحة الرئيسية تاجا للفعل الموحد في اللحظة الراهنة».
ومن ثم فإن القول بأن الجوانب المختلفة من الفرد تتقارب وتتحد في نشاطها هو - فيما يبدو - العلامة المميزة لما نسميه بالفردية. وبعبارة أخرى، فإن اتصال الزمان في نشاط أجزاء نسق ما، يجعل من هذا النسق كلا متكاملا. ومعنى ذلك أن الإنسان في حالة الفعل يكون فردا،
57
أي كلا تلتحم أجزاؤه تماما. فإذا كانت الأجزاء المتعددة التي يتكون منها تركيبه العضوي قادرة على القيام بأفعال منفصلة، فإن هذه الأجزاء كلها تتحد وتتآزر - حين يعمل ككل عضوي - لتقوم بعمل واحد؛ لأن الفرد لكي يتحد فإنه لا يحتاج إلى مركز مكاني موحد، وإنما اتحاده يكفله تماما تعاون الأجزاء واتجاهها نحو فعل واحد: «فالاتصال الزماني في النشاط يعفي من الحاجة إلى التركيز في المكان».
58
والقول بأن وحدة الذات ووحدة الموضوع يتضمن كل منهما الآخر يتضح تماما حين نقول إن خبرة الشخص المنتبه في أية لحظة من اللحظات هي نفسها عبارة عن وحدة، فأيا ما كانت عناصر هذه الخبرة فإنها تتحد وتلتحم في نمط واحد، أو أنموذج واحد، له مغزاه: «إن الجانب الوحدوي للخبرة في لحظة ما هو نفسه جانب من وحدة «الأنا». وهناك أشكال سيكولوجية تسمى بالأشكال المزدوجة المنظور؛ لأنها تبدو في لحظة شكلا معينا وفي لحظة أخرى شكلا آخر ... ولكنها باستمرار هذا الشكل أو ذاك. أليس من التبسيط المفرط أن نشبه ذلك بتفسير الذهن «للآن» على أنها باستمرار موقف له معنى واحد؟ إن الخبرة المتكاملة هي التي تعتبر موقفا واحدا في لحظة معينة تماما، كما أن الفرد المتكامل حتى بالنسبة لأولئك الذين ينظرون إلى الفرد على أنه آلة - آلة تستطيع القيام بأعمال كثيرة، ومع ذلك فهذه الآلة لا تستطيع أن تقوم، في اللحظة الواحدة، إلا بعمل رئيسي واحد.»
59 (34) إن ما يمكن أن نسميه بلحظة الانتباه، هو على وجه الدقة ما يتألف منه حاضرنا - غير أن لحظة الانتباه ليست لحظة من لحظات الزمان الرياضي،
60
فهي تستغرق وقتا من الزمن كما أن لها مدة معينة. وينبغي أن نفعل ذلك بمعنى «سابق» «ولاحق» كما تطبق على لحظات العالم الفزيائي. أعني أن لحظة الانتباه تستغرق وقتا من جانب المنتبه، وهي لها مدة، أي فترة من التتابع الموضوعي من جانب العالم الطبيعي «الفيزيائي». فكيف يمكن إذن أن نسميها حاضرا ونحن نعرف أنه يمكن تحليلها إلى ما قبل وما بعد؟ يبدو أننا نقع في مفارقة حين نقول إن لحظة الانتباه هي برهة تتضمن «قبل» و«بعد»، لكن ليس لها ماض ولا مستقبل، وإنما ينظر إليها ككل، هو الذي يشكل ما نسميه بالحاضر الرواغ
ناپیژندل شوی مخ