الجيزة في 24 يناير 1961
من هو الرجل
(1) شيء عن حياته
ها هو ذا علم من أعلام الفكر الإسلامي، كنا نتوقع أن نجد عنه الرواية المستفيضة والخبر اليقين، لكننا لا نصادف في ذلك إلا أقوالا متعارضة، قد بلغ فيها اختلاف الرأي حدا ينكر معه المنكرون أن رجلا كهذا قد شهده التاريخ، وهي قصة تتكرر مع كثيرين من نوابغ الفكر، كأنما الإنسانية تستكثر على نفسها أن ينبغ من أبنائها أحد يجاوز بنبوغه هذا حدا معلوما، فإن جاوزه قال عنه الخلف إنه أسطورة لفقها الخيال؛ فهوميروس قد وجد - وما يزال يجد - من أنكر وجوده؛ وشيكسبير قد وجد - وما يزال يجد - من أنكر وجوده، وامرؤ القيس قد وجد من تشكك في وجوده، وها هو ذا صاحبنا جابر بن حيان: «تقول عنه جماعة من أهل العلم وأكابر الوراقين إنه لا أصل له ولا حقيقة.» وقال بعضهم إنه حتى إن كانت له حقيقة تاريخية فهو لم يصنف هذه الكتب الكثيرة التي قيل إنه مصنفها، واستثنوا كتابا واحدا من كتبه نسبوه إليه، هو «كتاب الرحمة»، وأما بقية مصنفاته فقد صنفها غيره ثم نحلوه إياها - هذه رواية يرويها صاحب «الفهرست»
1
ثم يعقب عليها قائلا: «إن رجلا فاضلا يجلس ويتعب، فيصنف كتابا يحتوي على ألفي ورقة، يتعب قريحته وفكره بإخراجه، ويتعب يده وجسمه بنسخه، ثم ينحله لغيره - إما موجودا أو معدوما - ضرب من الجهل؛ وأن ذلك لا يستمر على أحد، ولا يدخل تحته من تحلى ساعة واحدة بالعلم، وأي فائدة في هذا، وأي عائدة؟»
2
ولا يتردد ابن النديم في رفض هذه الدعوى، معترفا للرجل بأقل ما ينبغي الاعتراف به، وهو وجوده، قائلا إن أمره أظهر وأشهر من أن يخفى، وتصنيفاته أعظم وأكثر من أن ينكر وجود صاحبها؛ وكذلك أيضا فعل «كار دي فو» عند ذكره للرواية نفسها التي تزعم عن جابر أنه أسطوري لا حقيقة له في التاريخ؛ إذ قال: «إنها رواية نرفضها بغير تردد.»
3
ولا نكاد نقرر للرجل وجوده حتى نصطدم باختلاف آخر يسير حول اسمه، فهو آنا: «أبو عبد الله جابر بن حيان»
ناپیژندل شوی مخ