اتحاف ابناء العصر بتاريخ ملوك مصر

امین واصف d. 1346 AH
71

اتحاف ابناء العصر بتاريخ ملوك مصر

إتحاف أبناء العصر بتاريخ ملوك مصر

ژانرونه

وقبل التكلم على هذه الدولة أي دولة المماليك البحرية نذكر طرفا من أخبار السلجوقيين، الذين بظهورهم ضعفت خلفاء بني العباس وزالت بالكلية والجزئية بإغارة المغول.

الفصل الحادي عشر

السلجوقيون وحروب الصليب

كان دقاق أبو سلجوق من مقدمي الترك، ونشأ سلجوق وعليه أمارات النجابة، فقدمه بيغو ملك الترك، ثم خاف من بيغو فدخل وكل من أطاعه في دين الإسلام لسعادته، وأقام بنواحي جند - بفتح فسكون - قرية وراء بخارى، وصار يقاتل كفار الترك، وتوفي سلجوق المذكور بجند وعمره 107 سنة، واستمر أولاده أرسلان وميكائيل وموسى في غزو الترك، حتى قتل ميكائيل في الغزوات وخلف أربعة؛ بيغو وطغرلبك وجعروبك داود وإبراهيم نيال، قربوا من بخارى فأساءهم أميرها، فالتجئوا إلى بغراخان ملك التركستان، واتفق طغرلبك وأخوه داود أن لا يجتمعا ببغراخان حذرا من غدره، فتقدم إليه طغرلبك فقبض عليه ملك التركستان وسجنه، ولم يمكنه القبض على داود، فأرسل بغرا جيشا لقتال داود، فانهزم عسكر بغرا، وسار داود وأخرج أخاه من السجن، وأقاما بجند حتى انقرضت الدولة السامانية، وملك إيلك خان بخارى، فعظم عنده أرسلان بن سلجوق.

ثم سار إيلك خان وجعل عامله على بخارى علي تكين ومعه أرسلان، حتى جاء السلطان محمود بن سبكتكين وقصد سنجار، فهرب علي المذكور من بخارى، وكاتب أرسلان السلطان محمودا، فلما دخل بخارى قبض على أرسلان وجماعة السلجوقيين، وفرقهم نواحي خراسان على خراج يدفعونه إليه، فجارت العمال عليهم، فانفصل جماعة منهم وساروا إلى أذربيجان ومكثوا بها، واسمهم هناك الترك الغزية، وسار طغرلبك وأخوه داود وبيغو إلى بخارى، فقاتلهم عسكر علي تكين، وأخيرا استمرت الحروب بين طغرلبك وإخوته وبين مسعود ابن السلطان محمود انتهت بهزيمة مسعود، واستولى السلجوقيون على خراسان ، وخطب لهم على المنابر في آخر سنة 431ه، واستمر طغرلبك في فتوحاته إلى أن قدم إلى العراق ونزل بحلوان، فعظم الإرجاف ببغداد، وبذل قوادها له الطاعة والخطبة بإذن الخليفة العباسي القائم بأمر الله، ثم استأذن طغرلبك في دخول بغداد فدخلها، وقبض أيضا على الملك الرحيم آخر ملوك العراق من بني بويه، واستيلاء طغرلبك على الأمور كان سببا في انحطاط الدولة الإسلامية، وانتقال شوكة العربية إلى الأتراك الذين كانوا قد دخلوا في خدمة الدولة منذ قرنين، فلما ارتفع شأن طغرلبك ازدادت قوة الأتراك وأشهروا السلاح، واستمروا في الفتوحات الإسلامية التي وقفت بظهور دولة بني العباس، وهم الذين قاوموا المسيحيين مدة حروب الصليب، إلا أن نمو التمدن وقف بالبلاد المشرقية، وحصل التعصبات والفشل والمصائب الكبيرة التي أهمها إغارة المغول.

ولما مات طغرلبك أخلفه ابن أخيه ألب أرسلان ، فأخذ في الغزوات، واستولى على سيليسيا التي كان قد أخذها من العرب إمبراطور القسطنطينية المدعو «حنازيميسكس»، فقهر الإمبراطور المعاصر له وهو «ديوجين»، وامتد حكم ألب أرسلان إلى أقصى بلاد العرب، ثم توجه لغزو بلاد التركستان، فقتل هناك فأخلفه ابنه جلال الدين ملك شاه، الذي به ازدادت قوة السلجوقيين، فاجتهد في توطيد سطوته وتوسيع مملكته، وكان وزيره نظام الملك قد اشتهر بالفضل والكرم كجعفر البرمكي، وفي مدته كثرت المدارس والجوامع ببغداد وتجددت الشوارع وإلى غير ذلك من الأشغال الداخلية، وقد بعث جيشا مع وزيره نظام الملك لفتح البلاد، ففتح مدينة أنطاكية، وجملة مدن أخرى من بلاد الجزيرة وطرد الروم، وتبعهم إلى بوغاز البوسفور وجميع البلاد الممتدة من جبال قوقاز لغاية بلاد أرمينيا، ولم يبق للروم سوى المدن البحرية فقط، وصارت جميع البلاد من نهر الهندوس لغاية البحر الأحمر وبحر الأرخبيل مذعنة الطاعة لملك شاه، ولما مات قسمت مملكته بين أولاده الأربعة؛ محمود وبارقيارك وسنجار ومحمد إلى أربعة أقسام، بعد حروب شديدة حصلت بينهم وهي العجم والقرمان والشام والروم «قبادوسيا»، وكان تخت الأخيرة قونية، وتمزقت ممالك ملك شاه، واستقل عماله على أقاليمهم، فإن زنكي الملقب بالأتابكي استقل بالموصل، وأرتك التركماني تغلب على المقدس، وفي مدته قاست النصارى الظلم والجور، فلما أتى أحد الحجاج الفرنساويين المدعو بطرس أرميت لزيارة الأرض المقدسة، وعاين ما هو فيه أبناء جنسه، عاد إلى فرنسا وقص ما شاهده، فكان ذلك سببا للحرب الصليبية الأولى، وسميت بهذا الاسم؛ لأنه كان بملابس المجاهدين فيها صلبان حمر من معادن مختلفة.

الحرب الأولى

وكانت ركبة غير منتظمة، ولم تكن رؤساؤها من أهل الخبرة، قاموا من أوروبا سنة 1096م الموافقة سنة 426ه، وساروا على شواطئ نهر الدانوب، وأخربوا جزءا عظيما من بلاد المجر والصرب ودمروا كل ما مروا به، وعند وصول هؤلاء الأقوام إلى القسطنطينية أدخلهم إمبراطورها «أليكسيوس كومنينوس» آسيا الصغرى، فلما وصلوا إلى مدينة أنجورا قام عليهم ملك الروم السلجوقي وهزمهم ومزقهم كل ممزق، ولم يعد عليهم شيء من هذه الإغارة إلا فقد أرواحهم . وفي السنة الثانية أتى جيش أقل عددا من الجيش المتقدم، إلا أنه كثير الجراءة، وكان قواده أناسا ذوي شهامة ومهارة، وكان الرئيس الأكبر لهذه الركبة هو «جدوفروادو بويون» فاجتاز بوغاز البوسفور، وحاصر مدينة نيسيا وأدخلها تحت طاعة الإمبراطور السابق الذكر، ثم انتصر على الأتراك في وقعة بالقرب من مدينة دورليا، وكانت هذه المدينة مفتاح آسيا الصغرى، لكنه هلك منهم جزء عظيم بالأمراض والحروب المستمرة بينهم وبين الأتراك، فلما وصلوا إلى مدينة أنطاكية كان في طاقة المسلمين الظفر بأعدائهم لولا الشقاق الداخلي بين الرؤساء السلجوقيين، وبعد ثمانية شهور من الحصار وقعت هذه المدينة في قبضة الصليبيين، فقام أمير الموصل «كتبغا» لمساعدة تلك المدينة، فهزم شر هزيمة سنة 1099م الموافقة سنة 429ه، ومع أن بيت المقدس كان ذا حصون متينة أخذه الصليبيون وصار «جدوفروادو بويون» ملكا عليه، وذلك بعد موت أخيه «بودوين» السالف الذكر بسنتين، وعاد الصليبيون إلى أوروبا بعد أن نظموا بيت المقدس على نسق الممالك الغربية، واستمر أهل القدس النصارى في حروب دائمة مع المسلمين حتى اتسعت مملكتهم، وفتحوا مدينتي أنطاكية وأورفا، وجعلوهما مدينتين حصينتين لتكونا لهم ملجأ عند الشدائد.

الحرب الثانية

ولما استولى عماد الدين زنكي على مدينة أورفا وطرد منها نواب الصليبيين كان ذلك سببا في حرب صليبية ثانية تحت قيادة «لويز السابع» ملك فرنسا و«جونراد الثاني» إمبراطور ألمانيا، فماصروا دمشق ولكنهم التزموا بالرحيل عنها؛ لأن جيوشهم قد هلكت من الحروب والأمراض المتكاثرة، وقد كانت مملكة بيت المقدس في حالة سيئة، ولما تولى «صلاح الدين يوسف» ملك مصر واستولى على دمشق وحلب والموصل وهزم ملك بيت المقدس «جي لوزنيان» ودخل القدس وهدم مملكة بيت المقدس النصرانية كما تقدم، شرع «فريديريك بربيروس» إمبراطور ألمانيا و«فيليبش» ملك فرنسا و«ريتشار قلب الأسد» ملك إنجلترا في حروب صليبية ثالثة، فتوفي فريديريك في الطريق، ووصل الصليبيون إلى فلسطين، واستولوا على عكا وبعد هذا النجاح العظيم عاد أغلب الصليبيين إلى أوروبا فاستمر «ريشار» بنفسه في قتال المسلمين، ولكنه بعد ذلك نزل أرض فلسطين بعد أن تعاهد مع صلاح الدين يوسف سنة 1192م الموافقة سنة 522ه، وشرع في حروب صليبية أخرى، فحصلت بعد ذلك بيسير، وكانت تارة بالشام وتارة بمصر وتارة بتونس، ولكن كانت سجالا ودولا بين الطرفين، وأخيرا بقيت الشام للمسلمين وانضمت إلى مصر في زمن الأيوبيين والمماليك البحرية والجراكسة.

ناپیژندل شوی مخ