إثبات الشفاعة
تأليف
شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي
المتوفى سنة ٧٤٨ هـ
تحقيق
إبراهيم باجس عبد المجيد
أضواء السلف
الطبعة الأولى
١٤٢٠ هـ - ٢٠٠٠ م
ناپیژندل شوی مخ
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الحمد لله الذي أنعم علينا بالطاعة، وجعلنا من أهل السنة والجماعة، وأمدنا على تقواه بالاستطاعة، ووعدنا -وهو الكريم الذي لا يخلف الميعاد- بالرحمة والعفو والمغفرة وقبول الشفاعة. وصلى الله على محمد المبعوث رحمة للعالمين بين يدي الساعة، وعلى آله وأصحابه ومن أحسن اتباعه.
أما بعد، فإنا -بحمد الله- ممن من عليهم بمجانبة المبتدعة من المعتزلة والمرجئة، فلا نقول بتخليد فساق المسلمين في النار كما قالته المعتزلة والخوارج، وردوا أحاديث الرجاء، ولا نقول بسلامة المسلم
1 / 19
المصر عل الكبائر، كالقتل والظلم وقطع الطريق والزنا والربا أو غير ذلك كما قالته المرجئة وردت أحاديث الوعيد، بل نؤمن أن الله تعالى يخرج من النار من في قلبه أدنى وزن ذرةٍ من إيمان برحمته وكرمه وشفاعة نبيه وغير ذلك.
فشفاعته لأهل الكبائر من أمته، وشفاعته نائلةٌ من مات يشهد أن لا إله إلا الله. فمن رد شفاعته ورد أحاديثها جهلًا منه، فهو ضالٌ جاهل قد ظن أنها أخبار آحاد، وليس الأمر كذلك، بل هي من المتواتر القطعي، مع ما في القرآن من ذلك. قال الله: ﴿من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه﴾، وقال: ﴿ولا يشفعون إلا لمن ارتضى﴾ وقال: ﴿ولا تنفع الشفعة عنده إلا لمن أذن له﴾، وقال في حق الكفار: ﴿فما تنفعهم شفاعة الشافعين﴾ .
فمفهوم أن غير الكفار تنفعهم شفاعة الشافعين، فشفاعات نبينا ﷺ سبعة:
فأولها: شفاعته الكبرى العامة في الخلائق، الخاصة به حين يرغب الخلق إليه، فيشفع في أهل الموقف ليقضى بينهم، وذلك هو المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون.
1 / 20
الثانية: شفاعته إذ يسجد ويحمد ربه، ثم يقول: «أمتي. فيقول الله له: أدخل من أمتك من لا حساب عليه الجنة من الباب الأيمن» . والحديث في الصحيح.
الثالثة: شفاعته في دخول سائر أهل الجنة الجنة، كما خرجه مسلم من طريق أنس.
الرابعة: شفاعته في من دخل النار من أهل الكبائر. قال: «فيحد لي حدًا فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة» . إلى أن قال في الثالثة: «يا رب، ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود» .
الخامسة: شفاعته في بعض أهل النار حتى يخفف من عذابه كما في الصحيح من حديث أبي سعيد أن النبي ﷺ ذكر عمه أبا طالب، فقال: «لعله تنفعه شفاعتي، فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه» .
وفي حديث العباس، قال: يا رسول الله، إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك ويغضب لك، فهل نفعه ذلك؟ قال: «نعم. وجدته في غمرات النار، فأخرجته إلى ضحضاح» .
روله مسلم.
السادسة: شفاعته في قوم استوجبوا دخول النار بذنوبهم، فيشفع فيهم، فلا يدخلون النار ويدخلون الجنة.
1 / 21
السابعة: يشفع في رفع درجات أقوام وزيادة نعيمهم، كما في حديث أم سلمة أنه ﷺ دعا لأبي سلمة لما قبض، فقال: «اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين»، وذكر الحديث.
أخرجه مسلم.
فصل
قال أبو الحسن الأشعري: الحق أن نبينا ﷺ مخصوص من بين الأنبياء بالشفاعة في المذنبين من أمته، الذين ماتوا بلا توبة. فشفاعته للمذنبين بالتجاوز عن ذنوبهم، وللتائبين بقبول توبتهم، وللمحسنين بالزيادة في نعيمهم.
فأما المعتزلة، فعندهم أن شفاعته إنما هي رفع الدرجات وزيادة الثواب فقط، قال في أصولهم الفاسدة: القول بإنفاذ الوعيد وبإحباط أعمال أهل الكبائر وبتخليدهم في النار. نعوذ بالله من البدع ومن رد النصوص المتواترة في الشفاعة.
فأما الأحاديث التي لا تنحصر كثرة، فمنها:
أحاديث أنس ١- فروى هشام عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: «يجمع المؤمنون، فيهتمون لذلك اليوم، ويقولون: لو استشفعنا إلى ربنا ⦗٢٣⦘ حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم» . وذكر الحديث بطوله، إلى أن قال: «فيأتوني فأنطلق معهم، فأستأذن على ربي، ويؤذن لي عليه، فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدًا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، فيقول: يا محمد، ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع. فأحمد ربي بمحامد علمنيها، ثم أحد لهم حدًا فأدخلهم الجنة، ثم أرجع الثانية، فأستأذن على ربي، فأقع له ساجدًا، ثم يقول: سل تعطه، فأحد لهم حدًا ثانيًا، فأدخلهم الجنة ثم أرجع الثالثة. فكذلك حتى أرجع، فأقول: يا رب ما بقي في النار إلا من وجب عليه الخلود» . متفق عليه.
أحاديث أنس ١- فروى هشام عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: «يجمع المؤمنون، فيهتمون لذلك اليوم، ويقولون: لو استشفعنا إلى ربنا ⦗٢٣⦘ حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيأتون آدم» . وذكر الحديث بطوله، إلى أن قال: «فيأتوني فأنطلق معهم، فأستأذن على ربي، ويؤذن لي عليه، فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدًا، فيدعني ما شاء الله أن يدعني، فيقول: يا محمد، ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع. فأحمد ربي بمحامد علمنيها، ثم أحد لهم حدًا فأدخلهم الجنة، ثم أرجع الثانية، فأستأذن على ربي، فأقع له ساجدًا، ثم يقول: سل تعطه، فأحد لهم حدًا ثانيًا، فأدخلهم الجنة ثم أرجع الثالثة. فكذلك حتى أرجع، فأقول: يا رب ما بقي في النار إلا من وجب عليه الخلود» . متفق عليه.
1 / 22
٢- أبو عوانة: عن قتادة، عن أنس مرفوعًا: «يجمع الناس يوم القيامة، فيهتمون لذلك، فيقولون: لو استشفعتا على ربنا ﷿. فيأتون آدم، فيقولون: أنت أبو الناس، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته» .
وذكر الحديث نحو حديث هشام بن أبي عبد الله، وفيه: «فيحد لي حدًا، فأدخلهم الجنة» . وزاد فيه: «فيخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال ذرة من الخير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه ذرةٌ من خير» .
متفق عليه أيضًا.
٣- حماد بن زيد: حدثنا معبد بن هلال، قال: اجتمع ناس من أهل البصرة، فذهبنا إلى أنس بن مالك ومعنا ثابتٌ البناني نسأله عن حديث الشفاعة، فأتيناه في قصره، فوافقناه يصلي الضحى، فأستاذنا عليه، فأذن لنا، فأقعد ثابتًا معه على فراشه، فقال: حدثنا محمد ﷺ، قال: «إذا كان يوم ⦗٢٤⦘ القيامة ماج الناس بعضهم في بعض، فيأتون آدم ﵇، فيقولون: اشفع لذريتك، فيقول: لست لها، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن ﷿، فيأتون إبراهيم، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بموسى؛ فإنه كليم الرحمن، فيأتون موسى فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى؛ فإنه روح الله وكلمته، فيأتون عيسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد ﷺ، فيأتوني، فأقول: أنا لها، فأنطلق فأستأذن على ربي، فيؤذن لي عليه، فيلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن، فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدًا، فيقال لي: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب، أمتي أمتي. فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرةٍ -أو قال: خردلةٍ- من إيمان، فأنطلق وأفعل، ثم أرجع فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدًا، فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك، وسل تعط، وقل تسمع، واشفع تشفع. فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة خردلة من إيمان، فأخرجهم من النار» . فلما خرجنا من عند أنس، قلت لبعض أصحابنا: لو زرنا الحسن -وهو يومئذٍ متوارٍ- فأتيناه، فقلنا: يا أبا سعيد، جئنا من عند أخيك أنس، فلم نر مثل ما حدثنا في الشفاعة! قال: هيه، فحدثناه الحديث، فقال: لقد حدثنيه منذ عشرين سنة وهو جميعٌ، فلا أدري أنسي أم كره أن تتكلوا؟ قلنا: يا أبا سعيد، حدثنا. فضحك وقال: خلق الإنسان عجولًا! إني لم أخبركم إلا وأنا أريد أن أحدثكم. حدثني كما حدثكم، ثم قال: «أعود في الرابعة فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدًا، فيقال لي: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب، ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله. فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي، لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله» . متفق عليه. ⦗٢٥⦘ هكذا أخرجاه. وفيه نوع اختصار -كما ترى- وانتقال من ذكر شفاعة الموقف إلى الشفاعة في عصاة المسلمين.
٣- حماد بن زيد: حدثنا معبد بن هلال، قال: اجتمع ناس من أهل البصرة، فذهبنا إلى أنس بن مالك ومعنا ثابتٌ البناني نسأله عن حديث الشفاعة، فأتيناه في قصره، فوافقناه يصلي الضحى، فأستاذنا عليه، فأذن لنا، فأقعد ثابتًا معه على فراشه، فقال: حدثنا محمد ﷺ، قال: «إذا كان يوم ⦗٢٤⦘ القيامة ماج الناس بعضهم في بعض، فيأتون آدم ﵇، فيقولون: اشفع لذريتك، فيقول: لست لها، ولكن ائتوا إبراهيم خليل الرحمن ﷿، فيأتون إبراهيم، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بموسى؛ فإنه كليم الرحمن، فيأتون موسى فيقول: لست لها، ولكن عليكم بعيسى؛ فإنه روح الله وكلمته، فيأتون عيسى، فيقول: لست لها، ولكن عليكم بمحمد ﷺ، فيأتوني، فأقول: أنا لها، فأنطلق فأستأذن على ربي، فيؤذن لي عليه، فيلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن، فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدًا، فيقال لي: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب، أمتي أمتي. فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرةٍ -أو قال: خردلةٍ- من إيمان، فأنطلق وأفعل، ثم أرجع فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدًا، فيقال لي: يا محمد ارفع رأسك، وسل تعط، وقل تسمع، واشفع تشفع. فأقول: يا رب، أمتي أمتي، فيقال: انطلق فأخرج منها من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى من مثقال حبة خردلة من إيمان، فأخرجهم من النار» . فلما خرجنا من عند أنس، قلت لبعض أصحابنا: لو زرنا الحسن -وهو يومئذٍ متوارٍ- فأتيناه، فقلنا: يا أبا سعيد، جئنا من عند أخيك أنس، فلم نر مثل ما حدثنا في الشفاعة! قال: هيه، فحدثناه الحديث، فقال: لقد حدثنيه منذ عشرين سنة وهو جميعٌ، فلا أدري أنسي أم كره أن تتكلوا؟ قلنا: يا أبا سعيد، حدثنا. فضحك وقال: خلق الإنسان عجولًا! إني لم أخبركم إلا وأنا أريد أن أحدثكم. حدثني كما حدثكم، ثم قال: «أعود في الرابعة فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدًا، فيقال لي: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب، ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله. فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي، لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله» . متفق عليه. ⦗٢٥⦘ هكذا أخرجاه. وفيه نوع اختصار -كما ترى- وانتقال من ذكر شفاعة الموقف إلى الشفاعة في عصاة المسلمين.
1 / 23
٤- الليث بن سعد: عن ابن الهاد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن أنس عن النبي ﷺ يقول: «إني لأول الناس تنشق عنه الأرض يوم القيامة، وأنا أول من يدخل الجنة ولا فخر. آتي باب الجنة، فآخذ بحلقها، فيقولون: من هذا؟ فأقول: محمد، فيفتحوه لي، فأدخل فإذا الجبار ﷿ مستقبلي، فأسجد له، فيقول: ارفع رأسك يا محمد، وتكلم يسمع منك، واشفع تشفع. فأقول: أمتي أمتي، فيقول: اذهب إلى أمتك، فمن وجدت في قلبه مثقال حبةٍ من شعيرة من إيمان فأدخله الجنة. فأقبل، فمن وجدت في قلبه ذلك فأدخلهم الجنة، فإذا الجبار مستقبلي، فأسجد له، فيقول: ارفع رأسك يا محمد. فأقول أمتي أمتي يا رب، فيقول: اذهب إلى أمتك، فمن وجدت في قلبه نصف شعيرة من الإيمان فأدخلهم الجنة، فأذهب فمن وجدت في قبله مثقال ذلك فأدخلتهم الجنة، فإذا الجبار مستقبلي، فأسجد له، فيقول: ارفع رأسك يا محمد، وقيل يسمع منك، واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأقول: أمتي أمتي، فيقول: اذهب إلى أمتك، فمن وجدت في قلبه مثقال حبة خردلٍ من الإيمان، فأدخله الجنة، فأذهب فمن وجدت في قلبه مثقال ذلك، أدخلتهم الجنة. وفرغ ربك من حساب الناس، وأدخل من بقي من أمتي النار مع أهل النار، فيقول أهل النار: ما أغنى عنكم أنكم كنتم تعبدون الله لا تشركون به شيئًا، فيقول الجبار: فبعزتي لأعتقنهم من النار، فيرسل إليهم، فيخرجون وقد امتحشوا، ⦗٢٦⦘ فيدخلون في نهر يقال له: نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في غثاء السيل، ويكتب بين أعينهم: هؤلاء عتقاء الله ﷿. فيذهب بهم، فيدخلون الجنة، فيقول لهم أهل الجنة: هؤلاء الجهنميون. فيقول الجبار ﷿: هؤلاء عتقاء الجبار» .
هذا الحديث صحيح غريب، أخرجه أحمد في «مسنده» عن اثنين، عن ليث.
1 / 25
٥- معتمر بن سليمان عن أبيه: عن أنس، عن النبي ﷺ قال: «كل نبي قد سأل سؤالا» -أو قال-: «لكل نبي دعوةٌ قد دعا بها [فاستجيب]، واختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة» .
أخرجه مسلم، والبخاري تعليقًا، فقال: قال معتمر.
٦- شعبة: عن قتادة، سمع قال (١): قال رسول الله ﷺ: «لكل نبي ⦗٢٧⦘ دعوة تستجاب له في أمته، وإني ذخرت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة» . أخرجه مسلم. _________ (١) [[هكذا في المطبوع، ولعل الصواب: سمع انسًا، أو: عن أنس قال]] .
٦- شعبة: عن قتادة، سمع قال (١): قال رسول الله ﷺ: «لكل نبي ⦗٢٧⦘ دعوة تستجاب له في أمته، وإني ذخرت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة» . أخرجه مسلم. _________ (١) [[هكذا في المطبوع، ولعل الصواب: سمع انسًا، أو: عن أنس قال]] .
1 / 26
٧- همام: حدثنا قتادة عن أنس مرفوعًا، قال: «يخرج قوم من النار عندما يصيبهم منها سفعٌ فيدخلون الجنة، فيسميهم أهل الجنة الجهنميين» .
أخرجه البخاري.
٨- حرب بن ميمون: حدثنا النضر بن أنس، عن أنس، أنه سأل النبي ﷺ، فقال: خويدمك أنس، اشفع له يوم القيامة. قال: «أنا فاعلٌ» . قال: فأين أطلبك؟ قال: «اطلبني أول ما تطلبني عند الصراط، فإن وجدتني وإلا فأنا عند الميزان، فإن وجدتني، وإلا فأنا عند حوضي، لا أخطئ هذه الثلاث مواطن» . حرب: هو أبو الخطاب. كذا كناه في هذا الحديث بدل بن المحبر ورواه أيضًا حرمي عن ابن حفص، وهو صدوق خرج له مسلم. والحديث إسناده جيد.
٨- حرب بن ميمون: حدثنا النضر بن أنس، عن أنس، أنه سأل النبي ﷺ، فقال: خويدمك أنس، اشفع له يوم القيامة. قال: «أنا فاعلٌ» . قال: فأين أطلبك؟ قال: «اطلبني أول ما تطلبني عند الصراط، فإن وجدتني وإلا فأنا عند الميزان، فإن وجدتني، وإلا فأنا عند حوضي، لا أخطئ هذه الثلاث مواطن» . حرب: هو أبو الخطاب. كذا كناه في هذا الحديث بدل بن المحبر ورواه أيضًا حرمي عن ابن حفص، وهو صدوق خرج له مسلم. والحديث إسناده جيد.
1 / 27
٩- أنس بن عياض: حدثني يوسف بن أبي ذرة الأنصاري، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أنس بن مالك، أن رسول الله ﷺ قال: «ما من معمر [يعمر] في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه [ثلاثة أنواع من البلاء]: الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ خمسين [سنة]، لين الله عليه الحساب، فإذا بلغ الستين رزقه الله الإنابة إليه بما يحب، فإذا بلغ السبعين أحبه الله وأحبه أهل السماء، فإذا بلغ الثمانين تقبل الله حسناته وتجاوز عن سيئاته، فإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ويسمى أسير الله في الأرض ويشفع في أهل بيته» .
أخبرناه محمد بن حسين القرشي، حدثنا محمد بن عماد، حدثنا ابن رفاعة، حدثنا الخلعي، حدثنا عبد الرحمن بن عمر البزاز إملاءً، حدثنا أبو الطيب الحسن بن محمد بن إبراهيم البرمكي، حدثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض، فذكر الحديث.
أخرجه أحمد في «مسنده» .
⦗٢٩⦘
ويوسف، قال يحيى: لا شيء، وقال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به بحال.
1 / 28
حديث أبي بكر ﵁
١٠- النضر بن شميل: حدثنا أبو نعامة العدوي، حدثنا أبو هنيدة البراء بن نوفل، عن حذيفة، عن أبي بكر الصديق، قال: أصبح رسول الله ﷺ ذات يوم، فصلى الغداة، ثم جلس، حتى إذا كان من الضحى ضحك، ثم جلس مكانه إلى المغرب لا يتكلم حتى صلى العشاء الآخرة، ثم قام إلى أهله، فقال الناس لأبي بكر: سل رسول الله ﷺ ما شأنه صنع اليوم شيئًا لم يصنعه قط. قال: فسأله، فقال:
نعم، عرض علي ما يكون من أمر الدنيا والآخرة، فجمع الأولون والآخرون بصعيد واحد، ففظع الناس لذلك، فانطلقوا إلى آدم، فقالوا: أنت أبو البشر ...» . وساق الحديث، إلى أن قال: «فأشفع لكم إلى ربكم فيأتي جبريل ربه، فيقول الله له: ائذن [له] وبشره بالجنة. قال: فينطلق به جبريل، فيخر لله ساجدا قدر جمعةٍ، ثم يقول الله: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع، واشفع تشفع، فيرفع رأسه، فإذا نظر إلى ربه، خر ساجدًا قدر جمعة أخرى، فيقول الله: يا محمد، ارفع رأسك، وقل يسمع، واشفع تشفع، فيذهب ليقع ساجدًا، فيأخذ جبريل بضبعيه، فيفتح الله عليه من الدعاء شيئًا لم يفتحه على بشر قط، فيقول: أي رب، جعلتني سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من تنشق عنه الأرض، حتى أنه ليرد علي الحوض ما بين صنعاء وأيلة. ثم يقال: ادعوا الصديقين فيشفعون، ثم يقال: ادعوا الأنبياء، فيجيء النبي معه العصابة، والنبي ومعه الخمسة والستة، ⦗٣٠⦘ والنبي ليس معه أحد. ثم يقال: ادعوا الشهداء، فيشفعون لمن أرادوا، فإذا فعل الشهداء ذلك، قال الله: أنا أرحم الراحمين، أدخلوا جنتي من كان لا يشرك بي شيئًا. قال: فيدخلون الجنة.
ثم يقول ﷿: انظروا في النار، هل تجدون فيها من أحد عمل خيرًا قط؟ فيجدون في النار رجلًا، فيقال له: هل عملت خيرًا قط؟ فيقول: لا، غير أني كنت أسامح الناس في البيع، فيقول الله ﷿: اسمحوا لعبدي كإسماحه إلى عبيدي.
ثم يخرجون من النار رجلًا آخر، فيقال: هل عملت خيرًا قط؟ فيقول: لا، غير أني قد أمرت ولدي إذا مت فأحرقوني [بالنار، ثم اطحنوني، حتى إذا صرت مثل الكحل، فاذهبوا إلى البحر، فاذروني] في الريح، [فوالله لا يقدر علي رب العالمين أبدًا]، فقال الله ﷿: لم فعلت ذلك؟ قال: من مخافتك يا رب، فيقول: انظر إلى أعظم ملك ملكٍ، فإن لك مثله وعشرة أمثاله. فيقول: أتسخر بي وأنت الملك؟! قال: وذلك الذي ضحكت منه من الضحى» .
هذا حديث غريب. رواه طائفة عن النظر. وأبو نعامة: هو عمرو بن عيسى، ثقة احتج به مسلم. وأبو هنيدة: وثقه يحيى بن معين.
1 / 29
حديث عمران بن حصين
١١- يحيى بن سعيد القطان: عن الحسن بن ذكوان، حدثنا أبو رجاء، حدثني عمران بن حصين، عن النبي ﷺ قال: «يخرج [قوم] من النار بشفاعة محمد ﷺ فيدخلون الجنة فيسمون الجهنميين» .
أخرجه البخاري.
١٢- محمد بن عبد الله الأنصاري: حدثنا صرد بن أبي المنازل، سمعت حبيب بن أبي فضالة المالكي، قال: لما بني هذا المسجد مسجد الجامع -قال: وعمران بن حصين جالس- ذكروا عنده الشفاعة، فقال رجل: يا أبا نجيد، إنكم لتحدثونا بأحاديث ما نجد لها أصلًا في القرآن! فغضب عمران. قال: وقرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: وجدت فيه صلاة المغرب ثلاثًا والعشاء أربعًا؟ قال: لا، قال: فعمن أخذتم هذا الشأن؟ ألستم أخذتموه عنا، وأخذناه عن النبي ﷺ؟ أوجدتم في كل أربعين درهمًا درهمٌ، وفي كذا وكذا شاة؟ هل وجدتم الطواف سبعًا؟ ثم قال: أسمعتم الله يقول: ﴿ما سلككم في سقر. قالوا لم نك من المصلين. ولم نك نطعم المسكين﴾ حتى بلغ ﴿فما تنفعهم شفاعة الشافعين﴾ . صرد هذا لا يكاد يعرف. روى له أبو داوود في «سننه»، وحبيب بن ⦗٣٢⦘ أبي فضالة لا أعرفه.
١٢- محمد بن عبد الله الأنصاري: حدثنا صرد بن أبي المنازل، سمعت حبيب بن أبي فضالة المالكي، قال: لما بني هذا المسجد مسجد الجامع -قال: وعمران بن حصين جالس- ذكروا عنده الشفاعة، فقال رجل: يا أبا نجيد، إنكم لتحدثونا بأحاديث ما نجد لها أصلًا في القرآن! فغضب عمران. قال: وقرأت القرآن؟ قال: نعم، قال: وجدت فيه صلاة المغرب ثلاثًا والعشاء أربعًا؟ قال: لا، قال: فعمن أخذتم هذا الشأن؟ ألستم أخذتموه عنا، وأخذناه عن النبي ﷺ؟ أوجدتم في كل أربعين درهمًا درهمٌ، وفي كذا وكذا شاة؟ هل وجدتم الطواف سبعًا؟ ثم قال: أسمعتم الله يقول: ﴿ما سلككم في سقر. قالوا لم نك من المصلين. ولم نك نطعم المسكين﴾ حتى بلغ ﴿فما تنفعهم شفاعة الشافعين﴾ . صرد هذا لا يكاد يعرف. روى له أبو داوود في «سننه»، وحبيب بن ⦗٣٢⦘ أبي فضالة لا أعرفه.
1 / 31
حديث أبي موسى الأشعري
١٣- حماد بن سلمة: حدثنا عاصم، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله ﷺ قال: «أتاني آتٍ من ربي، فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة»، فقال معاذ: وأنا يا رسول الله، ادع الله أن يجعلنا في شفاعتك، فقال: «أنتم ومن مات لا يشرك بالله شيئًا» .
إسناده حسن. رواه أحمد في مسنده.
١٤- سكين بن عبد العزيز: حدثنا يزيد الأعرج، حدثنا حمزة بن علي بن مخفر، عن أبن بردة، عن أبي موسى، عن النبي ﷺ بنحوه. رواه أحمد أيضًا. ⦗٣٣⦘ وسكين قال النسائي ليس بالقوي. وهذا الحديث شاهد لما قبله.
١٤- سكين بن عبد العزيز: حدثنا يزيد الأعرج، حدثنا حمزة بن علي بن مخفر، عن أبن بردة، عن أبي موسى، عن النبي ﷺ بنحوه. رواه أحمد أيضًا. ⦗٣٣⦘ وسكين قال النسائي ليس بالقوي. وهذا الحديث شاهد لما قبله.
1 / 32
١٥- وروى نحوه نعيم بن أبي هند عن ربعي بن حراش، عن أبي موسى، عن النبي ﷺ.
أخرج هذا أبن ماجه.
حديث أبي بكر الثقفي ١٦- سعيد بن زيد: سمعت أبا سليمان القصري، حدثني عقبة بن صهبان، سمعت أبا بكرة عن النبي ﷺ قال: «يحمل الناس على الصراط فيتقادع بهم جنبتا الصراط تقادع الفراش في النار، [فينجني الله برحمته من يشاء]، ثم يؤذن للملائكة والنبيين والشهداء أن يشفعوا فيشفعون» . وذكر الحديث. أخرجه أحمد في المسند عن عفان عنه. تفرد به عفان.
حديث أبي بكر الثقفي ١٦- سعيد بن زيد: سمعت أبا سليمان القصري، حدثني عقبة بن صهبان، سمعت أبا بكرة عن النبي ﷺ قال: «يحمل الناس على الصراط فيتقادع بهم جنبتا الصراط تقادع الفراش في النار، [فينجني الله برحمته من يشاء]، ثم يؤذن للملائكة والنبيين والشهداء أن يشفعوا فيشفعون» . وذكر الحديث. أخرجه أحمد في المسند عن عفان عنه. تفرد به عفان.
1 / 33
حديث أم حبيبة
١٧- ابن ديزيل: حدثنا أبو اليمان، أخبرني شعيب، عن الزهري، حدثنا أنس، عن أم حبيبة، عن النبي ﷺ قال: «أريت ما تلقى أمتي بعدي وسفك بعضهم دم بعضٍ، فسألته أن يوليني شفاعة فيهم ففعل» .
رواه أبو القاسم بن بشران عن نيخاب الطيبي عنه، وهو حديث غريب.
أحاديث أبي سعد الخدري ١٨- الليث: عن ابن الهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد، أن رسول الله ﷺ ذكر عمه أبي طالب، فقال: «لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كفيه (١) يغلي به دماغه» . متفق عليه. _________ (١) [[هكذا في المطبوع، ولعل الصواب: كعبيه.]]
١٩- خالد بن عبد الله: عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد، أن النبي ﷺ قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، قال الله: انظروا من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه، فأخرجوا قد عادوا حممًا، فيلقون في نهر فينبتون» . وذكر الحديث. رواه مسلم.
أحاديث أبي سعد الخدري ١٨- الليث: عن ابن الهاد، عن عبد الله بن خباب، عن أبي سعيد، أن رسول الله ﷺ ذكر عمه أبي طالب، فقال: «لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كفيه (١) يغلي به دماغه» . متفق عليه. _________ (١) [[هكذا في المطبوع، ولعل الصواب: كعبيه.]]
١٩- خالد بن عبد الله: عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد، أن النبي ﷺ قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، قال الله: انظروا من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجوه، فأخرجوا قد عادوا حممًا، فيلقون في نهر فينبتون» . وذكر الحديث. رواه مسلم.
1 / 34
٢٠- شعبة عن أبي مسلمة سعيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مرفوعًا، قال: «أما أهل النار الذين هم أهلها، فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن تأخذهم النار بذنوبهم فتميتهم إماتةً، حتى إذا صاروا فحمًا أذن في الشفاعة، فيجاء بهم ضبائر، فينبتون على أنهار الجنة» .
أخرجه مسلم بنحوه.
٢١- ابن أبي عدي: عن سليمان التيمي، عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعًا، قال: «وأما أناس يريد بهم الله الرحمة، فيميتهم في النار، فيدخل عليهم الشفعاء.. ..» الحديث. أخرجه أحمد عنه في مسنده، وإسناده حسن صحيح.
٢٢- هشيم: عن علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله ﷺ: «أنا أول شافع يوم القيامة ولا فخر» . ⦗٣٦⦘ إسناده حسن.
٢١- ابن أبي عدي: عن سليمان التيمي، عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعًا، قال: «وأما أناس يريد بهم الله الرحمة، فيميتهم في النار، فيدخل عليهم الشفعاء.. ..» الحديث. أخرجه أحمد عنه في مسنده، وإسناده حسن صحيح.
٢٢- هشيم: عن علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله ﷺ: «أنا أول شافع يوم القيامة ولا فخر» . ⦗٣٦⦘ إسناده حسن.
1 / 35
٢٣- معمر: عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله ﷺ: إذا خلص المؤمنون من النار يوم القيامة، فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا بأشد مجادلةً من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار. قال: يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا، فأدخلتهم النار فيقول: اذهبوا فأخرجوا من عرفتم، فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم، لا تأكل النار صورهم، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من أخذته النار إلى كعبيه، فيخرجونهم فيقولون ربنا أخرجنا من أمرتنا، ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه وزن دينار من الإيمان، أو من كان في قلبه وزن نصف دينار. حتى يقول: من كان في قلبه وزن ذرةٍ.
قال أبو سعيد: فمن لم يصدق هذا، فليقرأ: ﴿إن الله لا يظلم مثقال ذرةٍ وإن تك حسنةٍ يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا﴾ الآية. قال: فيقولون: ربنا قد أخرجنا من أمرتنا، فلم يبق في النار أحدٌ فيه خير.
قال: ثم يقول الله: شفعت الملائكة والأنبياء والمؤمنون، وبقي أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، أو قال: قبضتين، ناسٌ لم يعملوا خيرًا ⦗٣٧⦘ قط، قد احترقوا حتى صاروا حممًا، فيؤتى بهم إلى ماءٍ يقال له ماء الحياة، فيصب عليهم، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، فيخرجون من أجسادهم مثل اللؤلؤ، في أعناقهم الخاتم، عتقاء الله، فيقال لهم: ادخلوا الجنة، فما تمنيتم أو رأيتم من شيءٍ، فهو لكم. قال: فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من العالمين، فيقول: فإن لكم عندي أفضل من هذا، رضائي عنكم، فلا أسخط عليكم أبدًا.
هذا حديث صحيح، رواه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر.
ورواه مسلم من طريق سعيد بن أبي هلال عن زيد.
1 / 36
٢٤- ابن إسحاق: حدثني عبيد الله بن المغيرة، عن سليمان بن عمرو العتواري، سمعت أبا سعيد يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «يوضع الصراط بين ظهراني جهنم، عليه حسك كحسك السعدان، ثم يستجيز الناس، فناج مسلمٌ ومنكوسٌ، فإذا فرغ الله من القضاء بين العباد، يفقد المؤمنون رجالًا كانوا معهم يصلون بصلاتهم» .
وذكر الحديث بطوله، وفيه: «ثم تشفع الأنبياء في كل من كان يشهد أن لا إله إلا الله مخلصًا، فيخرجونهم، ثم يتحين الله برحمته، فما يترك فيها عبدًا في قلبه مثقال ذرةٍ من إيمانٍ [إلا أخرجه]» . ⦗٣٨⦘
إسناده حسن.
1 / 37
أحاديث أبي هريرة
٢٥- أبو حيان التيمي: عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، أن رسول الله ﷺ أتي بلحمٍ، فرفع إليه الذراع، وكانت تعجبه، فنهس منها نهسة ثم قال: «أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون مم ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيدٍ واحد، فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر، وتدنو الشمس، فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون وما لا يحتملون، فيقول بعض الناس لبعض: عليكم بآدم.
فيأتون آدم، فيقولون له: أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا إلى ربك. ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى [إلى] ما قد بلغنا؟ فيقول لهم آدم ﵇: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح. فيأتون نوحًا ﵇، فيقولون: يا نوح، أنت أول الرسل إلى أهل الأرض، وسماك الله عبدًا شكورًا، اشفع لنا إلى ربك. ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوةٌ دعوتها على قومي. نفسي نفسي. اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى إبراهيم ﵇.
فيأتون إبراهيم، فيقولون: أنت نبي الله وخليله من أهل الأرض. اشفع لنا إلى ربك. ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني ⦗٣٩⦘ قد كذبت ثلاث كذبات. نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى موسى.
فيأتون موسى ﵇، فيقولون: يا موسى، أنت رسول الله، فضلك الله برسالاته وكلامه على الناس، اشفع لنا إلى ربك. ألا ترى ما نحن فيه، ألا ترى ما قد بلغنا. فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفسًا لم أومر بقتلها. نفسي نفسي، اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى عيسى ﵇.
فيأتون عيسى، فيقولون: أنت روح الله وكلمته ألقاها الله إلى مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد. اشفع لنا إلى ربك. ألا ترى ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضبًا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، [ولم يذكر ذنبًا] . نفسي نفسي. اذهبوا إلى محمد ﷺ.
فيأتون محمدًا فيقولون: أنت محمد رسول الله وخاتم الأنبياء، قد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر. اشفع لنا إلى ربك. ألا ترى ما نحن فيه. فأنطلق، فآتي [تحت] العرش، فأقع ساجدًا لربي، ثم يفتح [الله] علي [ويلهمني] من محامده وحسن الثناء شيئًا لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد، ارفع رأسك، سل تعط، واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأقول: [أمتي يا رب، أمتي يا رب، أمتي يا رب]، فيقال: يا محمد، أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب.
ثم قال: والذي نفسي بيده، ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير، أو كما بين مكة وبصرى» .
⦗٤٠⦘
متفق عليه. ورواه الترمذي وصححه، والنسائي وابن ماجه من حديث جماعة عن أبي حيان.
1 / 38
٢٦- ابن عيينة: عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، قالوا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: «هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة؟ قالوا: لا. قال: هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابة؟ قالوا: لا. قال: فوالذي نفسي بيده، لا تضارون في رؤية ربكم كما لا تضارون في رؤية أحدهما، يلقى العبد ربه يوم القيامة، فيقول: أي فل: ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا، فيقول: إني أنساك كما نسيتني.
[ثم يلقى الثاني، فيقول: أي فل، ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول بلى أي رب. فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا. فيقول: فإني أنساك اليوم كما نسيتني.
ثم يلقى الثالث، فيقول له مثل ذلك، فيقول: يا رب] آمنت بك ⦗٤١⦘ وبكتابك ورسلك وصمت وتصدقت وصليت، ويثني بخير ما استطاع، فيقول: فها هنا إذًا، فيقول: ألا نبعث عليك شاهدًا، قال: فيتفكر في نفسه من الذي يشهد علي؟! قال: فيختم على فيه ويقال لفخده: انطقي، فتنطق فخده ولحمه وعظامه بعمله ما كان، وذلك ليعذر من نفسه، وذلك المنافق الذي يسخط الله عليه ويغضب عليه.
وينادي منادٍ: ألا تتبع كل أمةٍ ما كانت تعبد. والشياطين والصليب يتبعهم أولياؤهم، ونبقى أيه المؤمنين ثلاثًا، فيقول ربنا ﷿: على ما هؤلاء؟ فيقولون: نحن عباد الله المؤمنون؛ آمنا بالله ولم نشرك به شيئًا، وهذا مقامنا حتى يأتينا ربنا ﷿. [قال: فيقول: أنا ربكم فامضوا] فينطلق حتى يأتي الجسر وعليه كلاليب من نار تخطف الناس. فعند ذلك حلت الشفاعة لهم، اللهم سلم، اللهم سلم. فإذا جاوز الجسر، فكل من أنفق زوجًا مما يملك من المال في سبيل الله فكل خزنة الجنة تدعوه: يا عبد الله، يا مسلم، هذا خيرٌ، تعال. قال أبو بكر: يا رسول الله، ذاك العبد لا توى عليه، يدع بابًا ويلج آخر! فضرب على منكبه، فقال: والذي نفسي بيده، إني لأرجو أن تكون منهم.
أخرجه مسلم.
1 / 40