فتغيرت أحوال بني إسرائيل ، وقل قبول الناس للحق وظهر الكفر ، وبلغ مبلغا لم يكن بلغ من قبل ، لأن فرعون اللعين ادعا الربوبية ، { فقال أنا ربكم الأعلى (24) } [النازعات] . واستعبد بني إسرائيل ، فعظم الأمر وازداد الكفر ، واتسع الخرق ، ونسي الحق . فلذلك قصرت مدة هذه الفترة ، حتى بعث موسى صلى الله عليه مع تلك الآيات العظام ، كالعصا ، واليد البيضاء ، ومجاوزة بني إسرائيل البحر بعد أن انفلق البحر ، { فكان كل فرق كالطود العظيم (63) } [الشعراء] . وتغريق فرعون اللعين ومن تبعه ، إلى غير ذلك من الحجر الذي انفجرت منه العيون ، وما كان ظهر قبل ذلك من الجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، وغير ذلك مما يطول ذكره .
وأنزل عليه التوراة ، وببن فيها أحكام الحلال والحرام ، وظهر أمره صلى الله عليه أتم الظهور . وإنما كانت أعلام موسى صلى الله عليه أكثر ، وآياته أظهر ، لأن بني إسرائيل كانوا - والله أعلم - أجهل الأمم ، وأغلظهم وأبعدهم عن الصواب ، وأبلدهم عن استدراك الحق . ألا ترى أنهم بعدما جاوز الله تعالى بهم البحر ، وغرق آل فرعون وهم ينظرون ، قالوا لموسى - حين مروا على قوم عاكفين على أصنام لهم -: { يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة } [الأعراف: 138] . واتخذوا العجل وعبدوه ، وظنوا أنه إلههم وإله موسى ، وأنه نسي .
فبحسب هذه الأحوال اقتضت الحكمة إيضاح الآيات والأعلام ، وتكثيرها لهم .
ثم بعث يشوع ويونس .
ثم بعث داود صلوات الله عليهم ، وأنزل عليه الزبور .
وبعث سليمان صلى الله عليه وآتاه الملك ، مع تلك الآيات العظيمة .
ثم بعث بعدهم زكريا ويحيى صلى الله عليهما .
مخ ۵۸