قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: «وَقَدِ اسْتَفَاضَ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ: (أَطَالَ اللهُ عُمُرَكَ وَفَسَحَ فِي مُدَّتِكَ) - وَمَا أَشْبَهَهُ -» (١).
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي (سُورَةِ الأَنْعَامِ): ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ﴾ ... (٢).
فَثَبَتَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الآيَةِ أَنَّ لِلإِنْسَانِ أَجَلَيْنِ، وَتَأَوَّلَهَا حُكَمَاءُ الإِسْلَامِ
- عَلَى مَا حَكَاهُ الإِمَامُ الفَخْرُ (٣) - أَنَّ لِكُلِّ إِنْسَانٍ أَجَلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: الآجَالُ الطَّبِيعِيَّةُ.
الثَّانِي: الآجَالُ الاخْتِرَامِيَّةُ (٤).
فَالآجَالُ الطَّبِيعِيَّةُ هِيَ الَّتِي لَوْ بَقِيَ المِزَاجُ مَصُونًا عَنِ العَوَارِضِ الخَارِجِيَّةِ - كَالغَرَقِ وَالحَرْقِ وَلَسْعِ الحَشَرَاتِ وَغَيْرِهَا - لانْتَهَتْ مُدَّةُ بَقَائِهِ إِلَى الأَوْقَاتِ الفَلَكِيَّةِ.
_________
(١) انْظُرِ «الكَشَّاف» لِلزَّمَخْشَرِيِّ (٣/ ٦٠٤).
(٢) سُورَةُ (الأَنْعَام)، آيَة (٢).
(٣) أَيِ: الإِمَامُ الرَّازِيُّ، وَتَقَدَّمَتْ تَرْجَمَتُهُ (ص٢٥).
(٤) وَفِي المَخْطُوطِ: (الآجَالُ الاعْتِرَاضِيَّةُ)، وَالصَّوَابُ مَا أَثْبَتْنَاهُ؛ نَقْلًا عَنِ الرَّازِي فِي «تَفْسِيرِهِ» (١٢/ ٤٨١).
قَالَ ابْنُ فَارِسٍ فِي «المَقَايِيسِ» (٢/ ١٧٣): «الخَاءُ وَالرَّاءُ وَالْمِيمُ: أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الِاقْتِطَاعِ، يُقَالُ: (خَرَمْتُ الشَّيْءَ)، وَ(اخْتَرَمَهُمُ الدَّهْرُ) ...».
قُلْتُ: وَيُرِيدُ الرَّازِيُّ بِذَلِكَ: العَوَارِضَ الخَارِجِيَّةَ الَّتِي تَخْتَرِمُ المِزَاجَ عَنْ طَبِيعَتِهِ؛ أَيِ: الَّتِي تَقْتَطِعُ مِنْهُ سُكُونَ النَّفْسِ وَالاطْمِئْنَانَ.
1 / 37