يبينه أن المعنى المخيل في ثبوت العذر بالسفر هو المشقة، والمشقة مشعرة بالتخفيف، والمعصية لا تكون سببًا للتخفيف بحال، لأن المعاصي أسباب للتشديد فلا توجب ضدها من التخفيف.
والحرف الوجيز: إن المعصية واجب تركها فلم تصلح عذرًا لسقوط واجب عليه. لأن ما كان واجبًا تركه لا يصلح عذرًا لترك واجب آخر.
لأنه لو أطلق ترك واجب لكان الأولى أن يطلق فعل نفسه.
وإذا لم يكن فعل نفسه مطلقًا، فكيف يطلق ترك غيره أو فعل غيره؟ وقد قالوا: إن هذا التخفيف الثابت بالسفر إعانة على السفر فإذا كان السفر معصية وجب تركه، لم يجز إثبات الإعانة عليه.
لأن الإعانة على المعصية معصية، فهذه كلمات قوية في غاية الإخالة.
وأما حجتهم:
تعلقوا بظاهر قوله: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾، فقد جعل مطلق السفر عذرًا فمن زاد عليه صفة الإباحة فقد قيد مطلقًا بزيادة عليه، والزيادة على المطلق تقييد، والتقييد نسخ على ما عرف في مواضع كثيرة. وأما المعنى قالوا: لا معصية في نفس السفر فجاز أن يكون مقيدًا للرخصة المتعلقة به، دليله إذا كان السفر مباحًا، وإنما قلنا: لا معصية في نفس السفر، لأن حقيقة السفر قصده بالسير إلى مكان بعينه بينه وبينه مسيرة محدودة، وهذا لا معصية فيه، وإنما المعصية في نية الإغارة وقطع الطريق، وهذا معنى وراء السفر فصار هو عاصيًا في سفره لا عاصيًا بسفره فلم يمنع تعلق الرخص بسفره.