رضى الخلق ولم تستحي من الله تعالى كما تستحي من واحد من الخلق ولم تشمر لاستعداد الآخرة كتشميرها في الصيف لأجل الشتاء وفي الشتاء لأجل الصيف فإنها لا تطمئن في أوائل الشتاء ما لم تتفرغ عن جميع ما تحتاج إليه فيه مع إن الموت ربما يخطفها والشتاء لا يدركها والآخرة عندها يقين فلا يتصور أن تختطف منها، فقلت لها ألست تستعدين للصيف بمقدار طوله وتصنعين آلة الصيف بقدر صبرك على الحر قالت نعم قلت فاعصي الله بقدر صبرك على النار واستعدي للآخرة بقدر بقائك فيها فقالت هذا هو الواجب الذي لا يرخص في تركه إلا الحمق ثم استمرت على سجيتها ووجدتني كما قال بعض الحكماء في الناس من ينزجر نصفه ثم لا ينزجر نصفه الآخر وما أراني إلا منهم ولما رأيتها متمادية في الطغيان غير منتفعة بمواعظ الموت والقرآن رأيت أهم الأمور التفتيش عن سبب تماديها مع اعترافها وتصديقها فإن ذلك من العجائب العظيمة فطال تفتيشي عنه حتى وقفت على سببه وها أنا موص نفسي وإياك بالحذر منه هو الداء العظيم وهو السبب الداعي إلى الغرور والإهمال وهو اعتقاد تراخي الموت واستبعاد هجومه على القرب فإنه لو أخبر صادق في بياض نهاره أنه يموت في ليله أو يموت إلى أسبوع أو شهر لاستقام على الصراط المستقيم وترك جميع ما هو فيه مما يظن أنه يتعاطاه لله تعالى وهو فيه مغرور فضلًا عما ليس لله تعالى فانكشف لي تحقيقًا أن من أصبح وهو يؤمل أنه يمسي أو أمسى وهو يؤمل أنه يصبح لم يخل من الفتور والتسويف ولم يقدر إلا على سير ضعيف.
فأوصيك ونفسي بما أوصى به رسول الله ﷺ حيث قال: " صل صلاة مودع " ولقد أوتي جوامع الكلم وفصل الخطاب ولا ينتفع بوعظ إلا به ومن غلب على ظنه في كل صلاة أنها آخر صلاته حضر معه خوفه من الله تعالى وخشيته منه ومن لم يخطر بمخاطره قصر عمره وقرب أجله وغفل قلبه عن صلاته وسئمت نفسه فلا يزال في غفلة دائمة وفتور مستمر وتسويف متتابع إلى أن يدركه الموت ويهلكه حسرة الفوت وأنا مقترح عليه أن يسأل الله تعالى أن يرزقني هذه الرتبة فإني طالب لها وقاصر عنها وأوصيه أن لا يرضى من نفسه إلا
1 / 13