وأدرك السيد عبد الرحمن أن هذا الجالس عن يمين علي بك هو صهره محمد بك أبو الذهب قائد الحملة الذاهبة إلى الحجاز، وكان في مثل ملابسه. ثم تأمل بقية من في المجلس، فعرف أكثرهم، وبينهم المعلم رزق كاتب علي بك ومدير حسابات حكومته، وكثير من أمراء المماليك، والسادة الأشراف يتوسطهم السيد المحروقي. لكنه لم يعرف شابا رآه جالسا إلى يسار علي بك مرتديا ملابس فخمة غريبة تشبه ملابس الإفرنج، ثم تذكر ما سمعه من السيد المحروقي عن المستشار الذي اتخذه علي بك لنفسه من أهل البندقية واسمه روزيتي، فقال في نفسه: «لا بد أن يكون هو هذا الشاب.»
وما تقدم السيد عبد الرحمن خطوات وهو يختلس النظر إلى علي بك حتى رفع هذا رأسه فخيل إليه أنه ينظر إليه ولا يلبث أن يرتاب في أمره فيأمر بقتله أو سجنه، فارتجفت ركبتاه خوفا، وحدثته نفسه مرة أخرى بالرجوع، ثم تذكر ولده الوحيد والخطر الذي هو فيه، فهانت عليه الحياة، وسرعان ما خلع نعليه، ثم نزع عمامته وأمسكها بيده وتقدم مسرعا حتى جثا بين يدي علي بك وصاح قائلا: «أمان أفندم أمان. مظلوم وحياة رأس مولانا العادل علي بك.»
فبهت من في المجلس، والتفت إليه علي بك متفرسا في هيئته وسأله: «ماذا جاء بك إلى هنا؟ ومم تتظلم؟»
قال: «إني يا مولاي تاجر في وكالة الليمون، وليس لي غير ولد واحد تعبت في تربيته حتى أتم تعليمه في الأزهر ، والتحق بالبيمارستان المنصوري لدراسة الطب. لكنهم أخذوه وتركوني وأمه في حياة خير منها الممات!»
فقال له علي بك: «من هم الذين أخذوه؟ ولماذا؟»
فرفع السيد عبد الرحمن رأسه وقال بصوت مختنق والدموع تنهمل من عينيه: «لا أدري يا مولاي من أخذوه، ولكني علمت أنهم ساقوه إلى القلعة ليسير مع الجند الخارجين للحرب. وهو لا يقوى على القتال والأسفار.»
فالتفت علي بك إلى من في المجلس كأنه يستطلع رأيهم، فسارع السيد المحروقي إلى الكلام وقال: «إني أعرف هذا التاجر، وهو رجل طيب مخلص للحكومة، وابنه من طلبة العلم النجباء.»
فقال علي بك: «كيف أخذوه وقد أمرت بألا يجند أحد من طلبة العلم؟»
فقال السيد المحروقي: «لعل أمره التبس عليهم؛ لأنه بعد أن درس علوم الدين واللغة في الأزهر التحق بالبيمارستان المنصوري لدراسة الطب كما ذكر أبوه الآن.»
ففكر علي بك هنيهة ثم قال: «على أي حال لا وجه للتظلم من تجنيده، فالجهاد في سبيل الحرمين الشريفين واجب على جميع المسلمين. وهم أولى بهذا الأمر من الجنود الغرباء الذين تطوعوا للذهاب في حملة الحجاز.»
ناپیژندل شوی مخ