مسائل خاصة بالمرأة
- حكم الصفرة والكدرة في زمن الحيض وفي غيره
- بم تطهر المرأة؟
- حكم الرطوبة في غير أيام الحيض
- الشك في الطهارة وكيف تفرق المرأة بين الحيض والاستحاضة وتتخلص من الوسوسة
تأليف
د. رقية بنت محمد المحارب
الأستاذ المساعد بكلية التربية بالرياض
١٤٢٥
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي من علينا بنعمه التي لا تحصى، وأسبغ علينا آلاءه التي لا تجزى، وجعل لنا دينا قويما وشرع لنا صراطا مستقيما، وبعث فينا نبيا فكان بنا رحيما، وصلى الله على خير خلقه، صفيه وخليله محمد بن عبد الله وسلم تسليما كثيرا، أما بعد ...
فقد كنت كتبت كتابا في حكم الرطوبة، تفضلت بطباعته ونشره دار الوطن مشكورة، وقد لقي إقبالا كبيرا لأنه لامس حاجة ملحة، فطبعت الطبعة الأولى ونفدت في شهرين، ثم طبع ضعف العدد طبعة ثانية فنفدت، وأمسكت عن إعادة الطباعة إلى حين الانتهاء من إجراء التعديلات التي كنت أود تعديلها سواء بما استفدت من ملاحظات بعض طلبة العلم، أو مما ظهر لي من أسئلة القراء أو مما تبين لي أثناء القراءة والاطلاع والبحث، فرأيت تغيير الكتاب كلية فحذفت منه وأضفت إليه بما أظن أنه أنسب وأفضل، وأضفت مباحث رأيت مسألة النساء تكثر عنها، ومع تأخري في إعداده بهذه الصورة ظل يتابعني هاجس الخطأ، ولكن كثرة إلحاح النساء علي وعلى دار الوطن جعلني أقدم على نشره مرة أخرى، ومع أني تحريت وجه الحق قدر استطاعتي إلا أنه لا يزال النقص والعور يعتري أعمال البشر، فالله أسأل أن يجزي خيرا كل من أفادني وعلى رأسهم شيخنا الفاضل العلامة الذي أعطانا الكثير محمد بن صالح العثيمين ﵀ وأسكنه فسيح جنانه وجعله من الأبرار.
ثم أشكر تلميذه الشيخ الكريم علي بن محمد نور الذي أمدني بملحوظاته فاستفدت منها وعدلت ما اقتنعت به ووافقته عليه.
1 / 1
وأسأل الله الكريم أن يتغمد بواسع رحمته أخانا الدكتور عبد الرحمن الجمهور على ترجمته للكتاب باللغة الإنكليزية، وأثني على مؤسسة سليمان الراجحي التي تولت طباعة الكتاب باللغة الإنكليزية ونشره وتوزيعه بارك الله في جهود الجميع وتقبلها منهم أجمعين.
مقدمة كتاب حكم الرطوبة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. ... أما بعد:
فإن مما يشكل على النساء مسائل الطهارة، ويحترن فيها ويقعن كثيرًا في الوساوس أو الأخطاء، إما بسبب الجهل أو بسبب عدم الاهتمام.
وإن كانت مسائل الحيض والاستحاضة والنفاس جل استفتاء النساء ومدار اهتمامهن الفقهي؛ فهو بلا ريب مدعاة للبحث والاستقصاء، بيد أن أكثر هذه المسائل مبسوط في الكتب القديمة والحديثة، وفي المسائل من الأدلة ما يجليها فلا يجعل في النفس شك ما دامت مستندة إلى دليل شرعي صحيح.
والذي تجدر الإشارة إليه أن أكثر أسئلة النساء في هذا العصر عن الرطوبة التي تخرج من القبل فالسؤال عن نجاستها، وعن نقضها للوضوء، وهي مسألة قد بحثت فيه منذ أكثر من اثنتي عشرة سنة، وكنت قد اكتفيت بما توصلت إليه لنفسي رجاء أن يكفيني أحد العلماء أو طلبة العلم تجلية هذه المسألة بما يشفي، استقصاء للأدلة ولآراء أهل العلم ولكن لم أطلع إلى هذه الساعة في هذه المسألة على شيء عدا فتاوى لبعض العلماء - حفظهم الله- (١) وهم سماحة الشيخ /عبد العزيز بن باز، وفضيلة الشيخ / محمد بن صالح بن عثيمين، وفضيلة الشيخ / صالح الفوزان.
والفتاوى المذكورة لم يستند فيها على دليل من الكتاب أو السنة أو أقوال الصحابة أو التابعين.
_________
(١) كتبت المقدمة قبل وفاة الشيخين رحمهما الله تعالى
1 / 2
وبعد تردد طال، ألح علي بعض الأخوات بنشر هذا البحث وكنت أتوانى وأستحيي من التقدم في مسألة كهذه لم تطرق من قبل إلا لماما، وطال التواني سنوات حتى شرح الله صدري للكتابة في الموضوع، سيما وقد كنت عرضت المسألة على فضيلة الشيخ / محمد ناصر الدين الألباني قبل أكثر من عشر سنوات، فوافقني وأيد ما اخترته من رأي.
على أي حال رأيت أن أنشر هذا الموضوع بعد عرضه على عدد من العلماء؛ لئلا أستأثر به بنفسي وأتحمل تبعته وحدي، وإن كنت مؤمنة بما سلكته من منهج، وهو منهج أئمتنا وفقهائنا الأقدمين والمحدثين من السلف والصالحين.
فإن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأ فمن نفسي والشيطان، والله المستعان وأستغفر الله عما كان. (١)
أهمية الموضوع
لا تخلو مسلمة من الحاجة لمعرفة هذه المسألة؛ لأنه أمر يصيب الجميع من النساء، وهو خلقة فطر الله النساء عليها، وليست مرضًا ولا عيبًا ولا نادرًا يقول ماكسين ديفز: "والإفراز إذا كانت كميته معينة فإنه يعتبر طبيعيًا؛ لأن سطح المهبل كأي سطح مخاطي آخر بالجسم، يجب أن يظل رطبًا، وتختلف كمية الإفراز باختلاف أفراد النساء، ولكل امرأة نظرتها الخاصة بالنسبة له، فالبعض يشتد فزعهن عندما يلاحظن إفرازًا خفيفا ًيؤكد الطبيب لهن أنه طبيعي، بينما تتجاهل نساء أخريات إفرازًا ينظر الطبيب إليه بعين الارتياب على أنه شاذ ".
فقول: إن بعض النساء يصيبهن وبعضهن لا يصيبهن غير صحيح، فالذي يصيب بعضا ًدون بعض هو السيلان المرضي المسمى بالسيلان الأبيض، وهذا النوع من السيلان يصحبه حكة ورائحة كريهة، وأحيانًا يختلط بصديد أو يكون داميًا أو مصفر اللون.
_________
(١) عرضت البحث قبل نشره على فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين فعلق عليه
1 / 3
ولأن المرأة يجب أن تكون طاهرة لتؤدي الصلاة فلا بد من معرفة حكم هذا السائل، فهي إذا كانت تجهل حكمه ربما أعادت وضوءها مرارًا، وربما أصابها الوسواس، وربما أعادت الصلاة؛ فلذا ينبغي أن يعلم حكم هذه الرطوبة بالدليل الشرعي على أصول سلفنا الصالح.
ولعدم وجود بحث خاص بهذه الرطوبة (١)، بل ولا فتاوى واضحة من أئمة الفقه الأربعة، ولا من سبقهم من أهل العلم، ولا من تبعهم ممن عرف ببحثه عن الدليل كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم لزم البحث في هذا الموضوع بحثًا جادًا.
السبب الباعث على البحث:
بالإضافة إلى أهميته فإن بعض النساء أصابهن وسواس عظيم وأخريات ألزمن بما يشق وكلفن عسيرًا والله تعالى يقول: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (٢)
ثم إنه اتصلت بي إحدى الشابات وهي تسأل:
ماذا على من لم تطهر من الحيض منذ سنتين ونصف؟ فعجبت من هذا السؤال وقلت: وهي في هذه البلاد، وتدرس، ولها والدة مسلمة! هذا أمر يستغرب الجهل به! ويستبعد! وأدركت هذا ثم قالت: هي تتطهر من الحيض ولكنها لا تتطهر من شيء آخر، فقلت من الجنابة؟ ! قالت مثل ذلك، ثم علمت أنها غير متزوجة، فعزمت عليها بالإيضاح، فقالت من تحتلم ولم تغتسل؟ فعجبت كيف تحتلم ولم تغتسل منذ سنتين ونصف باستمرار، ففطنت إلى أن الشابة لم تكن تعرف الاحتلام، فوضحته لها، وقلت هل ترين هذا؟ قالت: لا! قلت إذن تعنين الرطوبة التي ترين، قالت نعم! فاسترجعت وعزمت على تبييض هذا البحث؛ لأن السائلة هذه نموذج من نماذج كثيرة ربما تدع الصلاة بهذا السبب، ولست مبالغة في هذا فقد صارحتني به غير واحدة. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
_________
(١) لم أكن حينئذ قد اطلعت على كتاب " الافرازات الطبيعية عند المرأة بين الطهارة والنجاسة" للأخت الفاضلة المربية الدكتورة فاطمة بنت عمر نصيف حفظها الله.
(٢) سورة الحج آية٧٨
1 / 4
تمهيد
في السوائل الخارجة من المرأة
لأجل أن نقف على ماهية هذه الرطوبة ينبغي أن نذكر السوائل التي تخرج من المرأة، ونبين حكمها باختصار؛ لأن الأشياء تتميز بضدها، وتلحق في الأحكام بما اتصف بصفتها.
يخرج من المرأة سوائل من غير السبيلين: كالمخاط واللعاب والدمع والعرق والرطوبة، ويخرج منها سوائل من السبيلين، وهي نجسة، ناقضة للوضوء.
أنواع السوائل:
(١) البول: وهو ما يخرج من المثانة، وحكمه نجس، ناقض للوضوء بالنص والإجماع، قال تعالى: (أو جاء أحد منكم من الغائط) (١)
والغائط هو المكان المطمئن من الأرض، كني بذلك عن التغوط، وهو الحدث الأصغر.
قال ابن المنذر: " وحكي لي عن بعض أهل العلم أنه قال: البول والغائط داخلان في قوله: (أو جاء أحد منكم من الغائط)؛ لأن ذهاب القوم إلى تلك المذاهب كان ذهابًا واحدًا.
_________
(١) النساء: ٤٣
1 / 5
قال أبو بكر: وجوب الوضوء من البول مأخوذ من أخبار الرسول ﷺ -قولًا وفعلًا، وذكر حديث ذر بن حبيش قال: لقيت صفوان بن عسال أسأله عن المسح فقال: " كان رسول الله ﷺ يأمرنا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، لكن من غائط أو بول أو نوم " (١) .
وكل ما خرج من مخرج البول من المرأة أو الرجل فهو ناقض للوضوء لما ذكرنا، وإن كان طاهرًا.
_________
(١) أخرجه ابن حبان في باب ذكر الخبر الدال على أن الرقاد ٣/٣٨١،، وابن خزيمة باب ذكر وجوب الوضوء من الغائط والبول١/١٣ وباب ذكر الدليل على أن الأمر بالمسح على الخفين ١/٩٨،، والنسائي في باب المسح على الخفين ١/٨٣،، والترمذي في باب فضل الوبة والاستغفار ٥/٥٤٥،، وابن ماجة في باب الوضوء من مس الذكر١/١٦١،، والشافعي في المسند باب ما خرج من كتاب الطهارة ١/١٧،، وأحمد ٢/٣٨٩،، والبيهقي في باب الوضوء من النوم ١/١١٨،، وباب التوقيت في المسح على الخفين١/٢٧٦،، والطبراني في الكبير ٨/٥٦،، والطحاوي في شرح معاني الآثار ١/٨٢. قال الترمذي حسن صحيح،، ونقل في تحفة المحتاج عن البخاري قوله: " إنه أصح شيء في الباب" ١/١٩٥ حكى النووي عن ابن عبد البرقوله: " شرح النووي على صحيح مسلم ج٣/ص١٧٦
واختلف الرواة في رفع هذا الحديث ووقفه على على قال ومن رفعه أحفظ وأضبط" قال ابن حجر: "
قال الترمذي عن البخاري حديث حسن وصححه الترمذي والخطابي ومداره عندهم على عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عنه وذكر بن مندة أبو القاسم أنه رواه عن عاصم أكثر من أربعين نفسا وتابع عاصما عليه عبد الوهاب بن بخت وإسماعيل بن أبي خالد وطلحة بن مصرف والمنهال بن عمرو ومحمد بن سوقة وذكر جماعة معه ومراده أصل الحديث لأنه في الأصل طويل مشتمل على التوبة والمرء مع من أحب وغير ذلك لكن حديث طلحة عند الطبراني بإسناد لا بأس به" تلخيص الحبير ج١/ص١٥٧
1 / 6
(٢) المذي: وهو سائل غليظ أبيض قليل يخرج من ذكر الرجل أو قبل المرأة - من طريق الرحم من مخرج الولد - عند الشهوة الخفيفة وهو موجب للوضوء لما جاء عن على رضى الله عنه قال: " كنت رجلًا مذاء فأمرت رجلًا أن يسأل النبى ﷺ، لمكان ابنته فسأل، فقال: " توضأ واغسل ذكرك " رواه البخارى. وعن سهل بن حنيف رضى الله عنه قال: " كنت ألقى من المذى شدة وعناء، وكنت أكثر منه الاغتسال، فذكرت ذلك لرسول الله ﷺ، فقال: إنما يجزيك من ذلك الوضوء فقلت: يا رسول الله، كيف بما يصيب ثوبى منه؟ قال: " يكفيك أن تأخذ كفًا من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه قد أصاب منه " رواه أبو داود وابن ماجه والترمذى
(٣) المني: وهو سائل غليظ أبيض يخرج بدفق وهو كثير يخرج مع اشتداد الشهوة
حال الجماع أو الاحتلام، وهو من المرأة رقيق أصفر.
وهو موجب للغسل؛ لقوله تعالى: (ولا جنبًا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا) (١)، ولقوله تعالى: (وإن كنتم جنبًا فاطهروا) (٢)، وسيأتي ذكر حكم المني من حيث الطهارة في فصل مستقل؛ لمساسه بالموضوع.
(٤) الودي: وهو سائل يخرج من مخرج البول بعد انتهائه قال ابن حجر: " الودي بالمهملة وهو ماء أبيض شخين يخرج عقيب البول أو عند حمل شيء ثقيل" (٣)
(٥) الحيض: وهو دم أحمر ضارب للسواد، له ريح يخرج من رحم المرأة في وقت مخصوص، وهو موجب للغسل عند انقطاعه وبرء الرحم منه،؛لقوله تعالى: (ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) (٤) .
ويلحق بالحيض النفاس، وهو دم يخرج مع الولادة ويستمر مدة طويلة، هي عند أكثر النساء أربعين يومًا، وقد تقصر عن ذلك.
_________
(١) النساء ٤٣
(٢) المائدة ٦
(٣) نقله عنه في شرح سنن ابن ماجه ج١/ص٣٨
(٤) البقرة ٢٢٢
1 / 7
والمرأة تدع الصلاة والصوم ومس المصحف لهذين الحدثين حتى تطهر.
(٦) الاستحاضة: وهو دم أحمر يخرج من المرأة في وقت غير معتاد من مخرج الحيض، ويختلف في كثرته، وهو نجس موجب للوضوء عند كل صلاة على الراجح، وفيه خلاف مفصل في كتاب الأوسط لابن المنذر فلينظر هناك. (١)
(٧) السوائل الخارجة من سائر الجسد: كاللبن من الثدي والبزاق والمخاط والدمع وغيره، وهذه طاهرة لا توجب شيئًا.
قال ابن المنذر: " أجمع أهل العلم على أن خروج اللبن من ثدي المرأة لا ينقض الوضوء، وكذلك المخاط والبزاق والدمع الذي يسيل من العين والعرق الذي يخرج من سائر الجسد، والجشاء المتغير الذي يخرج من الفم، والنفس الخارج من الأنف، والدود الساقط من القرح، كل هذا لا ينقض طهارة، ولا يوجب وضوءًا" (٢) .
(٨) رطوبة فرج المرأة: وهي إفراز طبيعي عديم اللون عادة، ولزج بدرجة خفيفة، ويشبه بياض البيض غير المطبوخ عندما يزداد نشاط غدد عنق الرحم (٣) .
وقد سألت عددًا من الطبيبات المتخصصات في أمراض النساء والولادة عن هذه الإفرازات، وهل هي طبيعية أم لا؟ فأفدنني بالإجماع بأنها طبيعية في كل امرأة.
_________
(١) ١/١٥٨ـ١٦٤
(٢) الأوسط ١/١٥٧
(٣) دليل المرأة إلى الصحة ص ٢٤٥
1 / 8
وكتبت لي دكتورة صفاء عثمان أخصائية النساء والولادة في مستشفى الرياض المركزي: " الإفرازات الطبيعية موجودة عند كل الإناث، ولكن الشكوى منها تعتمد على علم المرأة بطبيعتها أو تخوفها من تلك الإفرازات، وغالبًا ما تكون الإفرازات الطبيعية لها قوام مخاطي وذات لون أبيض أو أصفر داكن أو شفاف، وقد تتغير رائحته بسبب تفاعله مع البكتريا الطبيعية، أما الإفرازات غير الطبيعية فهي مصاحبة بأعراض أخرى فتكون ذات لون أخضر أو متغير بألوان الدم القاتمة وقد تسبب حكة أو حرقة، أو تكون ذات رائحة كريهة بفعل بعض أنواع الجراثيم (١)
* ... * ... *
وسأذكر هنا مسائل تحتاج إليها المرأة وتسأل عنها باستمرار وتبالغ في السؤال، وهي:
- حكم الصفرة والكدرة في زمن الحيض وفي غيره
- بم تطهر المرأة؟
- حكم الرطوبة في غير أيام الحيض
- الشك في الطهارة وكيف تفرق المرأة بين الحيض والاستحاضة وتتخلص من الوسوسة
وسأورد كل مسألة منها بالتفصيل:
حكم الصفرة والكدرة في زمن الحيض
اتفق العلماء على أن الصفرة في أيام الحيض حيض. (٢)
_________
(١) اعتمدت الدكتورة صفاء على بعض المراجع الطبية الأجنبية في هذه الإفادة، وبعثت لي بشهادة سبعة من أطباء النساء والولادة لتقديمها لهيئة كبار العلماء؛ لإيضاح أن هذه الرطوبة لا تتصل بالنجاسة من الداخل. ...
(٢) الأوسط لابن المنذر ٢/٢٣٣، أحكام القرآن/ للجصاص، الاختلاف في الطهر العارض في حال الحيض ج ١
1 / 9
وخالف في ذلك ابن حزم فذهب إلى أن الحيض هو الأسود، قال:" فإذا رأت أحمر أو كغسالة اللحم أو صفرة أو كدرة أو بياضا أو جفوفا فقد طهرت " (١) ونقل الكاساني في بدائع الصنائع الإجماع خلافا لأبي منصور حيث قال:" إذا رأت في أول أيام الحيض ابتداء كان حيضا، أما إذا رأت في آخر أيام الطهر، واتصل به أيام الحيض لا يكون حيضا. والعامة على أنها حيض كيفما كانت." (٢)
أما الكدرة في أيام الحيض فالجمهور على أنها من الحيض منهم أبو حنيفة (٣)، ومالك (٤)، والشافعي (٥)، وأحمد (٦)، وإسحاق (٧)، وبه قال يحي الأنصاري (٨)، وربيعة (٩)، والثوري (١٠)، والأوزاعي (١١)، وعبد الرحمن بن مهدي (١٢)،وخالفهم أبو يوسف (١٣)، وأبو ثور (١٤) فقالا: لا يكون حيضا إلا أن يتقدمه دم أسود (١٥) .
_________
(١) المحلى كتاب الحيض والاستحاضة/مسألة الحيض هو الدم الخاثر٢/١٦٢
(٢) كتاب الطهارة/فصل الحيض وأحكامه ج ١
(٣) الأصل ١/٣٣٧
(٤) المدونة١/٥٠
(٥) المجموع٢/٣٩٥
(٦) المغني١/٤١٣
(٧) الأوسط١/٢٣٥،المغني١/٤١٣،المجموع ٢/٣٩٥
(٨) المرجع السابق
(٩) ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وانظر المرجع السابق
(١٠) المرجع السابق
(١١) المرجع السابق
(١٢) المرجع السابق
(١٣) أحكام القرآن/ للجصاص١، بدائع الصنائع/ كتاب الطهارة/ فصل الحيض وأحكامه١/،الأوسط ١/٢٣٥، المجموع٢/٣٩٥،
(١٤) الأوسط ١/٢٣٥،وانظر المغني١/٤١٣
(١٥) ينظر الأصل لمحمد بن الحسن ١/٣٣٧، الأوسط ٢/٢٣٧، بدائع الصنائع كتاب الطهارة/فصل الحيض وأحكامه ج ١
1 / 10
واستدل الجمهور بحديث أم عطية المتقدم، ومقتضاه أن الكدرة والصفرة بعد الطهر لا تعد من الحيض، وهو يقتضي أن الصفرة والكدرة قبل الطهر تعد من الحيض،وروي معنى حديث أم عطية عن علي بن أبي طالب (١)،وثوبان (٢)،وإبراهيم (٣)،وابن سيرين (٤) .
واستدل المخالفون بحديث عائشة ﵂:
(وكن نساء يبعثن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة فتقول لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء تريد بذلك الطهر من الحيضة وبلغ ابنة زيد بن ثابت (٥)
_________
(١) أخرجه عبد الرزاق باب ما ترى أيام حيضتها أو بعدها ١/٣٠٢، وابن أبي شيبة في كتاب الطهارات/ باب في الطهر ما هو وبم يعرف١/٩٠، وابن المنذر في الأوسط ٢/٢٣٦، عن علي بن أبي طالب قال:" إذا رأت المرأة بعد الطهر ما يريبها مثل غسالة اللحم، أو مثل غسالة المسك، أو مثل قطرات الدم قبل الرعاف، فإن ذلك ركضة من ركضات الشيطان في الرحم، فلتنضح بالماء ولتتوضأ ولتصل، زاد إسرائيل في حديثه: فإن كان دما عبيطا لاخفاء به فلتدع الصلاة "١/٣٠٢، وإسناده ضعيف فيه الحارث بن عبد الله الأعور قال ابن حجر: كذبه الشعبي في رأيه ورمي بالرفض وفي حديثه ضعف. التقريب ص ١٤٦
(٢) أخرج الطبراني في مسند الشاميين ج٤/ ص٣٣٥ بسنده عن مكحول قال: " قيل لثوبان المرأة ترى الصفرة بعد الطهر قال لا بأس لتتوضأ ثم لتصل قيل له أشيئا قلته أم سمعته قال بل سمعته من رسول الله ﷺ "
(٣) أخرجه عبد الرزاق باب ما ترى أيام حيضتها أو بعدها ١/٣٠٢، وابن ابي شيبة باب في المرأة تطهر ثم ترى الصفرة بعد الطهر١/٨٩
(٤) أخرجه ابن ابي شيبة في باب في المرأة تطهر ثم ترى الصفرة بعد الطهر١/٨٩
(٥) قال ابن حجر في فتح الباري ج١/ص٤٢٠
"ابنة زيد بن ثابت كذا وقعت مبهمة هنا وكذا في الموطأ حيث روى هذا الأثر عن عبد الله بن أبي بكر أي بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمته عنها وقد ذكروا لزيد بن ثابت من البنات حسنة وعمرة وأم كلثوم وغيرهن ولم أر لواحدة منهن رواية إلا لام كلثوم وكانت زوج سالم بن عبد الله بن عمر فكأنها هي المبهمة هنا وزعم بعض الشراح أنها أم سعد قال لأن بن عبد البر ذكرها في الصحابة انتهى وليس في ذكره لها دليل على المدعى لأنه لم يقل أنها صاحبة هذه القصة بل لم يأت لها ذكر عنده ولا عند غيره إلا من طريق عنبسة بن عبد الرحمن وقد كذبوه وكان مع ذلك يضطرب فيها فتارة يقول بنت زيد بن ثابت وتارة يقول امرأة زيد ولم يذكر أحد من أهل المعرفة بالنسب في أولاد زيد من يقال لها أم سعد وأما عمة عبد الله بن أبي بكر فقال بن الحذاء هي عمرة بنت حزم عمة جد عبد الله بن أبي بكر وقيل لها عمته مجازا قلت لكنها صحابية قديمة روى عنها جابر بن عبد الله الصحابي ففي روايتها عن بنت زيد بن ثابت بعد فإن كانت ثابتة فرواية عبد الله عنها منقطعة لأنه لم يدركها ويحتمل أن تكون المرادة عمته الحقيقية وهي أم عمرو أو أم كلثوم والله أعلم"
1 / 11
أن نساء يدعون بالمصابيح من جوف الليل ينظرن إلى الطهر فقالت ما كان النساء يصنعن هذا وعابت عليهن.) (١)
وروى عبد الرزاق (٢) وابن أبي شيبة عنها مثله (٣)
_________
(١) أخرجه البخاري تعليقا في كتاب الحيض /باب إقبال المحيض وإدباره ج١/ص١٢١،ووصله مالك في الموطأ١/٥٩ كتاب الطهارة (٢) باب طهر الحائض (٢٧) حديث رقم (٩٧) من طريق يحيى بن بكير.ومن طريق مالك أخرجه البيهقي في كتاب الحيض باب الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض ١/٣٣٥.والدرجة بضم الدال وسكون الراء يريد بها خرقة تجمع فيها هذا الكرسف وهو القطن الذي احتشت به. مشارق الأنوار ج١/ص٢٥٦ وهو أشبه بالحفاظة التي تستعملها النساء في عصرنا.
(٢) كتاب الطهارة/باب كيف الطهر١/٣٠٢
(٣) أخرجه في كتاب الطهارات/باب المرأة تطهر ثم ترى الصفرة والكدرة ١/٨٩
1 / 12
ومقتضاه أن الصفرة والكدرة داخلة في الحيض ولو رأت الجفاف واغتسلت، بل روي ذلك عن غير واحد من الصحابيات والصحابة والتابعين منهم أسماء بنت أبي بكر ﵂ (١) وعمرة (٢) وعطاء (٣) ومكحول (٤) والزهري (٥) .
وهذا سبب الاختلاف في هذه المسألة، فظاهر حديث أم عطية يخالف حديث عائشة ﵄
_________
(١) أخرج ابن أبي شيبة في كتاب الطهارات/ باب في الطهر ما هو وبم يعرف١/٩٠، والدارمي في كتاب الطهارة والصلاة/ باب الطهر كيف هو١/٢١٤، وابن المنذر في الأوسط ٢/ ٢٣٤كلهم من طريق محمد بن إسحاق عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت:" كنا في حجرها مع بنات ابنتها فكانت إحدانا تطهر ثم تصلي ثم تنكس بالصفرة اليسيرة فتسألها فتقول: اعتزلن الصلاة ما رأيتن ذلك حتى لاترين إلا البياض خالصا".
(٢) أخرج ابن أبي شيبة في كتاب الطهارات/ باب في الطهر ما هو وبم يعرف١/٩٠، والدارمي في كتاب الطهارة والصلاة/ باب الطهر كيف هو١/٢١٣واللفظ له،عن فاطمة بنت محمد قالت:" أرسلت أمرأة من قريش إلى عمرة بكرسفة قطن فيها كالصفرة تسألها إذا لم تر المرأة من الحيضة إلا هذا أن قد طهرت؟ فقالت: لا حتى ترى البياض خالصا".
(٣) أخرجه عبد الرزاق باب ما ترى أيام حيضتها أو بعدها ١/٣٠٢، وأخرجه ابن أبي شيبة في كتاب الطهارات/ باب في الطهر ما هو وبم يعرف١/٩٠، عن ابن جريج قال: "قلت لعطاء: الطهر ما هو؟ قال: الأبيض الخفوف الذي ليس معه صفرة ولا ماء، الخفوف الأبيض"
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب الطهارات/ باب في الطهر ما هو وبم يعرف١/٩٠، عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن برد عن مكحول قال: " لا تغتسل حتى ترى طهرا أبيض كالفضة"
(٥) أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب الطهارات/ باب في الطهر ما هو وبم يعرف١/٩٠، عن يونس الأيلي عن الزهري قال سألته عما يتبع الحيضة من الصفرة والكدرة قال: هو من الحيضة حتى تنقي.
1 / 13
ومن رأى الجمع بين الأحاديث قال: إن حديث أم عطية هو بعد انقطاع الدم، وحديث عائشة في أثر انقطاعه، أو إن حديث عائشة هو في أيام الحيض، وحديث أم عطية في غير أيام الحيض. (١)
والذي أراه أن الحائض تكون في حدث متيقن فلا تنتقل منه إلى الطهر إلا بيقين، والصفرة والكدرة ليست يقينا بالطهر؛ لأن المرأة تراها ثم ترى الدم بعدها أحيانا مما يدل على عدم براءة الرحم منه؛ لذا كانت عائشة ﵂ تنهى عن الاستعجال بالغسل قبل التأكد من الطهر، أما إذا رأت الطهر وتيقنت منه ثم اغتسلت وصلت فإن عاودها الدم أو الكدرة لم تدع الصلاة لذلك؛ لأنه حينها صار حدثا غير متيقن فلا تترك الصلاة الواجبة للظن، ولهذا قالت أم عطية ﵂ (كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا) .فإذا كان الدم بعد الطهر من الحيض لا يعد حيضا فلأن لا تعد الكدرة والصفرة بعد الطهر حيضا من باب أولى على ما روي عن عائشة ﵂: (أن رسول اللَّه ﵌ قال في المرأة التي ترى ما يريبها بعد الطهر إنما هو عرق أو قال عروق) . (٢)
_________
(١) بداية المجتهد ونهاية المقتصد ١/٥٤وينظرفتح الباري ١/٤٢٦، وعمدة القاري
(٢) الحديث بهذا اللفظ أخرجه أبو داود في كتاب الطهارة/ باب من روى أن المستحاضة تغتسل لكل صلاة ١/٧٨، وابن ماجة في كتاب الطهارة وسننها/ باب ماجاء في الحائض ترى بعد الطهر الصفرة والكدرة ١/ ٢١٢. والبيهقي في كتاب الحيض / باب الصفرة والكدرة تراهما بعد الطهر ١/٣٣٧ كلهم من طريق يحي بن أبي عن أبي سلمة عن أم بكر عن عائشة ﵂. قال في الزوائد اسناده صحيح ورجاله ثقات. وهو كما قال إلا أن أم بكر قال عنها الحافظ ابن حجر: لا يعرف حالها (التقريب ص ٧٥٥) قال الشوكاني في نيل الأوطار ج١/ص٣٤٦وذكر قول أبي البركات ابن تيمية:
"وأم بكر لا يعرف حالها وبقية الإسناد ثقات والحديث حسنه المنذري "وهو من الأدلة الدالة على عدم الاعتبار بما ترى المرأة بعد الطهر.
والحديث له أصل في الصحيحين من حديث الزهري عن عروة وعن عمرة عن عائشة ﵂ (أن أم حبيبة استحيضت سبع سنين فسألت رسول الله ﷺ عن ذلك فأمرها أن تغتسل فقال " هذا عرق" فكانت تغتسل لكل صلاة.) أخرجه البخاري في الحيض / باب عرق الاستحاضة ١/٤٢٧ ومسلم في كتاب الحيض/ باب غسل المستحاضة ٤/٢٣وأبو داود في الباب السابق، والنسائي في كتاب الطهارة/ باب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة ١/ ١٨٥، والدارمي في كتاب الطهارة /باب في غسل المستحاضة ١/١٩٨، وأحمد ٤١ /٨٤ رقم (٢٤٥٣٨)، وأبو يعلى (٤٤٠٥) والشافعي في الأم باب المستحاضة ١/٧٧، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" ١/٩٩ وفي" شرح مشكل الآثار" وابن عبد البر في التمهيد١٦/٦٦
1 / 14
وإلى الجمع ذهب البخاري ﵀ لذا ترجم لحديث أم عطية بقوله: (باب الصفرة والكدرة في غير أيام الحيض) قال ابن حجر: يشير بذلك إلى الجمع بين حديث عائشة المتقدم في قولها " حتى ترين القصة البيضاء " وبين حديث أم عطية المذكور في هذا الباب بان ذلك محمول على ما إذا رأت الصفرة أو الكدرة في أيام الحيض، وأما في غيرها فعلى ما قالته أم عطية. (١)
ورجح شيخ الإسلام مذهب الجمهور، قال: - وهو الصحيح ـ: إنها إن كانت في العادة مع الدم الأسود والأحمر فهي حيض، وإلا فلا؛ لأن النساء كن يرسلن إلى عائشة بالدرجة فيها الكرسف، فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء. وكذلك غيرها، فكن يجعلن ما قبل القصة البيضاء حيضا. وقالت أم عطية: كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطهر شيئا. (٢)
بم تطهر الحائض؟
حدثت أم عطية في ذلك حديثا قالت: (كنا لا نعد الكدرة والصفرة شيئا) (٣)
_________
(١) فتح الباري ١/ ٤٢٦
(٢) مجموع فتاوى ابن تيمية ٢٦/٢٢٠
(٣) أخرجه النسائي في كتاب الحيض والاستحاضة/ باب الصفرة والكدرة ١/١٨٦، ٣٦٨
وابن ماجة في كتاب الطهارة وسننها/ باب ما جاء في الحائض ترى بعد الطهر الصفرة والكدرة ١/٢١٢
والدارمي في كتاب الصلاة والطهارة/باب الطهر كيف هو ١/٢٣٤
والحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب الطهارة /باب أحكام الاستحاضة ١/٢٨٢
وعبد الرزاق في المصنف، كتاب الحيض/ باب ما ترى أيام حيضتها أو بعدها١/٣١٧
والطبراني في المعجم الكبير ٢٥/٥٥/١١٩، ٢٥/٦٣/١٥١
ورواه أبو داود بزيادة" بعد الطهر" في كتاب الطهارة/ باب في المرأة ترى الكدرة والصفرة بعد الطهر ١/٨٣ والحاكم في المستدرك على الصحيحين، كتاب الطهارة / باب أحكام الاستحاضة ... ١/١٧٤ كلاهمامن طريق قتادة عن أم الهذيل عن أم عطية
والدارمي في كتاب الصلاة والطهارة/ باب الكدرة إذا كانت بعد الحيض ١/٢٣٥ وابن المنذر في الأوسط ٢/٢٣٦بلفظ" بعد الغسل"
والطبراني في المعجم الكبير ٢٥/٦٣/١٥١ بزيادة "بعد الغسل"، ٢٥/٦٤/١٢٥ كلهم من طريق قتادة عن أم الهذيل عنها
ورواه بلفظ" لا نرى التربة شيئا "ابن أبي شيبة، كتاب الطهارة / باب في المرأة تطهر ثم ترى الصفرة بعد الطهر ١/ ٩٠و" إسحاق بن راهويه في ... باب ما يروى عن نساء أهل البصرة ... ٥/٢١٧/ (٢٣-٢٣٥٩)، وابن المنذر في الأوسط٢/٢٣٦، والدارقطني كتاب الحيض ١/٢١٩/٦٤ بلفظ" الترية"، بالمثناة التحتية، والحربي في غريب الحديث، باب تروية ٢/٧٧٩ كلهم من طريق هشام عن حفصة عن أم عطية
1 / 15
وروي بزيادة (بعد الطهر) وهي زيادة صحيحة.
واختلف الفقهاء في علامة الطهر، فرأى قوم أن علامة الطهر رؤية القصة البيضاء (١) وقال أخرون علامة الطهر الجفاف. قال ابن رشد:"وسبب اختلافهم أن منهم من راعى العادة ومنهم من راعى انقطاع الدم فقط، وقد قيل: إن التي عادتها الجفوف تطهر بالقصة البيضاء ولا تطهر التي عادتها القصة البيضاء بالجفوف، وقد قيل بعكس هذا وكله لأصحاب مالك" (٢)
_________
(١) قال ابن الأثير في النهاية في غريب الأثر ج٤/ص٧١ "القصة البيضاء هو أن تخرج القطنة أو الخرقة التي تحتشي بها الحائض كأنها قصة بيضاء لا يخالطها صفرة وقيل القصة شيء كالخيط الأبيض يخرج بعد انقطاع الدم كله"وقال في مشارق الأنوار ج٢/ص١٨٨
القصة البيضاء بفتح القاف كناية عن النقاء القصة ماء أبيض يخرج آخر الحيض وعند انقطاعه كالخيط الأبيض وقال الحربي القصة القطعة من القطن لأنها بيضاء تقول تخرج بيضاء غير متغيرة ويدل عليه قوله في الحديث الآخر حتى ترين القصة بيضاء وقيل هو من خروج ما تحتثى به أبيض كالقصة وهو الجير لا تغيير فيه." وينظر غريب الحديث لابن سلام ١/٢٧٨، وغريب الحديث للخطابي١/٣٧٢، وغريب الحديث لابن الجوزي٢/٢٤٨
(٢) بداية المجتهد ١/٣٩
1 / 16
واحتج من ذهب إلى أن الطهر لا يثبت حتى ترى الحائض القصة البيضاء بما روي عن عائشة ﵂" أن النساء كن يبعثن إليها بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة فتقول لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء تريد بذلك الطهر من الحيضة وبلغ ابنة زيد بن ثابت أن نساء يدعون بالمصابيح من جوف الليل ينظرن إلى الطهر فقالت ما كان النساء يصنعن هذا وعابت عليهن" (١)
وممن رأى أن الطهر لا يكون إلا بالبياض: أسماء بنت أبي بكر (٢)، وعمرة (٣)، وعطاء (٤)، ومكحول (٥)، والزهري (٦)، وعبد الرحمن بن مهدي (٧)،
وبه قال أبو حنيفة (٨)، ومالك (٩)،والشافعي (١٠)،وأحمد (١١)
وممن قال تطهر بالجفاف: ابن حبيب من المالكية، حكى عنه ابن عبد البر قال:" تطهر بالجفوف وإن كانت ممن ترى القصة البيضاء.
_________
(١) أخرجه البخاري تعليقا في كتاب الحيض /باب إقبال المحيض وإدباره ج١/ص١٢١،ووصله مالك في الموطأ١/٥٩ كتاب الطهارة (٢) باب طهر الحائض (٢٧) حديث رقم (٩٧) من طريق يحيى بن بكير.ومن طريق مالك أخرجه البيهقي في كتاب الحيض باب الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض ١/٣٣٥.والدرجة بضم الدال وسكون الراء يريد بها خرقة تجمع فيها هذا الكرسف وهو القطن الذي احتشت به. مشارق الأنوار ج١/ص٢٥٦ وهو أشبه بالحفاظة التي تستعملها النساء في عصرنا.
(٢) تقدم ص ١٣هامش (٣٩)
(٣) تقدمص١٣هامش (٤٠)
(٤) تقدم ص١٣هامش (٤١)
(٥) تقدم ص١٣هامش (٤٢)
(٦) تقدم ص١٣هامش (٤٣)
(٧) ذكره عنه ابن المنذر في الأوسط٢/٢٣٥، وابن حزم في المحلى٢/٢٢٩
(٨) ينظر الأصل لمحمد بن الحسن١/٣٣٧، والمبسوط للسرخسي٢/١٩
(٩) المدونةالكبرى١/٥٠ إلا أنه قال: إن كانت ممن ترى القصة البيضاء فحين ترى القصة البيضاء وإن كانت ممن لاترى القصة البيضاء فحين ترى الجفوف فتغتسل وتصلي.قال ابن القاسم والجفوف عندي أن تدخل الخرقة فتخرجها جافة.
(١٠) الأم باب الرد على من قال لا يكون الحيض أقل من ثلاثة أيام ١/٨٣،٨٤، والمجموع ٢/٣٨٩
(١١) ينظر المغني ١/٢٠٢
1 / 17
قال والجفوف أبرأ للرحم من القصة البيضاء فمن كان طهرها القصة البيضاء فرأت الجفوف فقد طهرت، قال ولا تطهر التي طهرها الجفوف برؤيتها القصة البيضاء حتى ترى الجفوف
قال: وذلك أن أول الحيض دم ثم صفرة ثم كدرة ثم يكون نقاء كالقصة ثم ينقطع فإذا انقطع قبل هذه المنازل فقد برئت الرحم من الحيض.
قال والجفوف أبرأ وأوعب وليس بعد الجفوف انتظار شيء" (١)
وهذا خلاف الصواب فإن المرأة تجف أحيانا قرب انقطاع الحيض الفرض والفرضين والثلاثة ثم يعاودها الدم والكدرة والصفرة وهي ما تزال في مدة الحيض، أما إذا رأت القصة البيضاء فقط طهرت وأصبح الرحم نقيا ومن النادر أن تعاود الحيضة المرأة بعد رؤيتها، والقصة البيضاء معروفة عند النساء وهي الرطوبة السائلة اللزجة عديمة اللون التي تراها المرأة سائر الشهر.
قال ابن حجر:
"وفيه أن القصة البيضاء علامة لانتهاء الحيض ويتبين بها ابتداء الطهر، واعترض على من ذهب إلى أنه يعرف بالجفوف بأن القطنة قد تخرج جافة في أثناء الأمر فلا يدل ذلك على انقطاع الحيض، بخلاف القصة وهي ماء أبيض يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض.
قال مالك: سألت النساء عنه فإذا هو أمر معلوم عندهن يعرفنه عند الطهر." (٢)
_________
(١) الاستذكار ج١/ص٣٢٥
(٢) فتح الباري ١/٤٢٠ كتاب الحيض باب إقبال الحيض وإدباره، وينظر المدونة ١/٥٠، ٥١
1 / 18
فجعل الإمام مالك معرفة النساء حدا يرجع إليه، ونحن النساء نعرف ذلك، ولا عبرة بالمعتلة بمرض كالتي ترى الصفرة والخضرة سائر شهرها، ولا المصابة بوسوسة، فإنها تقلق إذا دخل وقت الصلاة وهي جافة خشية أن يكون عليها صلاة، فتبادر بالغسل والصلاة ثم يعاودها الكدرة والصفرة فتحتار، والسبب أنها استعجلت وتطهرت قبل أن تطهر طهرا صحيحا بينا، والذي يمكن أن يزيل القلق سؤال المرأة نفسها: هل استيقنت من الطهر؟ فإن كان الجواب: نعم، اغتسلت، وإن كان الجواب: لا. لم يكن لها أن تصلي إذا رأت الكدرة؛ لأنها حينئذ انتقلت من حكم الحيض المستيقن إلى حكم الطهر بغير يقين، فلابد أن تكون مستيقنة من الطهر حتى تنتقل إلى حاله ولوازمه. والله أعلم.
حكم الرطوبة في غير أيام الحيض
الرطوبة: هي إفراز طبيعي عديم اللون عادة ولزج بدرجة خفيفة، ويشبه بياض البيض غير المطبوخ عندما يزداد نشاط غدد الرحم. (١)
والكلام على الرطوبة ينقسم إلى قسمين: من حيث الطهارة، ومن حيث نقض الوضوء. ولأهمية هاتين المسألتين للنساء خاصة؛ فإني أفصل في كل منهما.
١ـ طهارة الرطوبة
اختلف العلماء في الرطوبة في غير أيام الحيض، فذهب المالكية وأبو إسحاق بن شاقلا وابن رزين من الحنابلة إلى نجاسة الرطوبة مطلقا، قالوا لأنها رطوبة متولدة من الباطن. وذهب محمد بن الحسن وأبو يوسف من الأحناف، والشافعية إلى نجاسة الرطوبة الباطنة واتفقوا على طهارة الرطوبة الظاهرة. والمشهور من مذهب الإمام أحمد طهارتها دون تفصيل. وزاد الشافعية قسما ثالثا وهو الرطوبة المتولدة في الداخل وليست من الرحم، وهي المتكونة في قناة المهبل، وهي عندهم طاهرة على الصحيح، وهذا القسم هو الذي تسأل عنه النساء وهو ما نبحثه هنا إذ الرطوبة الباطنة التي تخرج مع الولد ليست متكررة ولا تعاني منها النساء.
ولما كانت هذه المسألة مهمة جدا لنا أردت أن أذكر أقوال الفقهاء بالتفصيل وبالله التوفيق
_________
(١) دليل المرأة إلى الصحة ص ٢٤٥
1 / 19
القائلون بنجاسة الرطوبة مطلقا:
قال خليل بن إسحاق المالكي: " والنجس ما استثني وميت غير ما ذكر ولو قملة أو آدميا....ومني ومذي وودي وقيح وصديد ورطوبة فرج" (١) وعلق الشراح من المالكية على هذا القول بقول عياض: ماء الفرج ورطوبته عندنا نجسان قالوا: وهو المعتمد من المذهب (٢)
وقال ابن قدامة من الحنابلة: " وَفِي رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ احْتِمَالَانِ: أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ فِي الْفَرْجِ لَا يُخْلَقُ مِنْهُ الْوَلَدُ، أَشْبَهَ الْمَذْيَ. (٣)
قال المرداوي في الإنصاف: " الرواية الثانية هي نجسة، اختارها أبو إسحاق بن شاقلا وجزم به في الإفادات، وقدمه ابن رزين في شرحه" (٤)
_________
(١) المختصر ص٧
(٢) ينظر التاج والأكليل لمختصر خليل/ لمحمدحطاب باب في أحكام النجاسلت/ فصل تمييز الأعيان الطاهرة عن النجسة،، ومواهب الجليل له أيضا في كتاب الطهارة باب يرفع الحدث/ فصل الطاهر أنواع/ فرع الصلاة على جلود الميتة، وينظر فصل في التيمم،، وشرح مختصر خليل لمحمد الخرشي في باب الطهارة/ فصل بيان الطاهر والنجس،، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير لمحمد بن عرفة الدسوقي في باب أحكام الطهارة/ فصل بيان الأعيان الطاهرة والنجسة، وينظر فصل في بيان الحيض والنفاس/ مدة الحيض،، وبلغة السالك لأقرب المسالك المعروف بحاشيةالصاوي باب في بيان الطهارة/فصل في الحيض/ علامة الطهر،، ومنح الجليل شرح مختص خليل لمحمد بن عابدين في باب يرفع الحدث/ فصل في موجبات الغسل. وقال في حاشية العدوي١/١٨٦:" خروجها مبتلة من رطوبة الفرج لا يضر" وهو يخالف قول عياض السابق.
(٣) المغني كتاب الصلاة / باب الصلاة بالنجاسة وغير ذلك / مسألة ما خرج من الإنسان أو البهيمة التي لا / فصل رطوبة فرج المرأة
(٤) الإنصاف للمرداوي، كتاب الطهارة / باب إزالة النجاسة
1 / 20