136

Issues in Which the Messenger of Allah Contradicted the People of Ignorance

مسائل خالف فيها رسول الله أهل الجاهلية

ژانرونه

أحكام التبرك المشروع والممنوع
والتبرك قسمان: تبرك ممنوع، وتبرك مشروع، والتبرك الممنوع مقسم إلى أقسام: تبرك بالأماكن، وتبرك بالأزمنة، وتبرك بالأشخاص، وهذا مختلف فيه حتى بين أهل السنة والجماعة، فمن أهل السنة والجماعة من قال بجواز التبرك بذوات الصالحين أو بآثار الصالحين كـ ابن حجر والنووي، فهذا يكون قسمًا ثالثًا سنتكلم عليه إن شاء الله.
قال تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا﴾ [آل عمران:٩٦]، فإذًا كان البيت الحرام مباركًا فهل يجوز للإنسان أن يتبرك به؟
الجواب
لا، لا يتبرك به لا بجدرانه ولا بأستاره، ولكن يتبرك بالعبادة فيه؛ لأن النبي ﷺ أخبر أن الصلاة فيه بمائة ألف صلاة، فهذا هو محل البركة، ثم جاء أناس ووسعوا المسألة وخالفوا شرع الله، وتبركوا بأستار الكعبة، وهذا ظاهر وواقع ومشاهد، فترى الناس -وأكثرهم من الهنود والأعاجم- يتعلقون بأستار الكعبة، ويتمسحون بها، ويبكون ويصرخون، والأصوات تعلو من الرجال والنساء، فيتبركون بأستار الكعبة، وبالحديد والسياج الذي يدور حول مقام إبراهيم، ويتبركون بمقام إبراهيم، فهذا التبرك لا يجوز بحال من الأحوال، ولو كان جائزًا لشرعه النبي ﷺ، ولفعله أصحابه، بل إن رسول الله ﷺ لم يقبّل شيئًا من البيت إلا الحجر الأسود، ولم يمس إلا الركن اليماني.
والدليل على أن هذه بدعة وشرك أن معاوية ﵁ وأرضاه جاء للكعبة -وهو يعلم أن هذا البيت مبارك- فتمسح في كل أركان الكعبة الأربعة، فلما تمسح بالأركان الأربعة جاء ابن عباس فقال: والله ما كان رسول الله ﷺ يفعل ذلك، يبين أن رسول الله ﷺ ترك ذلك، فيلزمك ألا تفعله، فقال: والله ما كان رسول الله ﷺ يفعل ذلك، قال: ليس من البيت شيء مهجور، فقال له: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب:٢١]، فقال: أصبت، وامتنع أن يتمسح بأي حجر من أحجار البيت.
ولك أيضًا أن تتدبر أن عمر بن الخطاب جاء إلى الحجر الأسود فقبله ثم قال معلنها صراحة: (والله إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبلك ما قبلتك)، إذًا: فالذين يتبركون بأحجار الكعبة، وبجدران قبر النبي ﷺ، ويتبركون بالسياج أو بمقام إبراهيم، فتركهم هذا لا يجوز بحال من الأحوال، ولنا أدلة كثيرة تدل على أنه لا يجوز: الأول: أن هذا التبرك -إذا قلنا: إنه عبادة- لا بد له من دليل شرعي؛ إذ الأصل في العبادات التوقف، وليس ثمة دليل يثبت التمسح بكل أركان الكعبة إلا بالحجر الأسود -لعلة أخرى- أو بمقام إبراهيم.
الأمر الثاني: أن النبي ﷺ طاف بالبيت وطاف أصحابه، ولم ينقل لنا أنه فعل ما يفعل الناس اليوم، فهذا دليل على أنه لا يجوز.
وأما حكم فاعل ذلك: كأن يدخل رجل الكعبة فينظر إلى الحجْر فيقول: هذا الحجْر من الكعبة وقصرت النفقة عن أن يدخلوه في البيت، فذهب يتمسح بأحجار الحجْر ويقبلها، ثم نظر وقال للناس: إن إبراهيم هو الذي بنى البيت، فقال: أين مقام إبراهيم؟ قالوا: هو ذاك، فانكب عليه باكيًا متضرعًا متذللًا: يا رب! ويقول: إن هذا آية من آيات الله، فيتمسح فيه ويمسح في جسده، ويقبل هذا المقام، فما حكم هذا الرجل؟ الجواب: هذا الرجل له أحوال ثلاثة: الحالة الأولى: إذا اعتقد في مقام إبراهيم أنه هو الذي يمنحه البركة، فهذا الفعل شرك أكبر؛ لأنه اعتقد فيه أنه يفعل ما لا يفعله إلا الله ﷾؛ ولذلك يقول الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ﴾ [البقرة:١٦٥]؛ لأنهم اعتقدوا فيهم ما لا يعتقد إلا في الله ﷿.
الحالة الثانية: إذا اعتقد أن البركة من الله، ولكنه يزعم أن هذا المقام واسطة بينه وبين الله فقال: هذا المقام يسمعني، وطلب من الحجر نفسه فقال: بارك لي في زوجتي، بارك لي في ابنتي، فهذا شرك أكبر؛ لأنه صرف العبادة لغير الله، وممكن نقول: إن هذه تتلازم مع الاعتقاد صراحة؛ لأنه لو صرف العبادة لابد أنه يعتقد في هذا الحجر أنه ينفع ويضر.
الحالة الثالثة: إذا اعتقد أنها لله، وهو طلبها من الله، ولكن قال: البركة ستكون هنا، وستحل في هذا المكان، فهذا شرك أصغر؛ لأنه اتخذ وسيلة لم يشرعها الله، أو اتخذ سببًا لم يشرعه الله جل في علاه.
وحتى تتضح المسألة أكثر: فمثلًا: إذا كنت جالسًا في المسجد الحرام وأحرص على أن تكون كل صلاة أصليها في المسجد الحرام ولا أفرط فيها، فقيل لي: لم تحرص على الصلاة في المسجد الحرام؟ قلت: إن الصلاة في هذا المكان مباركة، فهذا الفعل صواب؛ لأنني تبركت بهذا المكان الذي أصلي فيه وهو المسجد الحرام، والنبي ﷺ بين لي أن فيه بركة، فالصلاة فيه بمائة ألف صلاة! إذًا: فأنا اتخذت وسيلة صحيحة وسببًا مشروعًا.
وأما الآخر الذي قال: إن البركة ستحل عند مقام إبراهيم، فهذا اتخذ وسيلة لم يشرعها الله جل في علاه، إذًا: فالتبرك بالأمكنة: كالتبرك بالأحجار والأشجار أو بالمسجد الحرام أو بأستار الكعبة وأحجارها غير مشروع.
وأيضًا: من الأماكن التي يتبرك بها: غار حراء، وغار ثور، فهذه تسمى عند أهل المدينة والحجيج: المزارات السبعة أو الستة، فهذه المزارات بدعة، فالذي يقول: على الإنسان أن يذهب إلى غار حراء، وغار ثور؛ لأن هذه أماكن مباركة، وكفى أن الله جل في علاه بعث جبريل إلى النبي ﷺ وهو يتحنث فيها، فيرى أن البركة في هذه الأماكن بأن الوحي نزل فيها، فهذا أيضًا اعتقاد خاطئ، ولو ذهب إلى غار حراء أو ثور يدعو هناك أو يصلي هناك أو يقيم العبادة هناك، ويقول: إن الله سيتقبل مني لبركة هذا المكان، فهذا قد ابتدع في دين الله، واتخذ سببًا لم يشرعه الله جل في علاه، وهذا المكان ليس فيه ثمة بركة؛ لأنه لا دليل عليه.
من التبرك بالأماكن التبرك بالقبور: وله صورتان: الصورة الأولى: التبرك بالمقبور نفسه، وهو الولي الصالح.
الصورة الثانية: التبرك بالقبر الذي قبر فيه المقبور.
كرجل ذهب إلى البدوي أو إلى الجيلاني فقال: يا بدوي! أسألك أن تبارك لي في مالي ورزقي، وتمنع عني الشر.
فهذا تبرك بالمقبور نفسه، ثم جاء إليه آخر فقال: لا تفعل، لكن اجلس بجانب قبر هذا الولي الصالح المبارك وادع الله عنده، فإن الله سيغفر لك ذنبك.
والدليل على هذا قوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [الشورى:٢١].

13 / 8