عمل الشر في عيني يهوه ... وعاد فبنى المرتفعات التي أبادها حزقيا أبوه ... وسجد لكل جند السماء وعبدها في داري بيت يهوه. (ملوك ثاني، 21: 2-5)
بل وعاد منسي إلى عبادات كنعانية قديمة كانت تشرع التقرب من الإله بذبح الأبناء الذكور البكر على مذبح الإله وحرقه على محرقته استرحاما، لكن منسي كان يذبح ويتقرب بالبشر ليهوه، وهو ما يشعرنا بفظاعة إحساسه بدنو نهايته على يد الأشوريين حتى إنه أقام على هذا القربان الرهيب بتقديم ابنه شخصيا للنار.
ولا شك أن «منسي كان يفعل ذلك من باب استرضاء الآلهة الأخرى الأجنبية التي ربما كانت أقوى من يهوه بدليل قوة جيوشها ودولتها» ... وفجأة يأتي ملك آشور ويأسر منسي، ويغفل المحرر الأسباب حتى تقف فقط عند عصيان منسي الديني، لكن التاريخ هنا يفصح عن السبب الحقيقي وهو تمرد وعصيان منسي بعد اتفاق تم بين دول بلاد الشام على العصيان الجماعي لآشور زمن ملكها أسرحدون، مما دفع أسرحدون إلى تجريد حملات جيوشه على تلك البلاد وإعادتها إلى الطاعة، وأنه جاء بملوك دويلات تلك البلاد واستخدمهم خدما في قصره ومنهم بعلو ملك صور «ومنسي ملك يهوذا» وكوش جبري ملك إيدوم وموصوري ملك موآب وسلبيل ملك «غزة وميتيني» ملك أشقلون.
6
وهو ما ردد العهد القديم صداه إذ يحكى:
ولكن منسي أضل يهوذا وسكان أورشليم ليعملوا أشر من الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل، وكلم الرب منسي وشعبه فلم يصغوا، فجلب عليهم رؤساء الجند الذين لملك آشور، فأخذوا منسي بخزامة وقيدوه بسلاسل وذهبوا به إلى بابل. (أخبار أيام ثاني، 33: 9-12)
ولم تتمكن مصر هذه المرة من نجدة حليفتها الصغيرة؛ لأن مصر نفسها كانت زمن أسرحدون 681-668ق.م قد وقعت فريسة الغزو الآشوري الذي اجتاحها حتى بلاد النوبة، لكن لتكتب آشور بذلك بداية قصة نهايتها؛ لأنها كانت دوما بحاجة لتكثيف جيوش في مصر إزاء ثورة لم تنقطع أو تهدأ في مساحات شاسعة من أرض يعرف دروبها الثوار وحدهم، مما أعطى الفرصة لثورة أخرى على آشور في بلادها ذاتها. لقد كانت ثورة بابل الصاعدة.
ترك الملك منسي 698-642ق.م ولده آمون 641-640ق.م على العرش، ولم يمض على حكمه عامان حتى قام يوشيا 639-609ق.م ابنه بانقلاب سريع ضده استولى معه على العرش حوالي 640ق.م (ملوك ثاني، 21: 20-24)، وخلال العقدين التاليين زمن وملك يوشيا أحرز يهوه وكهنته انتصارات واضحة ضد العبادات الغريبة، وظهر خلالهما ثلاثة أنبياء دخلوا التوراة وسجلت كتبهم فيها وهم صفينا 630ق.م وناحوم 633ق.م وإرميا 626ق.م.
وخلال ذات الفترة كانت مصر قد خلعت نير الآشوريين عن كاهلها وبدأت تستعيد قوتها، وكان الانتصار المصري قد استنزف في ثورته قوى آشور، وفي عام 626 انتفضت بابل أيضا ضد آشور لتقيم دولة الكلدانيين القوية، بينما كان الميديون من سكان إيران يحتلون المقاطعات الشرقية لآشور، ويعقدون حلفا مع بابل الجديدة من أجل إسقاط العاصمة الآشورية نينوى. وفى هذه الظروف جاءت نبوءات الأنبياء الثلاثة صفنيا وناحوم ثم إرميا.
وقد وصلنا من كتاب صفنيا ثلاثة إصحاحات فقط خلاصتها: أن يهوه يهدد يهوذا وأورشليم عاصمتها بالعقاب لخطايا شعب يهوذا، مما يشير إلى أن تلك النبوءة قد وضعت قبل إصلاحات يوشيا لصالح يهوه؛ لأنه بعد تلك الإصلاحات نجد نبوءات أخرى لصفنيا تهدد وتتوعد بدمار دول المحيط وبخاصة العاصمة الآشورية نينوى التي كان من السهل ومن قراءة الأحداث التنبؤ بسقوطها الوشيك.
ناپیژندل شوی مخ