إذا نظم وقعت شاعريته من نفسك في مكانها الخاص بها، وصارت جزءا من حاستك الغنائية تتناولها حافظتك بلا إجهاد، ويشربها قلبك كأسا منعشة قد تخالطها مرارة مستحبة، غير أنها لا تجدد منك عطشا ، ولا تقلق عندك غورا، ولا تبعث فيك هوس الطيران والغوص والمخاطرة.
معالم حياته
هذا هو إسماعيل صبري الذي ولد بمدينة القاهرة في 16 فبراير سنة 1854، والتحق بمدرسة المبتديان في 22 أكتوبر سنة 1866، ثم بمدرستي التجهيزية والإدارة، وأتم دراسته بمصر في 22 نوفمبر سنة 1874، ثم ألحق بالبعثة المصرية إلى فرنسا، ونال شهادة ليسانس في الحقوق من جامع إكس في 20 مايو سنة 1878.
ولما عاد من فرنسا عين مساعدا للنيابة بمحكمة مصر الابتدائية المختلطة في 11 يوليو سنة 1878، ونقل بنفس الوظيفة إلى محكمة المنصورة المختلطة سنة 1878، ثم إلى محكمة الإسكندرية الابتدائية المختلطة بالوظيفة عينها في 29 أبريل سنة 1880، ثم عين نائبا في محكمة المنصورة المختلطة في 13 فبراير سنة 1883، ثم وكيلا بمحكمة طنطا الأهلية في أول يناير سنة 1884، ثم رئيسا لمحكمة بنها في 13 مارس سنة 1886، ثم رئيسا لمحكمة الإسكندرية الأهلية في 22 يونية سنة 1886، ثم عين قاضيا بمحكمة استئناف مصر الأهلية في 30 نوفمبر سنة 1891، ثم وكيلا لمحكمة استئناف مصر الأهلية في 27 ديسمبر سنة 1891.
ثم أضيفت إليه أعمال النائب العمومي لدى المحاكم الأهلية في 21 أبريل سنة 1895، وكان أول مصري عين نهائيا في هذه الوظيفة في 5 ديسمبر سنة 1895، ثم عين محافظا للإسكندرية في أول مارس سنة 1896، ثم وكيلا لنظارة الحقانية في 6 نوفمبر سنة 1899. واعتزل الخدمة في 28 فبراير سنة 1907، وانتقل إلى رحمة الله في 21 مارس سنة 1923 بمدينة القاهرة، بشارع القصر العيني أمام كلية الطب.
هذه هي المعالم والتواريخ التي استقاها ناشرو ديوانه من ملف خدمته الموجود في دار المحفوظات المصرية، وهي معلومات جافة لا تسعفنا كثيرا في التعرف على بيئته، وجو أسرته، والمؤثرات الأولى التي تحكمت في تربيته وتوجيهه نحو الشعر، وإعطاء حياته ذلك الطابع الأرستقراطي الخاص الذي عزله عن عامة الشعب، وأحاطه ببيئة خاصة، حتى جاء شعره غير منفعل بأحداث مصر الكبرى، وأحداث العالم التركي أو العالم العربي المتصلين بمصر على نحو ما نشاهد عند ولي الدين يكن مثلا، حتى إننا عند دراستنا له لم نحاول كما حاولنا في دراستنا لولي الدين أن نبحث له عن آراء في السياسة أو الاجتماع، وعن شعر أو أدب يتضمن تلك الآراء.
فإسماعيل صبري أبعد ما يكون عن هذا الاتجاه، وكل شعره لا يكاد يخرج عن نوعين؛ إما شعر تقليدي في المدح والتهاني لإسماعيل وتوفيق وغيرهما من ذوي الجاه والسلطان، يمدحهم ويهنئهم و«يؤرخ» لهم في شعره، ويجري في مدحه وتهنئته على التقاليد القديمة المتوارثة، والقوالب والصفات المتداولة، والمحسنات اللفظية المعروفة، من جناس وطباق ومقابلة وما إليها. وهو يبتدئ هذه القصائد بالغزل على نحو ما فعل في أول قصيدة كتبها تهنئة للخديوي إسماعيل بعيد الأضحى سنة 1870؛ أي والشاعر في السادسة عشرة من عمره طالبا بمدرسة الإدارة والألسن؛ حيث يقول:
سفرت فلاح لنا هلال سعود
ونما الغرام بقلبي المعمود
وجلت على العشاق روض محاسن
ناپیژندل شوی مخ