Islamic Perspective on Argument and Dialogue with the People of the Book
رؤية شرعية في الجدال والحوار مع أهل الكتاب
خپرندوی
الكتاب منشور على موقع وزارة الأوقاف السعودية بدون بيانات
ژانرونه
رُؤْيَةٌ شَرْعِيَّةٌ
في الجِدَالِ والحِوارِ مع أهْلِ الكِتَابِ
راجعه وقدم له
الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف
تأليف
الشريف محمد بن حسين الصمداني
تقديم
1 / 1
الحمد لله الذي أمر وأوجب جدال الكفار ومحاورتهم بقوله: ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [سورة النحل ١٦ / ١٢٥] والقائل: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [سورة العنكبوت ٢٩ / ٤٦] والصلاة والسلام على نبي الهدى والرحمة الذي امتثل لأمر الله وجادلهم في مكة والمدينة وفي حال القوة والضعف وفي السلم والحرب وأمر بذلك وسماه جهادا فقال ﵊: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» رواه أحمد وغيره. قال ابن حزم ﵀ «وهذا حديث غاية في الصحة وفيه الأمر بالمناظرة وإيجابها كإيجاب الجهاد والنفقة في سبيل الله»، وهذا الواجب قد فرَّط فيه كثيرٌ من الدعاة والمصلحين، ففي الوقت الذي نجد فيه دعاة التقريب بين الأديان ودعاة العصرانية ينشطون لذلك ويعقدون الندوات والمؤتمرات تارة باسم التعاون وأخرى باسم التسامح والتعايش وثالثة لتحاشي النزاعات وصدام الحضارات -زعموا- وغير ذلك من التُرَّهات؛ في الوقت نفسه نجد تقاعسا كبيرا وعزوفا من دعاة الحق عن هذا النوع من الجهاد وأحسنهم حالا من اهتم بدعوة أهل الكتاب -وفي هذا
1 / 2
خيرٌ كبير- مع أن دعوة أهل الكتاب والمشركين ليست هي جدالهم ومحاورتهم وما يُدرأ من المفاسد والشرور بالجدال لا يمكن درؤه بمجرد الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة التي أُمرنا بها، قال شيخ الإسلام ﵀ «أما الجدلُ فلا يدعى به، بل هو من باب دفع الصائل؛ فإذا عارض الحق معارض جودل بالتي هي أحسن» والله ﷿ قد يدفع بالحجة واللسان ما لا يدفعه بالسنان قال العلامة ابن حزم ﵀: «ولا غيظ أغيظ على الكفار والمبطلين من هتك أقوالهم بالحجة الصادعة وقد تهزم العساكر الكبار والحجة الصحيحة لا تغلب أبدا فهي أدعى إلى الحق وأنصر للدين من السلاح الشاكي والأعداد الجمة» .
1 / 3
وما أحوج من أراد أن يتصدى لهذا النوع من الجهاد أن تكون له رؤية شرعية يتسلح بها في جهاده لأعداء الله، هذا وقد تكفل أخونا الفاضل الشريف محمد بن حسين الصمداني بإيضاح هذه الرؤية من خلال كتابة هذا البحث الموسوم بـ «رؤية شرعية في الجدال والحوار مع أهل الكتاب» وقد قرأته ووجدته بحثا قيما يجدر بمن تصدى للحوار مع أهل الكتاب أن يستفيد منه وقد ذكر فيه مؤلفه -جزاه الله خيرا- مباحث مهمة استوقفني منها الشرط الأول من شروط المحاور المسلم ولوازمه وهو الأهلية وإعطاء الإسلام حقه من النصرة والبيان ومن لوازم هذا الشرط -كما ذكر-:
١- العلم والعدل.
٢- معرفة ما ينكي وينجع في رد صيال الخصم وجداله.
٣- الصدع بالحق والجهر به.
وقد علمت أنه أطلعه على عددٍ من المشايخ الفضلاء وطلاب العلم فاستحسنوه.
أسأل الله ﷿ أن يجزي الباحث خير الجزاء، وأن يرزقنا وإياه الإخلاص في أقوالنا وأعمالنا وأن ينصر جنده ويعلي كلمته إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أقوال ابن تيمية وابن حزم منقولة من أصل البحث فليرجع إليها
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أمَّا بعد:
1 / 5
فإنَّ المواجهة مع أهل الكتاب قديمةٌ قِدمَ الإسلام بدءا بمظاهرة أهل الكتاب للمشركين بمكة على المؤمنين وقولهم: ﴿هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾ [سورة النساء ٤ / ٥١] ومرورا بالمعاهدات والمواثيق بعد الهجرة الشريفة وجدالهم بالمدينة النبوية وإقامة الحجة عليهم ودعوتهم للإسلام والتحاكم إلى القرآن ثم إجلاء بني النضير، ثم قتل أهل الغدر منهم كما في قصة بني قريظة بعد الأحزاب، ثم كانت خيبر، ثم إرسال الرسل وكتابة الكتب لملوكهم ودعوتهم للإسلام ثم كانت مؤتة ثم النفير لبني الأصفر في الشام فكانت تبوك حتى «أنزل الله تعالى في ذلك أكثر سورة براءة وذمَّ الذين تخلفوا عن جهاد النصارى ذما عظيما. والذين لم يروا جهادهم طاعة جعلهم منافقين كافرين وقال لنبيه ﷺ: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [سورة المنافقون ٦٣ / ٦] وقال تعالى: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ [سورة التوبة ٩ / ٨٤] الآية. فإذا كان هذا حكم الله ورسوله فيمن تخلف عن جهادهم إذْ لم يره طاعة
1 / 6
ولا رآه واجبا فكيف حكمه فيهم أنفسهم ...» (١) واستقبل بعد ذلك وفد نجران وطلب مباهلتهم فنكلوا ثم ختم جهاده ﷺ مع أهل الكتاب قبل موته بعملين جليلين هما:
١- الأمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب.
٢- إعداد العدة لجهاد النصارى.
وبعد وفاة رسول الله ﷺ استخلف أبو بكر الصديق ﵁ فكان أول عمل يعمله إمضاء غزو الروم وجهاد أهل الكتاب وتابعته الأمة على هذا العمل الجليل فكان الفاروق عمر وعثمان ﵄ فقامت سوق الإسلام ودخل الناس في دين الله أفواجا واستمر الأمر على ذلك مدة خلافة بني أمية وصدرا من خلافة بني العباس ثم خلفت خلوف تسلطت في زمنهم البدع على الرقاب وقامت سوق دولها.
_________
(١) الجواب الصحيح (١ / ٣٠١-٣٠٢) . وانظر: الفتاوى (٤ / ٢٠٣-٢٠٥) .
1 / 7
بنوبويه بدار الخلافة ببغداد والعبيدية القداحية اليهود ببلاد مصر وما حولها فتراجع حال أمة الإسلام في مواجهة أهل الكتاب واستمر الأمر في تراخٍ وإدبار حاشا ما كان من الطائفة المنصورة القائمة بحجة الله في أرضه. وقد صوَّرَ ابن السبكي حال العلماء في عصره - القرن الثامن - بقوله: «... فقل لهؤلاء المتعصبين في الفروع: ويحكم ذروا التعصب ودعوا عنكم هذه الأهوية ودافعوا عن دين الإسلام وشمروا عن ساق الاجتهاد في حسم مادة من يسب الشيخين أبا بكر وعمر ﵄ ويقذف أم المؤمنين عائشة ﵂ التي نزل القرآن ببرائتها وغضب الرب تعالى لها حتى كادت السماء تقع على الأرض ومن يطعن في القرآن وصفات الرحمن فالجهاد في هؤلاء واجب فهلا شغلتم أنفسكم به!» .
ثم قال: «... ويا أيها الناس بينكم اليهود والنصارى قد ملأوا بقاع البلاد فمن الذي انتصب منكم للبحث معهم والاعتناء بإرشادهم بل هؤلاء أهل الذمة في البلاد الإسلامية تتركونهم هملا تستخدمونهم وتستطبونهم ولا نرى منكم فقيها يجلس مع ذمي ساعة واحدة يبحث معه في أصول الدين لعل الله تعالى يهديه على يديه.
1 / 8
وكان من فروض الكفايات ومهمات الدين أن تصرفوا بعض هممكم إلى هذا النوع فمن القبائح أن بلادنا ملأى من علماء الإسلام ولا نرى فيها ذميا دعاه إلى الإسلام مناظرة عالم من علمائنا بل إنما يسلم من يسلم إما لأمر من الله تعالى لا مدخل لأحد فيه أو لغرض دنيوي ... ثم ليت من يسلم من هؤلاء يرى فقيها يمسكه ويحدثه ويعرفه دين الإسلام لينشرح صدره لما دخل فيه بل والله يتركونه هملا لا يدرى ما باطنه: هل هو كما يظهر من الإسلام أو كما كان عليه من الكفر لأنهم لم يُرووه من الآيات والبراهين ما يشرح صدره فيا أيها العلماء في مثل هذا فاجتهدوا وتعصبوا ...» . (١)
وبهذا ومثله تكالب الأعداء وتسلط أهل الكتاب على رقاب المسلمين في ديارهم فكانوا هم الجباة والصيارفة وهم الوزراء والصيادلة وهم المتصرفون في الأموال والأبدان بالحساب والطب وهذا كثير في كتب التاريخ والسير. (٢)
_________
(١) معيد النعم ومبيد النقم (ص ٧٥- ٧٦) .
(٢) انظر على سبيل المثال: الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري لآدم ميتز (١ / ٧٥-١١٨)، ومن روائع حضارتنا للسباعي (٨٦ -٩١)، والحوادث الجامعة المنسوب لابن الطوفي (٣٨- ٤٠) . وهذا الدردير الفقيه المالكي يقول عن ملوك مصر وتمكينهم للنصارى من إحداث ما يريدون: «..وملوك مصر لضعف إيمانهم قد مكنوهم من ذلك، ولم يقدر عالم على الإنكار إلا بقلبه أو بلسانه لا بيده، وزاد أمراء الزمان أن أعزوهم، وعلى المسلمين رفعوهم، ويا ليت المسلمين عندهم كمعشار أهل الذمة، وترى المسلمين كثيرا ما يقولون: ليت الأمراء يضربون علينا الجزية كالنصارى واليهود ويتركونا بعد ذلك كما تركوهم، و» سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون «..» أهـ. (الشرح الصغير على مختصر خليل مطبوع بحاشية بلغة السالك للصاوي: ١ / ٣٦٩) . وقبله قال بعض شعراء مصر (حسن المحاضرة: ١ / ٢٠١): يهودُ هذا الزمان قد بَلَغوا غايةَ آمالهم وقد ملكوا العِزُّ فيهم والمالُ عندهم ومنهم المستشارُ والملكُ يا أهلَ مصر إني نصحتُ لكم تهودوا قد تهودَ الفلكُ
1 / 9
وازداد المرض في أمة الإسلام واتسع الخرق على الراقع إلا بقايا من أهل العلم والذكر سجل التاريخ لنا ردودهم على أهل الكتاب. ولما كان المرض موجودا في بعض طبقات العلماء فإنَّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى لم يعدم أن يقال في ردوده على الرافضة في "منهاج السنة النبوية" وعلى النصارى في "الجواب الصحيح" أنها من قبيل تضييع الزمان!! ... هذا خليل بن أيبك الصفدي يقول في شيخ الإسلام ابن تيمية: «... وضيع الزمان في رده على النصارى والرافضة ومن عاند الدين وناقضه ولو تصدى لشرح البخاري أو لتفسير القرآن العظيم لقلد أعناق أهل العلوم بدر كلامه النظيم» . (١)
_________
(١) الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية (ص ٢٨٧) .
1 / 10
ولما كان الحال كذلك منذ مدد متطاولة واستيقظ الناس على انحلال أمر الخلافة بسقوط دولة بني عثمان وتفرق الأمة وتنازعها ورأوا استيلاء النصارى على الديار والعباد تباين الناس في كيفية التعامل مع هذا الواقع المؤلم فمنهم من ساير خطاب ما يسمى بتيار الإصلاح الذي ظهر في أواخر عهد الدولة العثمانية كجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ومدرستهما ومنهم من اجتر الطريقة المغروسة في جسد الأمة والتي لا تحتاج إلى مزيد تعريف ولا كثير بيان وهي مواصلة الانغلاق على النفس وترك العدو والاشتغال به لا دعوة وإرشادا ولا ردا على شبهاته وجهادا (١) ... ولهذا صحَّ أن يقال (... كثير من علماء أهل السنة وطلبة العلم من محبي شيخ الإسلام لا يكادون يتجاوزون كلامه في الفقه والتفسير والحديث إلى ما كتبه في الرد على الفلاسفة والمناطقة وأهل الكتاب والمتكلمين وإنما ظهر الاهتمام بهذه المخالفات منذ زمن قريب على يد طلاب الدراسات العليا في الجامعات ...» . (٢) وقال الشيخ العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى مصورا لشيء من ذلك الحال: (... وكنا قبل هذا الوقت نقول: لا حاجة لقراءة «الجهاد»؛ لأنه لا يوجد جهاد ولا لقراءة أحكام أهل الذمة؛ لأنهم غير
_________
(١) لا يدعى إلى اشتغال سائر أهل العلم بذلك، فإنَّ هذا من المتعذر، و(لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)، ولكن لا بد من تقرر ذلك وأنَّه من دين الإسلام.
(٢) من مقدمة الشيخ سفر الحوالي لكتاب (قدم العالم وتسلسل الحوادث لكاملة الكواري) (ص ١٩) حاشية رقم (٢)
1 / 11
موجودين عندنا. أما الآن فلا بد لطلبة العلم من أن يقرؤوا ويحققوا أحكام الجهاد وأحكام أهل الذمة وسائر الكفار لأنه في هذا الوقت انفتحت جبهات للجهاد - ولله الحمد - في سبيل الله وأما الكفار فقد ابتلينا بهم وكثروا بيننا لا كثَّرهم الله فالواجب أن نعرف كيف نعامل هؤلاء الكفار ...) . أهـ. (١)
وبقيت أمة من الناس تهدي بالحق وبه تعدل لا يضرها من خالفها ولا من خذلها وهم الذين سكبوا في أقلامهم مداد الوحي فنشروا حجج الله وبيناته في الخلق. وقد أثنى ابن القيم رحمه الله تعالى على «قلمهم» وسماه بـ «القلم الجامع» وقال فيه: «القلم الثاني عشر: القلم الجامع وهو قلم الرد على المبطلين ورفع سنة المحقين وكشف أباطيل المبطلين على اختلاف أنواعها وأجناسها وبيان تناقضهم وتهافتهم وخروجهم عن الحق ودخولهم في الباطل. وهذا القلم في الأقلام نظير الملوك في الأنام وأصحابه أهل الحجة الناصرون لما جاءت به الرسل المحاربون لأعدائهم وهم الداعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة المجادلون لمن خرج عن سبيله بأنواع الجدال. وأصحاب هذا القلم حربٌ لكل مبطلٍ وعدو مخالف للرسل فهم في شأن وغيرهم من أصحاب الأقلام في شأن» (٢) أهـ.
_________
(١) الشرح الممتع (٨ / ٩١-٩٢)
(٢) التبيان في أقسام القرآن (١٣١-١٣٢) .
1 / 12
ولما كانت الحاجة ماسة لبحث هذا الموضوع خاصة في مثل هذه الأزمان التي للكفر فيها جولة بالسنان وصولة بالحجج الباطلة والأدلة الفاسدة كان من المتعين التنبيه على ما يتعلق بأحكام «الجدال والحوار مع أهل الكتاب» وما يتعلق به من ألفاظ ومصطلحات حادثة وذلك بتقرير حكم الجدال مع أهل الكتاب في الشرع وما يتعلق به على وجه الاختصار.
وهو أمر سهل التحرير لوضوحه في الكتاب والسنة ومنهج الأئمة الأعلام لكنَّ البيئة التي ينشأ فيها المرء ربما جعلته يظن أن هذا ليس من دين الإسلام خاصة إذا غُذيَ ذلك بما يرى ويرى عن الدعوات المشبوهة لإقامة الحوارات الحضارية ودعوات التعايش والسلم المدني ونحو ذلك.
وقد اشتمل البحث - في اختصار - على: مقدمة وتمهيد وفصلين ثم خاتمة. وذلك على النحو الآتي:
المقدمة: اشتملت على عرض مختصر للموضوع والسبب الداعي للكتابة فيه.
أما التمهيد فتضمن أربعة مباحث:
المبحث الأول: تعريف الحوار والجدل في اللغة والاصطلاح.
المبحث الثاني: أنواع المنكرين لمجادلة أهل الكتاب.
المبحث الثالث: أنواع المجادِلين لأهل الكتاب.
المبحث الرابع: أنواع المجادَلين من أهل الكتاب.
1 / 13
وأما الفصل الأول فكان في: مشروعية مجادلة أهل الكتاب من القرآن والسنة وفيه:
المبحث الأول: الأدلة من القرآن.
المبحث الثاني: الأدلة من السنة.
المبحث الثالث: حكم جدال وحوار أهل الكتاب.
ثم يأتي الفصل الثاني وجعلته في: شروط الحوار والجدال مع أهل الكتاب وتضمن ثلاثة مباحث هي: المبحث الأول: الشروط الواجب توفرها في المحاور المسلم.
المبحث الثاني: شروط المحاور الكتابي.
المبحث الثالث: موضوعات الحوار والجدال مع أهل الكتاب.
ثم كانت الخاتمة.
ونسأل الله أن يلهمنا الرشد ويرزقنا حسن القصد وأن يجعلنا من القائلين بعلم وعدل وأن يعصمنا بالورع وهو حسبنا ونعم الوكيل.
1 / 14
التمهيد
المبحث الأول: الحوار والجدل في اللغة والاصطلاح:
أولا: الحوار والجدل في اللغة:
الحوار في اللغة «تراجع الكلام» . (١) وفي «لسان العرب»: «وهم يتحاورون أي: يتراجعون الكلام. والمحاورة: مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة» . (٢)
أما الجدل: فقال ابن فارس: «الجيم والدال واللام أصل واحد وهو من باب استحكام الشيء في استرسال يكون فيه وامتداد الخصومة ومراجعة الكلام» . (٣)
_________
(١) انظر: تاج العروس (٣ / ١٦٢)، ومعجم مقاييس اللغة (٢ / ١١٧) .
(٢) لسان العرب (٤ / ٢١٨)
(٣) معجم مقاييس اللغة (١ / ٤٣٣)، وصحَّحَ ابن فارس في «حلية الفقهاء» أنه مأخوذ من «جدلت الحبل» . (ص ١٢) .
1 / 15
ثانيا: الحوار والجدل في الاصطلاح:
الحوار في الاصطلاح: هو بنفس المعنى اللغوي السابق فهو إذا: مراجعة للكلام بين طرفين أو أكثر دون وجود خصومة بينهم بالضرورة. (١)
أما الجدل: فكما يعرفه الجويني هو: «إظهار المتنازعين مقتضى نظرتهما على التدافع والتنافي بالعبارة أو ما يقوم مقامهما من الإشارة والدلالة» (٢) أهـ.
وتوجد ألفاظ قريبة من الحوار والجدال منها: المحاجة والمناظرة والمناقشة والمباحثة.
وبحثنا سيدور حول الجدال مع أهل الكتاب لا مع عموم الكفار والمشركين.
_________
(١) أصول الحوار، نشر الندوة العالمية (ص ٩) .
(٢) الكافية في الجدل للجويني (ص ٢١)، ولهم فيه تعاريف كثيرة، أدقها وأضبطها كما يقول الدكتور عثمان بن علي حسن تعريف الجويني. انظر: «منهج الجدل والمناظرة» (١ / ٢٧) .
1 / 16
المبحث الثاني: أنواع المنكرين للجدال مع أهل الكتاب:
رأينا في المقدمة أن هناك إعراضا من بعض المنتسبين للعلم عن دعوة ومواجهة أهل الكتاب. ودعا إلى ذلك جملة أسباب منها:
١- الركون إلى انتشار الإسلام.
٢- أن الأصل في ذلك أنه من باب فروض الكفاية.
٣- الاشتغال بالفروع الفقهية والتعصبات المذهبية وحصر جانب الجدال في باب المذاهب الفقهية الأربعة أو بين المعتزلة والأشاعرة أو أهل الكلام والفلاسفة.
وقد مرت فترات بالأمة ظهر فيها اشتغال مجرد بالعلم من قبل الطلبة وأهل العلم وهو اشتغال على مستوى الكتب والدراسة دون معرفة الواقع الذي يحتاج في كثير من مسائله إلى تفصيل وقول بعلم وعدل.
ولئن كانت تلك جملة من الأسباب التي منعت طوائف من أمة الإسلام عن الاشتغال بالرد على أهل الكتاب أو الحوار معهم فإنَّ هناك طوائف رأتْ أنَّ الباب يجب أنْ يغلق والنافذة يجب أن تسد فأنكرت الاشتغال بالرد عليهم من باب الشرع الذي دعاهم للقيام بالجدال والدعوة للإسلام!
فما هي أهم شبه هؤلاء وما هي أهم مرتكزاتهم؟
الشبهة الأولى: منع الجدال مع أهل الكتاب بناءً على ظهور دلائل النبوة.
1 / 17
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «... ومما يعجب منه أن بعض المنكرين لمجادلة الكفار بناءً على ظهور دلائل النبوة نجده هو ومن يعظمه من شيوخه الذين يعتمد في أصول النظر على نظرهم ومناظرتهم ويزعمون أنهم قرروا دلائل النبوة قد أوردوا من الشبهات والشكوك والمطاعن على دلائل النبوة ما يبلغ نحو ثمانين سؤالا وأجابوا عنه بأجوبة لا تصلح أن تكون جوابا في المسائل الظنية بل هي إلى تقرير شبه الطاعنين أقرب منها إلى تقرير أصول الدين ...» . (١)
الشبهة الثانية: منع الجدال مع أهل الكتاب بناءً على نسخ آيات الجدال معهم بآيات السيف وفرضية الجهاد.
ردَّ شيخ الإسلام على أصحاب هذا الاتجاه من تسعة أوجه حررها في كتابه العظيم «الجواب الصحيح» . يقول رحمه الله تعالى: «فإنَّ من الناس من يقول: آيات المجادلة والمحاجة للكفار منسوخات بآية السيف لاعتقاده أن الأمر بالقتال المشروع ينافي المجادلة المشروعة وهذا غلط فإنَّ النسخ إنما يكون إذا كان الحكم الناسخ مناقضا للحكم المنسوخ كمناقضة الأمر باستقبال المسجد الحرام في الصلاة للأمر باستقبال بيت المقدس بالشام ...»
_________
(١) الجواب الصحيح (١ / ٢٤٣) .
1 / 18
ثم قال رحمه الله تعالى: «... وقوله: ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ [سورة العنكبوت ٢٩ / ٤٦] فهذا لا يناقض الأمر بجهاد من أمر بجهاده منهم ولكن الأمر بالقتال يناقض النهي عنه والاقتصار على المجادلة. فأما مع إمكان الجمع بين الجدال المأمور به والقتال المأمور به فلا منافاة بينهما وإذا لم يتنافيا بل أمكن الجمع لم يجز الحكم بالنسخ ومعلومٌ أن كلا منهما ينفع حيث لا ينفع الآخر وأن استعمالهما جميعا أبلغ في إظهار الهدى ودين الحق ومما يبين ذلك وجوه: ...» . (١)
ثم عدَّدَ رحمه الله تعالى تسعة أوجه للقول بذلك وكلامه نفيس للغاية. (٢)
_________
(١) (١ / ٢١٨- ٢١٩) .
(٢) (١ / ٢١٩-٢٤٦) .
1 / 19
التيار الأول: دعاة التقريب بين الأديان: كروجيه جارودي (١) وأحمد كفتارو (٢) وغيرهما. ويستند هؤلاء في الغالب على عقائد الباطنية وكلام ابن عربي وغيره من ملاحدة الصوفية الذين ينادون بصحة كل الأديان. يقول جارودي: «إنني عندما أعلنت إسلامي لم أكن أعتقد بأني أتخلى عن مسيحيتي ولا عن ماركسيتي ولا أهتم بأن يبدو هذا متناقضا أو مبتدعا» . ويقول: «هذا النضال هو نضال كل أصحاب العقيدة أو المؤمنين بعقيدة مهما يكن نوع إيمانهم ولا يهمني ما يقوله الإنسان عن عقيدته: أنا مسلم أو: أنا مسيحي أو: أنا يهودي أو: أنا هندوسي» . (٣)
ولما انتشرت بعض آراءه الكفرية الإلحادية قيل: «إنه ارتد عن الإسلام» ! قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعالى: «لا يحكم عليه بأنه مرتد عن دين الإسلام كما توهمه بعضهم وإنما هو كافر أصلي لم يدخل في الإسلام» . (٤) ولهذا قال العلاَّمة بكر أبوزيد فيه: (النصراني المتلصص إلى الإسلام) . (٥)
_________
(١) هو روجيه جان شارل جارودي، ولد عام ١٩١٣ م، في مرسيليا، واعتنق البروتستانتية، ثم انضم إلى الحزب الشيوعي الفرنسي، وتحصل على عدة شهادات في الفلسفة، له مؤلفات كثيرة، أشيع نبأ إسلامه عام ١٤٠٢، وهو من أكبر دعاة التقريب بين الأديان اليوم. انظر سيرته الذاتية مفصلة في: دعوة التقريب بين الأديان، للقاضي (٢ / ٨٤١-٨٥٧) .
(٢) هو الشيخ أحمد بن الشيخ محمد أمين ابن الشيخ موسى الشهير بـ «كفتارو»، ولد سنة ١٩١٥ بدمشق، صوفي، نقشبندي، أصله من الأكراد، يعمل مفتيا لسوريا، من دعاة التقريب بين الأديان. انظر: دعوة التقريب بين الأديان (٣ / ١٠٣٦-١٠٦٩) .
(٣) دعوة التقريب بين الأديان (٢ / ٩٣٥-٩٣٧)، والحوار مع أهل الكتاب، للقاسم (ص ١٢٨-١٣٢) .
(٤) انظر: مجلة الدعوة: عدد ١٥٨٣، عام ١٤١٦، الخميس ١ ذي الحجة، (ص ١٤ - ١٥) .
(٥) انظر: الإبطال لنظرية الخلط بين الإسلام وغيره من الأديان، لبكر أبو زيد (٣٢) .
1 / 20