Islamic Oratory
الخطابة الإسلامية
خپرندوی
المكتب الجامعي الحديث
د ایډیشن شمېره
٢٠٠٦
ژانرونه
المقدمة:
الحمد لله الذي أتم علينا نعمته، ورضي لنا الإسلام دينا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ﷺ المبعوث رحمة للعالمين ... وبعد
ما أشد احتياجنا في هذا الزمن الذي أصبح فيه العالم قرية صغيرة إلى كوادر دعوية تصطفي اصطفاء يقوم على الصحة الجسمية والنفسية والخلقية، والاجتماعية، والعلمية، ولمن يريد أن يكون داعية يجب أن يسكن رسولنا الكريم ضميره، ويتبعه في عمله وتفكيره، والخطباء في حقيقة أمرهم دعاة وعليهم أن يعرفوا أن علو الكعب في الخلق، والطهر القلبي والنفسي، ورقة الذوق في الكلمة والنظرة، وخفض الصوت وإشراق الوجه بالابتسامة لغة عالمية تفتح بها الصدور المغلقة، والنفوس الحرجة؛ ذلك لأن الخلق الزكي لغة إنسانية عالمية تعجب وتقنع.
وهذا الكتاب عن الخطابة الإسلامية تكلمنا فيه عن الخطابة وتعريفها، وعناصرها، وطريقة الإقناع الخطابي، والصفات التى يجب أن يتصف بها الخطيب، كما تكلمنا عن تشعب خطب الوعظ الديني، ثم انتقلنا بعد ذلك إلى نماذج مختلفة من الخطب في العصور المختلفة.
وهذا الكتاب لا يصنع خطيبا ولكنه مرشد لمن عنده استعداد للخطابة، ينهل من الخطب التى ذكرناها فصاحة اللفظ وبلاغة العبارة وعلى الله قصد السبيل.
1 / 5
الكوادر الدعوية:
الكوادر الدعوية ينبغى أن تُصطفى اصطفاء يقوم على الصحة الجسمية والنفسية، والعقلية، والخلقية، والاجتماعية، والعلمية، وفقْد واحدة من هذه الست يؤدي إلى تعويق في أداء الدعوة. فكلها يكمل بعضها بعضا، وتمثل شخصية الداعية السوي، وهؤلاء الدعاة يسيرون على خطا الأنبياء في هدايتهم لأقوامهم، والرسل والأنبياء اختيروا اختيارًا للقيام بواجب الرسالة.
يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ، ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ ١، والذين أورثوا الكتاب اصطفاهم الله من عباده؛ قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ ٢، وعلى مدار التاريخ لم يبزر في مجال الدعوة إلا أصحاب المواهب العالية والإقبال الكبير على الله، وأصحاب الغيرة والنخوة. هؤلاء الذين تتجمع في تربيتهم وتكوينهم عوامل الأسرة بموروثها الديني، وحسها التربوي العالى، والجو الثقافي المحيط، والأساتذة بما يزرعونه من غيرة في الحفاظ على الدين.
التربية الخلقية:
ويأتى على رأس تربية الكوادر الدعوية: التربية الخلقية؛ لأن الدين نور يستضيء به رجل، فيشرق في قلبه، ويرى الناس هذا النور في قوله وعمله، فينجذبون إليه. قال تعالى: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا
_________
١ سورة آل عمران: الآيتان ٣٣، ٣٤.
٢ سورة فاطر: الآية ٣٢.
1 / 7
مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ١.
وقد وصف الله لنا سيد الدعاة محمدًا ﷺ بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ ٢، ووصفته السيدة عائشة ﵂ حين سئلت عن خلقه ﷺ فقالت: "كان خلقه القرآن".
يقول ابن كثير: "ومعنى هذا: أنه ﵊ صار امتثال القرآن أمرا ونهيا سجية له، وخلقا تطبعه، وترك طبعه الجبليّ، فمهما أمَرَه القرآن فعله، ومهما نهاه عنه تركه هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم: من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم، وكل خلق جميل، كما ثبت في الصحيحين عن أنس قال: خدمت رسول الله ﷺ عشر سنين، فما قال لى: أفّ قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله ألا فعلته، وكان ﷺ أحسن الناس خلقا، ولا مسست خزا ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله ﷺ، ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم٣.
هذا هو المثل الأعلى لمن يريد أن يكون داعية، إنه يجب أن يسكن رسولنا الكريم ضمائرنا ونتبعه في عملنا وتفكيرنا، وإلا عدَّ من لم يكن هكذا مدعيا لا داعية، إن علو الكعب في الخلق، والطهر القلبى والنفسي، ورقة الذوق في الكلمة والنظرة وخفض الصوت وإشراق الوجه بالابتسامة لغة
_________
١ سورة المائدة: الآيتان ١٥، ١٦.
٢ سورة القلم: الآية ٤.
٣ اللؤلؤ والمرجان، حديث رقم ١٤٩١-١٤٩٢.
1 / 8
عالمية تفتح بها الصدور المغلقة، والنفوس الحرجة، ويستل بها من القلوب سخائمها؛ ذلك "لأن الخلق الزاكى لغة إنسانية عالمية تعجب وتقنع، وبهذه اللغة تفاهم الصحابة والتابعون مع الشعوب التى عرفوها، فدخل الناس في دين الله أفواجا، أي إن القدوة ليست دورا تمثيليا يؤدي إلى الخداع، واجتذاب المشاهدين، كلا. كلا. فحبل الكذب قصير. والقدوة الحسنة -فردية أو جماعية- تفرض احترام العقيدة والحفاوة بها. وهذه القدوة هي الحلاوة في الثمرة الناضجة، أو الرائحة الزكية في الزهرة العطرة، وهي نضج الكمال الذاتى الحق، وقد شاء الله أن يؤتى السلف الصالح أنصبة جزلة من هذا الحسن الذاتى: ففتحت لهم المدن العظام أبوابها، وألقت إليهم الجماهير بقيادها، وعالمية الإسلام تفرض على أتباعه أن يقدموا من سلوكهم الخاص والعام نماذج جديرة بالإكبار، أو على الأقل هي جديرة بدفع الناس للسؤال عن حقيقة الإسلام لمن لم يعرفوا هذه الحقيقة، وما أكثرهم في أرض الله١.
التثقيف إجمالا:
يجب على كل سالكي طريق الدعوة أن يتثقفوا عن طريق قراءة المتون المحيطة بمواد الشريعة الإسلامية، كما عليهم أن يتزودوا بالكتب النافعة حول الدعوة وأصولها والتفسير والحديث. وفي العلوم اللغوية يزودون ببعض كتب النحو والصرف والبلاغة والأدب وإعجاز القرآن.
_________
١ تفسير ابن كثير، جـ٨ ص ٢١٥، ط الشعب.
1 / 9
علم الخطابة:
الخطابة علم له أصول وقوانين، من سار في طريقها عد خطيبا، وهو يعنى بدراسة طرق التأثير، ووسائل الإقناع، وصفات الخطيب، وما ينبغى أن يتجه إليه من المعاني في الموضوعات المختلفة، وما يجب أن تكون عليه ألفاظ الخطبة، وأسالبيها، وترتيبها. هذا العلم ينير الطريق، ولا يحمل على السلوك؛ فهو يرشد الدارس إلى دراسة مناهج، ومسالك، ولا يحمل على السير فيها.
علاقة الخطابة بالمنطق:
إذا كان علم المنطق يبحث عن القوانين التى تعصم الذهن عن الخطأ، فإنه يبحث أيضا عن أهواء النفس، وخواطرها وأسباب الغلط، وتسلسل الخواطر، وكل هذه الأمور تساعد الخطيب على أداء مهمته في التأثير والإقناع.
علاقة الخطابة بعلم النفس:
لا يصل الخطيب إلى إقناع السامعين إلا إذا استطاع أن يثير حماستهم، ويخاطب إحساسهم، ولا يمكن إلا إذا كان عليما بما يثير شوقهم، ويسترعي انتباههم، وذلك لا يكون إلا بعلم النفس، ومن هنا كان علم الخطابة له صلة بعلم النفس.
علاقة الخطابة بعلم الاجتماع:
يجب على الخطيب أن يكون ملما بسياسة الناس، وما يجب لكل طبقة من المعاملة، وما يلزم لكل نوع من الناس من خطاب، وعليه أن يكون عليما بروح الجماعة دارسا لأخلاقها فاهما لما يسيطر عليها، ولذا كان علم الخطابة صلته قوية بعلم الاجتماع.
1 / 10
الخطابة:
تعريفها:
من فنون النثر الأدبي فنٌّ لساني يلقى على جمهور السامعين، وهذا الفن النثري هو الخطابة، وللخطابة مجالاتها التي لا يمكن لأي فن أدبي آخر أن يغني عنها بحكم طبيعتها التي تلازمها على مدى العصور.
أنواعها:
تتعدد أنواع الخطابة بحسب مجالاتها المختلفة ولكن ما يهمنا الخطابة الدينية وهي التي تلقى في المساجد في صلاة الجمعة والعيدين، وفي المناسبات الدينية المختلفة للوعظ والإرشاد والحث على الاستمساك بالفضائل الإسلامية.
طرق تحصيلها:
لا شك أن الخطابة منصب خطير، لا يصل إليها طالبها بيسر، بل يحتاج طالبها إلى زاد عظيم، وصبر ومعاناة، واحتمال للمشاق؛ ليصل إلى تلك العناية السامية وطرق تحصيلها ما يأتي:-
١- فطرة تلائم الخطابة:
يستحب أن يكون الخطيب فصيحا طلق اللسان، ثابت الجنان، ذكي القلب، وأن تكون مخارج الحروف عنده صحيحة.
٢- دراسة أصول الخطابة:
لا شك أن هذه الأصول لا تكفي وحدها، بل لا بد أن يكون معها استعداد كامن، ومران شديد على الخطابة.
1 / 11
٣-قراءة كلام البلغاء:
ودراسته دراسة متعرف لمناص التأثير، وأسرار البلاغة، ومتذوق لما فيها من جمال الأسلوب وحسن التعبير، وجودة التفكير.
٤- الإطلاع على كثير من العلوم التى تتصل بالجماعات:
كالاقتصاد والشرع، والأخلاق، والاجتماع، وعلم النفس، والمعتقدات.
٥- الثروة الكثيرة من الألفاظ والأساليب:
الخطابة تحتاج إلى أن يعبر عن المعنى الواحد بعدة عبارات، وأساليب متغايرة.
٦- ضبط النفس واحتمال المكاره:
يستحب للخطيب أن يتذرع بالصبر، وضبط النفس، والسيطرة على أعصابه ومشاعره، كما عليه أن يقضي على كل مظاهر الاضطراب والانفعال والوجل؛ لأن ظاهرة الاضطراب والوجل تورث في الخطيب الحيرة، والحيرة تسبب له التلعثم والارتباك.
٧- الارتياض والممارسة:
رياضة النفس على الخطابة تكون بالارتياض على الفكرة والارتياض على الأسلوب والارتياض على الإلقاء، أما الارتباط على الفكرة فهو تعويد النفس على ضبط الأفكار، ووزن الآراء وتضنيف العناصر، وعقد الصلة بينهما وبين ما يجري في المجتمع من قضايا ومشكلات، وتعويد النفس على الاتصال بفئات البشر، والاندماج معها، والتعرف على أحوالها، أما الارتياض على الأسلوب فهو المران على التحدث ببليغ المقال، وفصيح
1 / 12
الكلام. وهذا لا يتأتى إلا بحفظ آيات من القرآن والأحاديث النبوية، وعبارات البلغاء قديما وحديثا، كما يجب على الخطيب مطالعة الكتب الفكرية والأدبية فهي عامل آخر لارتقاء أسلوبه، وجودة تعبيره، أما الارتياض على الإلقاء فيبدأ بتعويد اللسان عند النطق على إخراج الحروف من مخارجها، ثم قراءة كل ما يستحسنه بصوت مرتفع، ولهجة متزنة، مصورا بصوته معاني ما يقرأ بتغيير النبرات، وبرفع الصوت وخفضه، ثم بإلقاء الموضوع بينه وبين نفسه متصورا أنه أمام جمهور، ثم بإلقاء الموضوع أمام من يثق بهم من إخوانه، ثم بإلقاء الموضوع في محيط لا يعرفه فيه أحد غير هياب ولا وجل.
1 / 13
الآداب الخطابية:
يجب على الخطيب أن يتحلى بآداب عند إلقاء الخطبة، ومن هذه الآداب ما يتعلق بحاله هو عند إلقاء الخطبة، ومنها ما يتعلق بالسامعين.
الآداب الخاصة بالخطيب:
١- سداد الرأي: ويكون بدراسته دراسة تامة للموضوع الذي يخطب فيه.
٢- صدق اللهجة: وهو أن يظهر الخطيب مخلصا فيما يدعو إليه، وحريصا على الحقيقة، فإنه إن ظهر كذلك وثق الناس به، وصدقوه فيما يدعو إليه، وأحسوا بأنه شريف تجب إجابته؛ لشرفه وشرف ما يدعو إليه، ومن أجل أن يكون الإخلاص باديا، يجب أن يكون من حاله ما يطابق مقاله، فلا يتجافي عمله عن قوله، بل يكون أكثر الناس أخذا بقوله.
٣- التودد من السامعين: ويكون بالتواضع لهم، وأن يكون ممن يألفون، ويؤلفون؛ فلا يكون جافيًا خشنًا قاسيًا.
آداب الخطيب مع السامعين:
ينبغى على الخطيب الاتصال بنفوس من يخاطبهم، والقرب من قلوبهم، والناس مختلفون، عادات وأخلاقا ومهنة ومرتبة، ولكل طائفة من الناس أحوال، تقتضي نوعا من الخطاب، لا تقتضيه أحوال الجماعة الأخرى؛ وعلى الخطيب أن يلبس لكل حال لبوسها، ويعالج كل طائفة بأنجع دواء له؛ ليستقيم له الطريق، ويصل إلى غرضه.
صفات الخطيب:
١- الاستعانة بالله: الخطيب الناجح هو الذي يحرص على الاستعانة بالله في كل الظروف والأحوال فهو يستعين بالله في الإعداد، وحسن الأداء، وجمال الإلقاء.
1 / 14
٣- الإخلاص: الإخلاص هو روح الأعمال وسر قبولها وبه يجمع الله ﷾ القلوب، فالإخلاص عامل هام في النجاح والتأثير وينبغى على الخطيب أن يحذر من أمراض القلوب، وأن يبتعد عن الغرور والرياء وحب الظهور.
٣- القدوة الحسنة: ينبغي على الخطيب أن يكون قدوة حسنة، وأن يكون سلوكه قويما، وأن يعمل بما يقول، وأن يكون إماما فيما يدعو إليه.
٤- الشجاعة: لا بد أن يكون الخطيب شجاعا لا يخاف إلا الله وهو صاحب رسالة، ولذلك فالشجاعة ضرورية كذلك لتبليغ الحق المبين، وتجلية حقائق الإسلام، وعلاجه للمشكلات بكل وضوح وصراحة، ومحاربة الظلم، وفضح الباطل، وإقرار العدل.
٥- الموهبة: إن نجاح الخطيب في مهمته فيه جانب يكتسبه عن طريق كتب فنون الخطابة وآدابها، والاستماع إلى الخطباء، والاستفادة منهم.
وجانب الموهبة التى يمنحها الله للإنسان وذلك بحب الخطابة، والميل إليها والانسجام معها.
٦- قوة الملاحظة: يجب أن تكون نظرات الخطيب إلى سامعيه نظرات فاحصة كاشفة؛ يقرأ من الوجوه خطرات القلوب، ومن اللمحات ما تكنه نفوسهم نحو قوله؛ ليجدد من نشاطهم، ويذهب بفتورهم ولتتصل روحه بأرواحهم، ونفسه بنفوسهم.
٧- حضور البديهة: لتسعفه بالعلاج المطلوب إن وجد من القوم إعراضا، والدواء الشافى إن وجد منهم اعتراضا، وقد يلقي الخطيب خطبته فيعقب بعض السامعين معترضا، أو طالبا الإجابة عن مسألة، فإذا لم تكن البديهة حاضرة يجيب الخطيب إجابة سهلة موثقة وإلا ضاعت الخطبة، وآثارها.
1 / 15
٨-طلاقة اللسان: تعد طلاقة اللسان من ألزم صفات الخطيب، وأشدها أثرا في انتصاره في ميادين القول.
٩- رباطة الجاش: يجب أن يقف الخطيب مطمئن النفس، هادئ البال، قوى الجنان، غير هياب ولا وجل، وغير مضطرب ولا منفعل.
١٠- القدرة على مراعاة مقتضى الحال: يجب على الخطيب أن يكون قادرا على إدراك وضع الجماعة، وما تتطلبه من تذكير وإصلاح، وما يصلح لها من أساليب ملائمة، ومن توجيهات مناسبة يراعي فيها المصلحة واقتضاء الحال.
١١- قوة العاطفة: يجب على الخطيب أن يمتلىء حماسة فيما يدعو إليه، واعتقادا بصدقه؛ لأن ما يخرج من القلب يدخل القلب فلا بد أن تكون حماسة الخطيب أقوى من حماسة سامعيه؛ ليفيض عليهم، ويروي غلتهم، وإلا أحسوا بفتور نفسه، فضاع أثر قوله.
١٢- النفوذ وقوة الشخصية: الخطيب الناجح هو الذي يتمتع بقوة الشخصية، وإشراقة الروح، وسداد الرأي، وسعة العلم، وتأثير نصائحه ومواعظه.
١٣- حسن الهيئة: يجب على الخطيب أن يراعي الهيئة الحسنة في زيه، ويهتم بكل ما يجعل هيئته حسنة، وأن تتزن حركاته، وعليه أن يبتعد عن الحركات سواء باليد أو الرأس أو غير ذلك، التي تجعل منه ممثلا رخيصا ومثارا للضحك والتندر.
1 / 16
زاد الخطيب:
إن الخطيب الناجح لا بد أن يتزود بزاد يتناسب مع مهنته، وأهم ما يتزود به الخطيب ما يلي:-
١- القرآن الكريم: ينبغى على الخطيب أن يكون وثيق الصلة بالقرآن، كثير التلاوة له، متقنًا تجويده، مجتهدًا في حفظه.
٢- الحديث الشريف: على الخطيب أن يكون جليس كتب الحديث الشريف وأن يطلع على أكبر قدر من أبواب الحديث، كما عليه أن يحفظ قدرا كبيرا من الحديث يمكنه من الاستشهاد بسنة سيد الخلق في شتى المناسبات، ومختلف المجالات.
٣- السيرة والتاريخ: ينبغى على الخطيب أن يهتم بقصص الأنبياء، ويدرس سيرة الرسول ﷺ دراسة خاصة من زوايا متعددة، ومراجع متنوعة.
٤- الأحكام الفقهية: ينبغى على الخطيب أن يكون ملما بكثير من الأحكام الفقهية؛ ليقدم للناس الحلول العملية من الأحكام الإسلامية.
٥- الحكم والأمثال: من أعظم الأساليب المؤثرة الحكم والأمثال، فهي كلمات مختصرة، تجمع خلاصة معانٍ، وحصاد تجارب لها أبعادها في النفس. والخطيب الموفق هو الذي يحرص على حفظ أكبر قدر من الحكم والأمثال ليستشهد بها في مواضعها.
٦- السياسة والتيارات الفكرية: يجب على الخطيب أن يطلع على أحداث الناس وقضايا الساعة، ويقدم للناس فهم الإسلام في شتى ميادين الحياة.
1 / 17
التنسيق:
هو تنظيم أجزاء الخطبة، وإحكام تركيبها، وربط بعضها ببعض، ووضع أدلتها في شكل منتج؛ فالتنسيق هو بناء الخطبة، ونظام عقدها، وللخطبة ثلاث مراحل:
١- المقدمة.
٢- الإثبات.
٣- الخاتمة.
أولا: المقدمة
هي ما يجعلها الخطيب صدر خطبته؛ ليثير الفكر إليها، وليعطى السامعين صورة إجمالية لها، وليحصر لهم معانيه وأفكاره في نطاق لا يعدوه، ولا يتجاوزه وتشتمل المقدمة على ما يأتى:-
أ- حسن الافتتاح:
بالحمد لله والثناء عليه والصلاة على رسول الله ﷺ إلخ. كما يجب أن يعنى الخطيب بافتتاح خطبته حتى يهيئ الأسماع لتتقبله بقبول حسن، ويشترط أن تحتوي المقدمة على حمد الله والثناء عليه وتوحيده وتنزيهه، وكذا ذكر الشهادتين؛ وللخطباء مذاهب شتى في افتتاحهم، وسنذكر بعضها على سبيل المثال، لا الحصر:
١- فمن الخطباء من يفتتح خطبته بما يشير إلى موضوعها، ويلوح بالقصد منها.
٢- ومن الخطباء من يبتدئ خطبته بحكمة أو مثل سائر، أو بعض أقوال المتقدمين، أو آية قرآنية، أو حديث شريف يناسب المقام، ويكون حجة في الاستدلال، كخطيب يبتدئ خطبته في تعاون الجماعة في إصلاح حالها، وتقويم الفاسد من أمرها بتلاوة قوله تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّة
1 / 18
يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ .
٣- ومن الخطباء من يفتتح خطبته بإحياء آراء قديمة للجماعة، يبنى عليها ما يدعوهم إليه من جديد، كما فعل الرسول ﷺ عندما أنذر عشيرته الأقربين؛ إذ سألهم عن صدق صدقه حديثه فقال ﷺ: "أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادى تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقيَّ؟ فقالوا: نعم، ما جربنا عليك كذبا"، فألقى ﵊ خطبته.
٤- يستحسن أن تبدأ الخطبة بحمد الله، وببعض الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة التى تناسب المقام الديني الذي يتكلم فيه، ويجب أن يكون الافتتاح قصيرا موجزا، موافقا للموضوع.
ب- المقصد:
أن يذكر الخطيب في صدر كلامه الموضوع الذي سيتناوله إجمالا، من غير تفصيل؛ ليهيئ الأذهان لتلقيه، ولا بد عند ذكر المقصد من ملاحظة ثلاثة أمور:
أحدها: أن يذكره في قضية عامة، لا يبنيها على مقدمات، فإذا كان يريد أن يخطب جمعا يحثهم على إحياء القرآن الكريم بحفظه والعمل به، يقول مثلا: في القرآن نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهكذا نرى الموضوع قد ذكر في قضية عامة.
وثانيها: أن يكون واضحا في الدلالة على الموضوع.
وثالثها: أن يلقَى في جملة تثير خيال النفس، وتهزها، فتنشط إلى سماع ما يقال، وتهتز أوتار القلب بكل ما يجيء به الخطيب من معانٍ وعبارات جيدة محكمة.
1 / 19
جـ- تقسيم الخطاب:
إذا كانت الخطبة واسعة الأطراف، مترامية النواحى، كثيرة الشعب، كان عمل الخطيب أن يجمع أشتاتها، ويضبط أجزاءها، ويقسمها تقسيما جامعا لأطرافها وحواشيها.
ثانيا: الإثبات
هو موضوع الخطبة وغرضها، وهو الذي يستغرق معظم وقتها، وأفكارها، فينبغي على الخطيب مراعاة ما يلي:-
أ- أن تكون الأفكار منظمة، ومسلسلة، ومترابطة ووافية.
ب- أن يحسن الاستشهاد على كل فكرة في موضعها.
جـ- أن يتجنب الاستطراد الذي يخرجه عن الموضوع إلى موضوع آخر فآخر.
د- أن يحرص على ربط الموضوع بالواقع ودنيا الناس وآثاره في الحياة التي نعيشها.
ثالثا: الخاتمة
وهى آخر ما يلقى في ذهن المستمع، وآخر ما يتعلق بباله، وللخواتيم أهميتها العظمى في تحقيق أهداف الخطبة لذلك ينبغي على الخطيب أن يراعي ما يلي:-
١- أن تتضمن تلخيصا للموضوع يكون جامعا مركزا يجمع أطرافه التى استغرقت معظم الوقت ليضعها أمام المستمع في كلمات مختصرة.
٢- أن تشتمل على النتائج التى يريد الخطيب استخلاصها والتوصل إليها.
1 / 20
٣- أن تشتمل على توصيات، ودعوة للعمل، والسير نحو خطوة جديدة إلى الأمام.
٤- الدعاء يستحب أن يكون مرتبطا بموضوع الخطبة ومعانيها.
التعبير:
١- يجب على الخطيب أن يعطي المعنى حقه واللفظ حقه، وأن يعتني بهما، وعليه أن يعرف أن تحسين اللفظ يجب أن يكون بجوار إحكام المعنى، وأنه لا غنى له عن المعنى المحكم؛ لأنه عمود الكلام والمقصد الاسمى، ولا عن اللفظ؛ لأنه بهاء القول وزينته، وعليه ألا يتكلف في اختيار اللفظ بل يجب أن يكون كلامه منسجما، متآخي النبرات، لا تنبو ألفاظه، ولا تتجافى عباراته، ولا يلجا في أسلوبه إلى العامية.
٢- إن لكلمات الخطيب أثرا في أذن السامع، ولجرسها وقع في نفسه؛ فالسامع للخطيب يذوق، ويسمع ويفهم ويلاحظ النطق، ولذلك يجب أن تكون ألفاظ الخطبة سهلة النطق، لا يتعثر اللسان في إبرازها، ولا تتزاحم حروفها، وأن تكون ذات رنين خاص يهز أوتار النفس ويثير الشعور، ويجب أن تكون مقاطع الخطبة ذات وقع مؤثر، يلذ السمع، ويجمل الكلام.
الألفاظ:
نريد بالألفاظ الكلمات المفردة، وأهم خصائص مفردات الخطابة هي:-
١- أن يكون اللفظ واضحا مكشوفا وقريبا معروفا، من السهل إدراك معناه، والوصول إلى مرماه، لا يبعد عن مألوف السامعين.
٢- ألا تكون الألفاظ مبتذلة أو عامية.
1 / 21
٣- أن تكون في الخطبة ألفاظ مناسبة مثيرة لخيال الجماعة، ملائمة لما يريد، فإذا كان يخطب جماعة في الحث على أداء فريضة الحج، ذكر الحرم الشريف، ومقام إبراهيم، وزمزم، وإذا كان يخطب في الحث على الصوم ذكر قرب الصائم من ربه، والتجرد من ملاذ الحياة، ومشارفة نفس الصائم للمعانى القدسية.
الأسلوب:
١- التصرف في فنون القول، بأن تتعاقب على معنى ضروب مختلفة من التعابير، من تقرير، إلى تعجب، إلى تهكم، إلى نفي؛ لكي يكسب كلامه حدة، ولئلا يذهب نشاط السامعين، ويعتريهم السأم والملال.
٢- حسن التآلف بين الكلمات، وتآخي النغم، بحيث تتحدر الكلمات على اللسان في يسر وسهولة، ويحسن وقعها في الأسماع، فلا تكون منها نابية عن أخواتها، أو ساكنة في غير مستقرها، فتكون قلقة في النطق، وثقيلة على السمع.
المقاطع:
يجب أن يختار الخطيب المقاطع التى يقف عليها، بحيث يكون وقوفه عند نهاية جزء تام من المعنى الذي يريده، وبأن يكون المقطع ذا رنين قوي، يملأ النفس، ويوجهها نحو الغرض الذى يريده الخطيب.
طرق تحضير الخطبة:
١- من الخطباء من يكتفي في تحضيره بدراسة الموضوع دراسة تامة، ثم يجمع عناصره في خاطره، وترتيبها بينه وبين نفسه، ويستحضر الألفاظ اللائقة بالمقام، والعبارات الجديرة بالموضوع، وهذه الطريقة لا يتبعها إلا المتمرن على المواقف الخطابية الذى اندرج في سلك الخطباء.
1 / 22
٢- ومن الخطباء من يدرس الموضوع ويهيىء معانى الخطبة، ويرتبها ترتيبا محكما، ثم يكتب عناصرها وأجزاءها في مذكرة يستصحبها عند الخطبة؛ لتكون مرجعا له وضابطا، وليحفظ المعانى والأفكار من أن تضيع بضلال الذاكرة.
٣- ومن الخطباء من يطَّلِع على الموضوع، ويدرسه بعناية، ثم يتكلم فيه بينه وبين نفسه بصوت مرتفع في غرفة قد انفرد فيها، أو في مكان خلوي، أو يتكلم على بعض الناس.
٤- ومن الخطباء من يكتب الخطبة، ويتحرى في الكتابة أبلغ الاساليب التى توصله إلى غايته، وتؤدي به إلى ما يريده، ويحكم معانيها، ويحملها كل ما يبغي من وسائل التأثير، وطرق الإقناع التى يصوبها نحو هدفه، ويرمي بها إلى غرضه، وبعد الكتابة يقرأ ما كتب مرارا وينقحه في كل مرة. وبهذه القراءة التى يتحرى بها جودة الإلقاء وحسن النطق، تعلق معانى الخطبة مرتبة الترتيب التام بذاكرته، ويحفظ كثيرا من ألفاظها وعباراتها.
٥- ومن الخطباء من يكتبون خطبهم، ويحسنون تحبيرها، ثم يحفظونها حفظا تاما، ومنهم من يتحلل أحيانا مما حفظ، إن وجد المقام يدفعه إلى غيره.
والطريقة المثلى لطالب الخطابة:
أن يبتدئ بكتابة الخطبة وحفظها وإلقائها كما حفظ ثم يأخذ بنفسه بالتغيير شيئا فشيئا فيما حفظ حتى إذا شب في الخطابة، وتقدم في المران عليها، كتب الخطبة وعني بأن تعلق كل معانيها بقلبه، وأكثر ألفاظها بذاكرته ثم يتقدم لإلقائها وقد تحصن بذلك التحضير، فإذا صارت له الخطابة ملكة،
1 / 23
وعد في صفوف الخطباء، اكتفى بدراسة الموضوع دراسة وافية، ثم كتب العناصر، أو لم يكتبها إن أسعفته ذاكرة قوية، أو كانت الخطبة قصيرة، لا عناصر لها، وألقى الخطبة مكتفيا بذلك التحضير الذى يقل أنواعه كلفة؛ ولا يكتفي به إلا أعظم الخطباء قدرة.
الارتجال:
لا يعد الخطيب خطيبا إلا إذا كان قادرا على الارتحال، وقد يخطب فيعترض عليه بعض الناس في خطبته، فإن لم تكن له بديهة حاضرة ترد الاعتراض وتقرعه بالحجة القوية، ذهبت الخطبة وآثارها.
النطق:
النطق الحسن هو الدعامة الأولى للإلقاء الجيد، وإذا اعترى النطق ما يفسده ضاع الإلقاء فضاعت معه الخطبة وأثرها.
العناصر التي يحتاج إليها النطق الجيد:
١- تجويد النطق:
بأن يخرج الحروف من مخارجها الصحيحة في يسر ورفق وسهولة.
٢- مجانبة اللحن وتحري عدم الوقوع فيه:
يجب أن يعنى الخطيب بتصحيح الكلام الذي ينطق به، وملاحظته في مفرداته وعباراته فيلاحظ بنية الكلمات ملاحظة تامة، وما توجيه قواعد النحو في آخر الكلمات؛ فإن ذلك يفسد المعنى، وقد يقلبه.
٣- تصوير النطق للمعاني تصويرًا صادقًا:
بأن يعطي كل كلمة وكل عبارة حقها، ويظهرها بشكل تتميز به عن سواها، فالجملة المؤكدة ينطقها بشكل يدل على التوكيد في النغم كما دل، والجمل الاستفهامية ينطق بها بشكل يتبين منه الاستفهام والمراد منه عن طريق النطق، كما دل عليه بالأداة الدالة على الاستفهام.
1 / 24
٤- التمهل في الإلقاء:
وهو إلزام الأمور للخطيب، فالتمهل يجعل الصوت يسري إلى السامعين جميعًا بأيسر مجهود متناسب مع المكان والعدد، بينما الإسراع يجعل الكلمات تحتاج إلى مجهود صوتي أكبر؛ ليصل الكلام إلى الآذان.
الصوت:
يستحب للخطيب أن يروض نفسه على تصوير المعاني، وأن يجعل من نغمات صوته، وارتفاعه وانخفاضه دلالات أخرى فوق دلالة الألفاظ، وليعمل على أن يكون صوته ناقلا صادق النقل لمشاعر نفسه، وليمرنه التمرين الكافي على أن يكون حاكيا صادق الحكاية لمعاني الوجدان، وخواطر الجنان، وليعلم أن لا شيء كالصوت يعطي الألفاظ قوة حياة، وأنه إذا أحسن استخدامه خلق به جوًّا عاطفيا يظل السامعين، وبه يستولي عليهم.
الإشارات:
إن الإشارات هي المخاطبة الصامتة، أو هي لغة التفاهم العامة، وهي في كثير من الأحيان صوت الشعور، وعبارة الوجدان، فالغاضب يعبس وجهه، ويقبض أصابعه، والإشارات بعضها شعوري اندفاعي لا يكون بالإرادة بل بدافع الإحساس الوقتي للخطيب الذي يثيره موقفه الخطابي، وبعضها إرادي قصدي يعمد إليه الخطيب للتأثير.
وسواء أكانت الإشارات إرادية أم شعورية، فهي ذات أثر في تأكيد الكلام في نفس السامع وتقويته.
1 / 25