اسلام شريکان
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
ژانرونه
استطاع محمد، عليه الصلاة والسلام، ومن بعده أبو بكر وعمر أن يحافظوا على تماسك هاتين القوتين المتعارضتين، وذلك بوضع فضائل كل منهما في خدمة الدولة الإسلامية الفتية؛ فبينما كان أثرياء مكة - ولا سيما أبناء بني أمية - يعملون خارج شبه الجزيرة كقادة للجيوش وولاة على الأقاليم التي تم فتحها، كان الصحابة وأهل الورع من المدينة يمارسون تأثيرا كبيرا على الحكام وأهل السلطة الذين كانوا يحرصون على الاستنارة برأيهم ومشورتهم، والحقيقة أن الانقسام والتوتر كان قد بدأ منذ وصول الأموي عثمان إلى الخلافة ومحاباته الشديدة لعشيرته، ثم قام بعد ذلك بدور كبير في الاضطرابات اللاحقة، وذلك بجانب الخلافات القبلية والعشائرية القديمة والصراعات المستمرة مع الشيعة والخوارج. وإذا كان الأمويون قد عادوا للاستيلاء على الخلافة بعد وفاة علي رابع الخلفاء الراشدين في سنة 661م، فإن ذلك كان معناه انتصار الاتجاه «الدنيوي» بين أهل السنة. كان علي بن أبي طالب قد ترك العاصمة القديمة في المدينة، ونقل الأمويون مقر الخلافة والحكم طوال القرن التالي إلى دمشق،
13
وبذلك ابتعدوا بأنفسهم وبإدارة الدولة عن تأثير أهل الورع في المدينة. وتمثلت المعارضة بعد ذلك في الأتقياء الورعين من ناحية، والثوريين المتهمين بأنهم من أهل البدع (أي الشيعة والخوارج) من ناحية أخرى، وذلك بعد أن شعر الطرفان بأنهم قد فقدوا وزنهم السياسي. ووصلت المعارضة إلى حد الحرب الأهلية. ولم يقتصر الخوارج والشيعة على إعلان خلفاء منافسين ينازعون الحكم الأموي بكل الوسائل، بل شاركهم في ذلك قدامي الصحابة وأهل الورع. اتهم الخلفاء الأمويون من جانب خصومهم بأنهم قد حولوا «خلافة رسول الله» إلى ملكية دنيوية، بل وثنية. والصحيح أنهم خلعوا على الدولة الإسلامية طابعا جديدا، فقد ساروا على سياسة الأسر الحاكمة التي يتعذر التوفيق بينها وبين مبدأ انتخاب الخليفة، ونقلوا مقر حكمهم إلى دمشق بعيدا عن تأثير أهل الورع، واستلهموا التراث البيزنطي الذي تجاوب تصوره عن الدولة العالمية تحت حكم الملك الشامل
14
مع طموحهم للقوة والسلطة، كما بدءوا أيضا في التعلم من التقاليد القديمة للدولة الفارسية الكبرى. غير أنهم بالرغم من كل ذلك لم يفكروا أبدا في التنكر للإسلام، بل كان العكس من ذلك هو الصحيح؛ فقد شعر الخلفاء الأمويون بأنهم حملة رسالة أو أمانة تفرض عليهم أن يثبتوا دعائم قوة الإسلام في الأرض ويبسطوا نفوذه ويتوسعوا فيه. لذلك كان عليهم أن يعتبروا أي معارضة وأي محاولة للتمرد على حكمهم معارضة للإسلام نفسه وتمردا عليه وتهديدا لوحدة الجماعة التي تقع تحت قيادتهم. ومن هنا وقفوا في وجه خصومهم - سواء كانوا من أهل السنة الورعين أو من فرق الشيعة والخوارج - بكل حزم وحاربوهم بكل قسوة. بل إنهم لم يتورعوا عن فرض الحرب على المدينة ومكة، ومما له دلالة على وحشيتهم الدموية أن القائد الأموي الحجاج بن يوسف لم يتردد، أثناء حصاره لمكة في عام 72 بعد الهجرة، عن ضرب الحرم المكي بالمقاليع الحجرية الضخمة، وذلك للقضاء على الخليفة المنافس عبد الله بن الزبير.
كشفت الصراعات المريرة التي خاضتها جميع الأطراف عن مدى اهتمام المؤمنين بمشكلة شرعية السلطة. وقد لعبت هذه المشكلة دورا أساسيا في الحفز على الشروع في المناقشات الدينية، وبذل الجهود المضنية في صياغة العقيدة الإسلامية. وإذا كان العلماء قد بدءوا في ذلك الوقت في جمع الحديث النبوي الذي سيصبح مصدرا أساسيا لعلوم الدين والشريعة، فقد كانت المواقف المختلفة في الصراعات السياسية عاملا حاسما في ذلك.
وكان من الطبيعي أن يجد كل طرف من الأطراف المتصارعة، أو يوجد، أحاديث تتفق مع وجهة نظره. فالجناح الورع من أهل السنة ينشر في المقام الأول أحاديث تبين حدود الالتزام بواجب الطاعة. ومن هذه الناحية يوصف المؤمن، الذي يسقط خلال الصراع مع الحاكم الظالم، بأنه شهيد.
15
ومن ناحية أخرى يروج أنصار الخليفة الأموي أن من خرج على البيعة فقد خرج على الجماعة وهدد أمن المؤمنين، ولذلك يستحق أن يعتبر كافرا.
16
ناپیژندل شوی مخ