اسلام شريکان
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
ژانرونه
ونجد في القرآن الكريم كلمة تعد مفتاحا مهما لتحديد منزلة الإنسان أو مرتبته في العقيدة الإسلامية، ويؤكد هذا ما نلاحظه من تغير وتطور في تفسير معناها: تلك هي كلمة «خليفة» بمشتقاتها، وذلك حين تطبق على آدم وغيره من البشر. ويرد على الذهن معنى كلمة «خليفة»، في صيغتها الأصلية الكاملة، وهي «خليفة رسول الله» أو في اللقب الذي كان يحمله بعض الخلفاء الأمويين وهو «خليفة الله». ويجب في هذه الحالة أن يترجم بعبارة «النائب عن الله»؛ لأن الله سبحانه لا يمكن أن يخلفه أحد. وفي الحالتين السابقتين يكون المقصود بتلك الصيغة هو الرئيس الأعلى للأمة الإسلامية. غير أننا لا نعثر في القرآن الكريم على معنى واضح عمن يخلفه هذا الإنسان الذي يطلق عليه اسم «الخليفة». وقد توصل المستعرب الألماني «رودي باريت» في ترجمته الدقيقة لمعاني القرآن الكريم إلى أن القرآن يشير في كل الأحوال التي ترد فيها كلمة «خليفة» أو مشتقاتها إلى «الخلفاء» أو «اللاحقين» للأجيال السالفة أو الجماعات السابقة. وفي رأيه أن الآية الكريمة (في سورة البقرة: 30) التي يخاطب فيها رب العزة الملائكة:
وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون - في رأي باريت - أن هذه الآية الكريمة يجب - على الأرجح - أن تفهم بمعنى أن آدم (ومعه البشر) سيخلفون في المستقبل الملائكة (أو الكائنات الروحية بوجه عام) ويسكنون الأرض.
5
وليس من الضروري هنا أن نختبر مدى صحة رأي باريت في جميع النصوص التي وردت فيها كلمة «خليفة». ولكن لعلي أذكر أن هذه الكلمة تظهر مرة واحدة على الأقل بجوار إشارة إلى وظيفة الحكم التي يتولاها إنسان. ففي سورة ص: 26، نجد أن الله سبحانه يطلب من داود، بعد أن جعله خليفة في الأرض، أن يحكم بين الناس بالحق:
يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى ... (الآية)، ويترجم باريت الكلمة بمعنى يقضي بالحكم أو يصدر حكما بين الناس بالحق، ولكن الفعل «حكم» يعني كذلك «الحكم» بالمعنى السياسي الذي تأتي منه كلمة الحاكم.
والمهم في هذا السياق أن الطبري، وهو الحجة في التفسير، يؤيد رأي باريت في معنى كلمة «خليفة» كما ترد في القرآن الكريم، مع بعض الإضافات الشيقة.
يقرر الطبري في تفسيره الكبير أن كلمة «خليفة» بمعنى «اللاحق» «إذا قام مقامه فيه بعده»، أي اللاحق للأفراد والقرون (أو الأجيال) أو الجماعات السابقة، ومن ثم يستبعد معنى «النائب». وهو يذكر استخدام كلمة «خليفة» للدلالة على السلطان الأعظم مع شرح الكلمة بمعنى «اللاحق للسابق»، وذلك دون أن يشير إلى أصلها الوارد في صيغة «خليفة رسول الله». ثم إن الطبري - في شرحه للآية الكريمة التي يخاطب فيها الله الملائكة (البقرة: 30) ويخبرهم أنه سيجعل آدم في الأرض خليفة - يثبت شرحين يسمحان بتأويلهما على أن الله جعل على الأرض «خليفة» له أو «خليفة» ينوب عنه في الحكم بين خلقه، أي على حد تعبير الطبري نفسه «خليفة» مني يخلفني في الحكم بين خلقه بحكمه.
6
ومع ذلك كله فإن الطبري يتمسك بفهمه لكلمة «الخلافة» بمعنى تتابع الأجيال أو «القرون».
ربما يمكننا الآن أن نستخلص هذه النتيجة: إن استخدام كلمة «الخليفة» للدلالة على حاكم الدولة الإسلامية العالمية كان أمرا مألوفا وشائعا في عصر الطبري (القرن الثالث الهجري والتاسع الميلادي)، ولعل علماء الدين في ذلك العصر كانوا يتذكرون محاولات الخلفاء الأمويين لتفسير لقبهم - وهو خليفة الله - بأنه «النائب عن الله».
ناپیژندل شوی مخ