اسلام شريکان
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
ژانرونه
يتبين لنا الآن أن التفسيرات السابقة تختلف من مفكر إلى آخر حسب مواقفه الدينية والسياسية، وأن الذي يجمع بينهم هو فكرة أن الإنسان يحتل منزلة أسمى بكثير من سائر المخلوقات، وأنه شديد القرب من الله جل شأنه. وحتى إذا كان وصف الإنسان بأنه على صورة الله أو أنه يشبهه لا يزال أمرا غير مقبول لدى المسلمين، فإن صورة الإنسان عندهم لا تبدو مختلفة تمام الاختلاف عن صورته في اليهودية والمسيحية. وليس صحيحا، كما ذهب البعض إلى ذلك أحيانا، أن الإسلام يرى أن الله سبحانه بعيد بعدا لا متناهيا عن الإنسان (لأن ذلك قد نتج عن فهم متطرف لفكرة تعالي الله أو علوه). وليس من الصحيح كذلك أن الإسلام لا يفتح الأبواب واسعة أمام أساليب التفكير ذات النزعة الإنسانية.
وأود الآن أن أقدم مثلا آخر يمكن أن يساعدنا على تبين السمات المشتركة بين الديانات الإبراهيمية الثلاث، ولذلك أطرح هذا السؤال ثم أحاول الإجابة عنه: ما الذي يعطي الإنسان الأمل في الخلاص أو النجاة؟ ما الذي يحرره من الخطيئة والإثم ومن اللعنة والعذاب الأبدي؟
ربما نتوقع من علم العقيدة الإسلامي - على أساس أن الإسلام دين جاء بشريعة منزلة - أن يعتبر أن أعمال الإنسان هي أهم معيار يحتكم إليه في تقرير خلاصه أو نجاته. غير أن الحال يختلف عن ذلك، كما بينت في مقال نشر في هذا الكتاب الذي صدر تكريما لذكرى صديقنا الراحل الأب فريد جبر.
9
فحتى المفكرون الذين يقيمون وزنا كبيرا للأعمال، يضعون الإيمان في منزلة أعلى منها. ونجد على سبيل المثال أن حسن البنا يعلن في أحد كتبه التعليمية أن «العقيدة» هي أساس العمل، وأن عمل القلب أهم بكثير من عمل الجوارح. وبلوغ الكمال في كليهما أمر يقتضيه الشرع. أما الشيخ محمد الغزالي فيعتبر أن العمل هو أساس الإيمان، وأن الاعتقاد الخاطئ بأن الأعمال يمكن إهمالها هو علة الأزمة التي وقع فيها الدين في هذه الأيام - ومع ذلك فهو يسلم بأن المؤمن يمكن أن يرتكب الخطايا من دون أن يفقد الإيمان - ولكنه إذا تفاخر بخطيئته واستخف بإهماله لأداء الفرائض فإنه يكون قد تخلى عن الإسلام وحقت عليه اللعنة. وهناك إجماع على الاعتقاد بأن المؤمن يمكنه أن يتيقن من أن رحمة الله سوف تنقذه في كل الأحوال، ما دام قد بقي على إيمانه.
ومناقشة علماء اللاهوت المسيحي لهذه المشكلة معروفة ومألوفة، فهي المشكلة القديمة التي تتعلق بما إذا كان الخاطئ «يبرر» من خلال أعماله أم من خلال إيمانه، وما إذا كان من الممكن أن يتيقن من الخلاص أم يقتصر على أن يأمل فيه، وكلها أسئلة كان لها دور كبير في تعاليم مارتن لوثر في بداية عصر الإصلاح الديني وما زالت تناقش إلى اليوم.
يتبين من المثلين اللذين قدمناهما أن أوجه التناظر والتشابه بين المسيحية والإسلام لا يمكن إنكارها. ونستطيع أن نقرر على سبيل التعميم أن كثيرا من الأسئلة التي تثار في الديانتين واحدة، على حين أن الإجابات عنها مختلفة. ويلاحظ في معظم الأحيان أنه لا توجد إجابة إسلامية واحدة، لأن الإسلام يفسح مجالا واسعا للتفسير والاختلاف في الآراء والاجتهادات. ولو نظرنا للقضية من هذه الزاوية، لرفضنا قبول الزعم القائل بعدم وجود أرضية مشتركة والتذرع به لرفض الحوار بين الأديان. ولا بد الآن من الإجابة عن الاعتراضات التي يثيرها أولئك الذين يخشون الحوار بحجة أنه يمكن أن يفسد الدين الذي يؤمنون به.
لا شك في أن الحوار بين الأديان يمكن أن يصبح شيئا عقيما أو أسوأ من ذلك إذا لم يتجنب الأطراف المشاركون فيه بعض المواقف التي يمكن أن تفسده منذ البداية. فالاتجاه الطويل لتحويل الطرف الآخر عن دينه أمر يتعارض مع روح الحوار. ويصدق الأمر نفسه على غياب الاحترام لمعتقدات الطرف الآخر بسبب الجهل بأهميتها القصوى بالنسبة إليه أو عدم الاعتراف بها. وكل محاولة ل «كسب النقاط» على حساب الطرف الآخر - حتى لو اقتصر ذلك على دائرة النقاش - سيؤدي حتما إلى إفساد جو الحوار. والحقيقة أن الصعوبة الأساسية في الحوار بين الأديان تكمن على وجه الدقة في أن الاقتناعات والاعتقادات الدينية ليست قابلة للنقاش أو للتفاوض على الإطلاق، أي لا يجوز أن تتعرض للمهانة أو التنازل أو غيرهما من التغيرات المشابهة في المواقف.
ويبدو من المناسب الآن أن نرجع لعلماء اللاهوت لتوضيح الموقف الذي نحن بصدده. وقد فحص «هانز كينج»، في كتابه السابق الذكر عن الأخلاق العالمية الجديدة، هذه المسألة فحصا دقيقا. فهو لا يريد ولا يتوقع من أي طرف من أطراف الحوار أن يتخلى عن معتقداته التي يؤمن بها، بل يقول على العكس من ذلك إن أي حوار لن تكون له في الأساس أي فائدة إذا افتقد تدين أي طرف من أطراف الحوار إلى «العنصر المعياري والمحدد تحديدا نهائيا» في دينه أو في تدينه (ص101 من كتابه السابق الذكر عن المسئولية الكوكبية)، كما لا يجوز في رأيه أن تسطح مسألة الحقيقة أو أن يضحى بها، ولو كان ذلك في سبيل «يوتوبيا» عالم مستقبلي موحد أو ديانة عالمية واحدة (ص97) ويرفض كينج نزعة «اللامبالاة» التي تتساوى في نظرها قيم الأشياء، كما يستنكر النزعة النسبية التي ترفض الاعتراف بأي وجود مطلق، والنزعة التوفيقية التي تخلط بين كل ما هو ممكن وما هو مستحيل (ص96).
ويطالب كينج من ناحية أخرى أطراف الحوار بأن يجمعوا بين أصدق ولاء ممكن لمعتقداتهم وبين أقصى انفتاح ممكن على الآخرين (ص100) وإذا كان من الطبيعي أن يتمسك كل طرف بدينه ويعتبر أنه هو الدين الوحيد الحق، فإن ذلك لن يؤدي بالضرورة إلى استبعاد الحقيقة من الأديان الأخرى، بل يمكن أن يؤيد صحتها وصحة وصفها بأنها ديانات حقيقية. وما دامت الأديان الأخرى لا تتناقض مع الرسالة المسيحية تناقضا مباشرا، ففي إمكانها أن تضيف إلى الديانة المسيحية وتصححها وتزيدها عمقا (ص99): «ينبغي علينا، انطلاقا من التزام مسيحي أصيل واستعداد دائم للتعلم، أن نستمر في تغيير أنفسنا على طريقتنا، وأن نسمح لأنفسنا بأن ننصلح من خلال ما نتعلمه من الأديان الأخرى، بحيث لا يؤدي ذلك إلى تدمير إيماننا العريق، بل إلى إثرائه» (ص103).
ناپیژندل شوی مخ