اسلام شريکان
الإسلام شريكا: دراسات عن الإسلام والمسلمين
ژانرونه
11
كما أدمج المدارس الأولية في المدارس الابتدائية (التي جعلها مع الحضانة ست سنوات) لكي يقضي على الازدواجية، التي طالب بإلغائها في «مستقبل الثقافة في مصر »، بحيث أصبحت هي أداة تنفيذ قانون الإلزام السابق ذكره.
ولا يتسع المجال للحديث عن السياق التاريخي والسياسي الذي تمت فيه هذه الخطوة الشجاعة الحاسمة، ولا عن رياح الاعتراضات والانتقادات التي هبت عليها من جانب السياسيين - حتى من داخل حزب الوفد نفسه - أو الفنيين من صفوة علماء التربية وغيرهم،
12
وذلك مع التسليم بأن معظمهم كانوا مؤمنين بمبدأ ديموقراطية التعليم مع اختلاف وجهات نظرهم في أولوياته ووسائل تطبيقه ... فالمهم بعد كل شيء أن طه حسين صمم على المضي قدما في مشروعه من دون أن يكترث بمشكلة التمويل الباهظ الذي تستطيع الدولة أن تدبره عن طريق الضرائب أو أي طريق آخر، وأنه رفض بكل قوة أن يؤجل إتاحة فرص التعليم لملايين الأطفال المصريين إلى مستقبل بعيد مجهول ...
كان ذلك هو المنتظر من رائد الحرية والتجديد، صاحب «المعذبون في الأرض» و«شجرة البؤس» وغيرهما، وشمس العقل العربي الحديث التي شعت بأضواء الاستنارة في كل اتجاه. ولا عجب بعد ذلك أن نجد الفيلسوف وناقد الثقافة فؤاد زكريا يقول بحق في كتابه «كم عمر الغضب؟»: «إن سياسة طه حسين التعليمية تمثل البداية الحقيقية للتحول الاجتماعي في مصر، لا في التعليم وحده، بل كذلك في إيجاد فرص العمل ودفع عجلة التقدم والنهضة ...»
13 (17) معنى النكبة (بيروت، دار العلم للملايين، 1948) ... ومعنى النكبة مجددا (بيروت، 1967م).
يعيد الأستاذ شتيبات في سنة 1985م قراءة هذا الكتيب الذي صار «علامة» على ضرورة النقد الذاتي العربي، وما يزال دائم الحضور في وجدان كل عربي اطلع عليه في طبعته الأولى بعد نكبة 1948م أو في طبعته الثانية بعد نكبة يونيو 1967م (التي حاولنا التخفيف من قسوتها ومرارتها فسميناها «نكسة») والكتيب المشهور من تأليف المؤرخ العربي الكبير قسطنطين زريق الذي وضع فيه برنامجا عاما لنهضة «الحصان العربي» من كبوته الأليمة، وعبر فيه عن فكره الليبرالي المتحرر من الأيديولوجيات التي كانت قد بدأت تصطخب على الساحة، والناطق بلغة العصر وحضارته العلمية وروحه الثورية ونزعته العقلانية النقدية. ومراجعة الأستاذ لهذا الكتيب تجري على مألوف عادته في وضع المشكلات التي يدرسها أو يناقشها في سياقها التاريخي الأشمل. ولذلك نراه يشير قبل حديثه عنه إلى كفاح البلاد العربية منذ الحربين العظميين في سبيل الاستقلال، وتجاربها المحبطة مع القوى الكبرى - لا سيما فرنسا وبريطانيا - وتأسيس الجامعة العربية في شهر مارس سنة 1945م لتوحيد كلمة العرب، والاستبشار بقيام منظمة الأمم المتحدة للاستماع إلى أصوات الدول الصغيرة ومساعدتها على تحقيق آمالها في التحرر الوطني. ثم جاءت الطعنة القاضية على آمال العرب وثقتهم في أنفسهم بإعلان قيام دولة إسرائيل في الرابع عشر من شهر مايو سنة 1948م، واستيلائها على جزء كبير من أرض فلسطين، وطردها للملايين من سكانها العرب. كان زرع سكين الكيان الصهيوني التوسعي، والمتحالف مع الغرب الإمبريالي والمسخر لخدمته، في قلب الوطن العربي بمنزلة «قلب» للمسار التاريخي الذي كان العرب يتوقعون منه أن يؤدي بشكل طبيعي إلى الاستقلال الوطني والحصول على حق تقرير المصير. وكان تأييد معظم الأصوات في الأمم المتحدة لقيام الكيان العدواني ضربة أخرى زلزلت إيمانهم بالحق والعدل وجاء فشل التدخل العسكري للدول العربية في إيقاف العدوان الصهيوني أشبه بجرعة أخرى من السم الذي سرى في الدم العربي ونشر فيه جراثيم الشك في حيوية الأمة العربية وقدرتها على التوحد للدفاع عن نفسها وتأكيد وجودها وحقوقها. وبدأ المفكرون والمثقفون العرب - كما حدث بعد النكبة التالية - في مراجعة النفس والتاريخ والموقف من العالم، وتحليل أسباب الهزيمة المفجعة ووصف الأدوية الناجعة، وتحديد الوسائل الكفيلة بمواصلة السير على طريق التحرر والتقدم. وكان هذا الكتيب الخطير من أهم المساهمات في هذا النقد الذاتي المؤلم والضروري في آن واحد ...
والمقدمة التي كتبها المؤلف لهذا الكتيب يرجع تاريخها إلى الخامس من شهر أغسطس سنة 1948م، كما أن طبعته الأولى ظهرت في الشهر نفسه، والثانية في شهر أكتوبر، أي إنه كتب أثناء اشتعال المعارك التي خاضتها بعض الجيوش العربية ضد العصابات الصهيونية وقبل توقيع اتفاقيات الهدنة في سنة 1949م. لم يكن المؤرخ الكبير يعيش في برج عاجي، بل إن عمله كسفير سوري في الولايات المتحدة ومندوب لسوريا في الأمم المتحدة قد ساعده على الانخراط في صميم الأحداث الجارية، والوعي الحاد بالمشكلات الحاضرة والتنبؤ «اليمامي» (نسبة إلى زرقاء اليمامة) بالمصائب القادمة. وهو يقول إنه أمسك بالقلم لكي يوضح فكره الخاص ويزيل الغموض والاضطراب من عقول مواطنيه، لا سيما الشباب والطلاب، أي إنه كتب بصفته أستاذا ومعلما يجمع في شخصه بين حياد العالم المتمكن وعقلانية المحلل القدير وعاطفة المواطن المشارك والمسئول.
وينطلق «زريق» في تأملاته وتحليلاته من وعي مرهف بجدية الموقف وخطورته، ويكفي دليلا على ذلك أنه لا يسمي ما حدث في فلسطين «نكسة» كما سيفعل غيره بعد ذلك، وإنما وصفه بأنه نكبة وكارثة. لقد لقي العرب هزيمة عسكرية وسياسية أدت إلى انهيار معنوي تمثل في تشككهم في أنفسهم وفي حكوماتهم. وأول علاج يصفه للتعامل مع النكبة والأسباب التي أدت إليها هو تقوية الشعور بالخطر مع تقوية إرادة النضال (ص19). فالعدو الذي هزم العرب هو الصهيونية، وهي حركة توسعية وإمبريالية لن تكتفي بتدمير الشعب العربي في فلسطين، بل ستهدد موارد البلاد العربية الأخرى ووجودها نفسه. ومع أنه يدرك تماما أن اليهود قد عانوا من الاضطهاد في أوروبا في فترات تاريخية مختلفة، وفي أيام هتلر والنازية على وجه الخصوص، فإنه يرفض أن يكون هذا مبررا للاستيلاء على فلسطين وتشريد شعبها العربي. ويتجلى تفاؤله - أو حسن نيته - وقت تأليف كتابه عندما يقول إن حل المسألة اليهودية مرهون بنشر التسامح واحترام الكرامة الإنسانية في العالم كله، بل إنه يؤكد استعداد العرب للتعايش مع اليهود في ظل نظام ديموقراطي (ص84).
ناپیژندل شوی مخ