247

Islam Q&A

موقع الإسلام سؤال وجواب

ژانرونه

إجابة عن إشكالات في آيات حياة المسيح ﵇ وموته
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا من متابعي موقعكم ولا أشك أبدًا في أن حرفا واحدا من القرآن قد تم تحريفه وأرجو أن تشرح لي اللبس في هاتين الآيتين الأولى في سورة مريم (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣) فما معني يوم أموت؟
وفي آية ") وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) النساء/١٥٩، فما معنى هذا؟) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) النساء/١٥٧
أدرس في الصين ولدي الكثير من الأصدقاء من أديان مختلفة ويسألوني عن القرآن وموقف الإسلام من عيسى ﵇، أحاول أن أجيب على أسئلتهم وأرجو أن تجيبني في أسرع وقت.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
بدايةً نشكر لك حرصك على السؤال عن أمر دينك، وسعيك للتبصر في تفسير كتاب الله جل وعلا، ونسأل الله أن يرزقنا وإياك العلم النافع،
أما فيما يتعلق بقوله تعالى: (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) مريم/٣٣، فقد قال الطبري في تفسيره:" وقوله ﴿والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا﴾ يقول: والأمن من الله عليَّ من الشيطان وجنده يوم ولدت أن ينالوا مني ما ينالون ممن يولد عند الولادة، من الطعن فيه، ويوم أموت، من هول المطلع، ويوم أبعث حيًا يوم القيامة أن ينالني الفزع الذي ينال الناس بمعاينتهم أهوال ذلك اليوم " [تفسير الطبري ٨ / ٣٤٠]
وقال القرطبي:" ﴿والسلام علي﴾ أي السلامة علي من الله تعالى. قال الزجاج ذكر السلام قبل هذا بغير ألف ولام فحسن في الثانية ذكر الألف واللام. وقوله: يوم ولدت يعني في الدنيا. وقيل: من همز الشيطان كما تقدم في «آل عمران» . ويوم أموت يعني في القبر. ويوم أبعث حيا يعني في الآخرة، لأن له أحوالًا ثلاثة: في الدنيا حيًا، وفي القبر ميتًا، وفي الآخرة مبعوثًا، فسلم في أحواله كلها " [تفسير القرطبي ١١ / ٩٨]
ومما سبق من أقوال المفسرين تعلم أن قوله ﴿ويوم أموت﴾ ليس معناه أنه قد مات، وإنما معناه أنه عند موته – وذلك بعد نزوله وقتله للدجال كما ثبت في الأحاديث – فإنه يسلم من الموت على غير الإيمان بالله تعالى، وهذا كما أنه قال ﴿ويوم أبعث حيا﴾ وليس معناه أنه قد بعث يوم القيامة!!، فكلامه ﷺ إنما هو عن أحواله في ولادته، وفي موته، وفي بعثه، ولا شك أنه سيموت، لكن كما دلت الآيات الأخرى التي سقتها، فإنه لم يمت بالقتل أو الصلب، وإنما رفعه الله إليه، وسيموت بعد نزوله من السماء، وقتله للدجال.
أما قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) النساء/ ١٥٩، فقد اختلف أهل العلم في مرجع الضمير في قوله ﴿موته﴾ على قولين:
القول الأول: أن مرجع الضمير إلى عيسى ابن مريم ﵇، وعلى هذا يكون معنى الآية، أنه ما من أحد من أهل الكتاب إلا سيؤمن بعيسى ﵇، وذلك قبل موته – أي عيسى -، فإنه إذا نزل من السماء، وقتل الدجال، فإنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية فلا يقبل إلا الإسلام، وحينها يؤمن أهل الكتاب به، قبل موته ﷺ، ويعلمون أنه حق، وأنه لم يمت من قبل، فالكلام في الآية عن علامة من علامات الساعة، وشرط من أشراط يوم القيامة، سيكون بعد نزول عيسى، وأنه قبل أن يموت في ذلك الزمان سيؤمن به أهل الكتاب. وقد ورد ما يؤيد هذا القول من قول أبي هريرة ﵁ بعد روايته للحديث الدال على نزول عيسى ﵇ في آخر الزمان، فعن أَبي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) النساء/١٥٩) . البخاري ٣١٩٢ مسلم ٢٢٠.
القول الثاني: أن مرجع الضمير إلى الكتابي نفسه، وعلى هذا يكون معنى الآية، أنه ما من أحد من أهل الكتاب إلا سيؤمن بعيسى ﵇، وأنه حق، وأنه لم يمت، وذلك عندما يعاين سكرات الموت، ويرى الحقائق والبراهين، فعند موت ذلك الكتابي سيعلم أن ما كان عليه هو الباطل، لكن لا ينفعه ذلك الإيمان حينئذ.
وعلى كلا القولين السابقين فليس في الآية دليل أو إشارة إلى موته ﷺ، وإنما الكلام – في القول الأول – على أمر غيبي سيحصل في المستقبل، وهو بلا شك سيموت ﵇، لكن بعد نزوله كما سبق، وعلى القول الثاني: فالمراد بقوله (قبل موته) أي موت الكتابي نفسه.
وقد رجح الطبري وابن كثير وغيرهما من أئمة التفسير القول الأول، قال ابن كثير:" وقوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) النساء/١٥٩ "، قال ابن جرير: اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، ﴿وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته﴾ يعني قبل موت عيسى، يوجه ذلك إلى أن جميعهم يصدقون به إذا نزل لقتل الدجال، فتصير الملل كلها واحدة، وهي ملة الإسلام الحنيفية، دين إبراهيم ﵇..... عن ابن عباس قال: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته، قال: قبل موت عيسى بن مريم ﵇. ... وعن الحسن ﴿وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته﴾ قال: قبل موت عيسى والله إنه لحي عند الله، ولكن إذا نزل آمنوا به أجمعون..... قال ابن جرير: وقال آخرون: يعني بذلك قبل موت صاحب الكتاب، ذكر من كان يوجه ذلك إلى أنه علم الحق من الباطل لأن كل من نزل به الموت لم تخرج نفسه حتى يتبين له الحق من الباطل في دينه. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في الآية، قال: لا يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى..... وقال ابن عباس: لو ضربت عنقه لم تخرج نفسه حتى يؤمن بعيسى.... وعن ابن عباس، قال: لا يموت اليهودي حتى يشهد أن عيسى عبد الله ورسوله.
قال ابن جرير: وأولى هذه الأقوال بالصحة القول الأول، وهو أنه لا يبقى أحد من أهل الكتاب بعد نزول عيسى ﵇ إلا آمن به قبل موت عيسى ﵇، ولا شك أن هذا الذي قاله ابن جرير هو الصحيح، لأنه المقصود من سياق الاي في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه، وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة ذلك، فأخبر الله أنه لم يكن كذلك، وإنما شبه لهم، فقتلوا الشبه وهم لا يتبينون ذلك، ثم إنه رفعه إليه، وإنه باق حي، وإنه سينزل قبل يوم القيامة، كما دلت عليه الأحاديث المتواترة ... فيقتل مسيح الضلالة، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية يعني لا يقبلها من أحد من أهل الأديان، بل لا يقبل إلا الإسلام أو السيف، فأخبرت هذه الآية الكريمة أنه يؤمن به جميع أهل الكتاب حينئذ ولا يتخلف عن التصديق به واحد منهم، ولهذا قال: وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته أي قبل موت عيسى ﵇ الذي زعم اليهود ومن وافقههم من النصارى أنه قتل وصلب، ويوم القيامة يكون عليهم شهيدًا أي بأعمالهم التي شاهدها منهم قبل رفعه إلى السماء وبعد نزوله إلى الأرض " [تفسير ابن كثير ١ / ٧٦٢]
ولا بد من التنبيه – أيها الأخ الكريم – على أن مناقشة النصارى لا بد أن تكون عن علم وبينة، حتى لا يكون الإنسان سببا في عدم قبول الناس للحق بسبب ضعف حجته، وإلا فليس عند النصارى حجة صحيحة أصلا، إلا إنهم يلقون بالشبهات ليزيفوا الحقائق، وليلبسوا الحق بالباطل، أعاذنا الله من طرق الزائغين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب

1 / 246