وقد يتعلق عليم بالمفعول بحرف خفض كما قال ﷿: ﴿عليم بذات الصدور﴾ فهذا في التأويل بمنزلة قولك: عالم بذات الصدور أي يعلمها، وذات الصدور أسرارها. فعليم وعالم في هذا سواء. وعلى مذهب سيبويه الذي ذكرناه لو قيل: عليم ذات الصدور في الكلام فعدي بغير حرف كان جائزًا، كما يجيز «هذا ضريب زيدًا» كما تقول «ضارب زيدًا».
وقد يأتي عليم على تأويل آخر يفارق فيه «علم»، وهو أن يراد بعليم مدح الذات بالعلم فيراد به أن ذاته عالمة لا يجوز عليه الجهل فيصير من باب ظريف، وشريف وكريم، ألا ترى أنك إذا قلت: «زيد ظريف» فلست تريد أنه فعل ظرفًا به وبغيره، إنما تصفه في ذاته بالظرف، وكذلك القول في كريم، وشريف ليس يراد بوصف الموصوف به أنه فعل كرما وشرفًا بغيره أو به إنما يوصف في نفسه بذلك فيخرج حينئذ عن حدود التعدي، ويفارق تأويل «فاعل»، ولذلك قال سيبويه: إذا بني فعليل من فعل متعد وأريد به إيقاع الفعل تعدى وجرى مجرى «مفعال»، و«فعال» وما أشبههما في المبالغة في إيقاع الفعل، وإذا بني من فعل غير متعد لم يتعد لأن أجل أحواله أن يكون بمنزلة الفعل الذي منه بني. وإذا بني من فعل متعد ولم يرد إيقاع الفعل وصرف إلى وصف الذات والمدح لم يتعد. هذا معنى مذهبه وإن لم يكن بألفاظه. وهذا كلام صحيح وإن كان أصحابه قد خالفوه فيه. وكذلك مذهب «عليم» في الوجه الثاني الذي ذكرته لك من مدح الذات بالعلم وأنها مخالفة لذات ما يجهل أو يجوز عليه الجهل لا أنه يراد به إيقاع الفعل.
فأما عالم فمتعلق بالمعلوم فهو موافق لعليم في الوجه الأول، ومخالف له في الوجه الثاني. وقد يكون المعلوم موجودًا وغير موجود في حال العلم به لأن العلم قد يتقدم بأشياء قبل كونها، وذلك يقع من الآدميين بالعرف والعادات، والاستدلال من نحو علم الإنسان باليوم الذي يلي يومه مستقبلًا أي يوم هو وبالشهر الذي يلي شهره وما أشبه ذلك، مما يكثر تعداده، وقد قال الشاعر وهو طرفة:
1 / 51