وذهب سائر فرق المجبرة من الأشعرية والكلابية والنجارية إلى أن الله تعالى مريد لجميع ما حدث من الكائنات، طاعة كان أومعصية، وأنه لا كائن في عالمه إلا وهو متعلق بإرادته، وما لم يحدث منها فإنه لا يريده طاعة كان أو معصية، (والدليل على ذلك) الذي ذهب إليه أهل العدل (أن الرضى والمحبة يرجعان إلى الإرادة)، فإذا قد قام الدليل على عدم الرضى، وعدم المحبة للقبيح كان غير مريد لهما، وبيانه أن الرضى والمحبة من جنس الإرادة وإن كانا لنوعين مخصوصين منها فالرضى اسم للإرادة المتقدمة المتعلقة بفعل الغير بشرط وقوع ذلك الفعل، والمحبة اسم للإرادة التي تطابق الداعي وقد يخلق الله فينا إرادة بما لاداعي لنا إليه كدخول النار فإنه يسمى إرادة ولا يسمى محبة.
فقول الشارح المحقق بترادفهما فيه ما فيه، (والذي يدل على ذلك) الذي ذهبنا إليه من العقل (أن إرادة القبيح قبيحة، والله تعالى لا يفعل القبيح) والعلم بذلك ضروري، (وهو مما لا خلاف فيه) في الشاهد عند زوال اللبس ووجوه الشبه، (ولهذا أن العقلاء يذمون من أراد القبيح كما يذمون من فعله، وتسقط منزلة المريد للقبيح كما تسقط منزلة من فعله)، وما ذاك إلا لكونه قبيحا ولا وجه لقبحه إلا كونه إرادة للقبيح، لأنا عند العلم بذلك نعلم قبحه وإن جهلنا كل أمر، وعند الجهل بذلك لا نعلم قبحه.
ولنا على ذلك أيضا أن الله تعالى لو كان مريدا للمعاصي لكان الفاعل لها مطيعا؛ لأن من فعل ما أراده المطاع وصفه أهل اللغة بأنه مطيع، وقولهم بل المطيع من فعل ما أمر به المطاع غير مسلم؛ لأن العبد يوصف بأنه مطيع لسيده وإن لم يصدر منه أمر حيث فعل مراده، وإن سلمنا فلا ينجيهم؛ لأن الأمر لا يكون أمرا إلا بالإرادة.
مخ ۷۳