وإنما قال: من سبق بوجوبه عقلا لأمرين: أحدهما: أنه (المؤدي) أي الموصل (إلى معرفة الله وهي) أي معرفة الله الإجمالية (واجبة) عقلا على كل مكلف من غير شرط، وذلك لأجل القيام بواجب شكره تعالى على ما أنعم، وشكره واجب عقلا، إذ شكر المنعم مركوز في العقول حسن القيام به ووجوبه، وجهل المنعم بكل وجه يستلزم الإخلال بشكره على المنافع الواصلة إلينا (ولا طريق للمكلفين إليها سواه) أي النظر، لامتناع أن يعرف الله بالبديهة، وإلا لما اختلف العقلاء فيه (ولا [ظ]) بالمشاهدة، وإلا لشاهدناه الآن، ومعلوم أنا لا نشاهده و(لا[ظ]) بالأخبار المتواترة، إذ من شروطها الاستناد إلى محسوس، وقد استحال، فلم يبق سبيل إلى معرفته تعالى إلا النظر، (ومالا يتم الواجب) الذي هو مشروط كالمعرفة (إلا به يكون واجبا كوجوبه) وإلا وقع الإخلال بالواجب، وقد قضى العقل بقبحه، وذهب كثير من المعتزلة وجماعة من الأئمة إلى أن الوجه لوجوب المعرفة كونها لطفا في واجبات عقلية، قيل: عملية من رد وديعة وشكر منعم ونحو ذلك.
فإن من عرف أن له صانعا إن عصاه عذبه، وإن أطاعه أثابه كان أقرب إلى فعل الطاعة، وترك المعصية فتجب؛ لأنها جرت مجرى دفع الضرر عن النفس، ودفعه واجب، وإنما جرت مجراه؛ لأنها تدعو إلى فعل الواجب وترك القبيح، وبهما يندفع الضرر فقد قربت إلى ذلك.
قالوا: لأن شكر المنعم لا يجب إلا بعد معرفته، ومعرفة إحسانه وتحصيل شرط الواجب ليجب لا يجب؟
مخ ۱۵