وعن الأصبغ بن نباتة قال: قام شيخ إلى علي -عليه السلام- بعد انصرافه من صفين فقال: أخبرنا عن مسيرنا إلى الشام أكان بقضاء الله وقدره؟ فقال علي -عليه السلام-: (والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما وطئنا موطئا، ولا هبطنا واديا، ولا علونا تلعة إلا بقضاء الله وقدره، فقال الشيخ: عند الله أحتسب عناي ما أرى أن لي من الأجر شيئا، فقال له: مه أيها الشيخ بل أعظم الله أجركم في مسيركم وأنتم سائرون، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين، ولا إليها مضطرين، فقال الشيخ: كيف والقضاء والقدر ساقانا؟ فقال: ويحك لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والوعد والوعيد والأمر والنهي، ولم تأت من الله لائمة لمذنب ولامحمدة لمحسن، ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء، تلك مقالة عبدة الأوثان وجنود الشيطان، وشهود الزور وأهل العمى عن الصواب، وهم قدرية هذه الأمة ومجوسها، إن الله تعالى أمر تخييرا، ونهى تحذيرا، وكلف يسيرا، ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكرها، ولم يرسل الرسل إلى خلقه عبثا، ولم يخلق السموات والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار، فقال الشيخ: فما القضاء والقدر الذي ما سرنا إلا بهما؟ قال: هو الأمر من الله والحكم، ثم تلى : {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه}[الإسراء:23] فنهض الشيخ مسرورا وقال:
أنت الإمام الذي نرجوا بطاعته
أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا ... يوم الحساب من الرحمن غفرانا
جزاك ربك عنا فيه إحسانا
فانظر في هذا الكلام الذي هو صريح في أنهم هم القدرية، وهو من كلام سيد البشر الصادق المصدق، ومن كلام باب مدينة العلم ومن هو على الحق والحق معه.
مخ ۶۶