ومما نستدل به على صحة ما نقوله في هذه المسألة السنة النبوية والإجماع، أما السنة فنحو قوله : ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) ، وقوله: ((نية المؤمن خير من عمله، ونية الفاسق شر من عمله)) وقوله : ((الأعمال بالنيات)) وأما الإجماع: فهو أن الرضى بقضاء الله واجب، ولو كان الكفر من قضاء الله تعالى لكان الرضى به واجبا لكن الرضى بالكفر كفر بالإجماع، فعلمنا أن الكفر ليس من فعل الله فلا يكن من خلقه، ذكر هذا بعضهم، (فثبت بذلك) الذي ذكرنا من الأدلة العقلية والنقلية (أن) العباد (أفعالهم منهم) لا من الله تعالى وبطل ما ذهب إليه المخالفون، وقد ألزموا بإلزامات في البسائط تقضي بكفرهم ولا محيص لهم عنها، ولله القائل: (أتظن أن الذي نهاك دهاك، إنما دهاك أسفلك وأعلاك) ، فيالله من سلب العقول وتضييع المعقول والمنقول.
تنبيه: واعلم أن المعتزلة قد اتفقت على انقسام فعل العبد إلى متولد، وهو الفعل الموجود بواسطة موجبة كالعلم الحاصل بواسطة النظر والمبتدئ يقابله، وهما يرادفان السبب والمسبب في أغلب الأحوال، ويفارقان المباشر والمتعدي مفارقة الأعم للأخص؛ لأن المباشر هو الموجود في محل القدرة عليه، والمتعدي هو الموجود في غير محلها بواسطة فعل في محلها، فكل متعد متولد ولا عكس، وكل مباشر مبتدئ ولا عكس، واختلفوا في المتولد، فالذي عليه الزيدية أن المتولد فعل العبد حقيقة وتأثيره كالمبتدئ، وإن اختلفا في أن أحدهما بواسطة والآخر بغير واسطة، وقال أبو عثمان الجاحظ: لا فعل للعبد مبتدئ إلا الإرادة فقط، وجميع ما عداها من الأفعال المنسوبة إليه فهو متولد، لكن لا من فعل العبد بل متولد بطبع المحل ولاتأثير لله تعالى فيه.
وقال تلميذه إبراهيم بن سيار النظام: المباشر سواء كان بواسطة أولا، فعل العبد، والمتعدي فعل الله تعالى لكن لم يجعله طبعا للمحل فهو فعله بواسطة ذلك الطبع .
مخ ۶۱