(وأما الأصل الثاني) وهو كونه تعالى محدثا كالأشياء، أو هي قديمة مثله (فهو معلوم انتفاؤه) بما تقدم من كون الباري تعالى قديما، إذ قد أقمنا عليه البرهان القطعي فلا يثبت كونه محدثا كالأشياء، ومن كون هذه الأجسام والأعراض محدثة، وقد بينا دليله القطعي فلا تثبت كونها قديمة، وإذا علمنا التخالف بالأدلة القطعية لم يصح دعوى المشابهة بينهما في حال من الأحوال.
فإن قيل: لا مانع من دعوى أن يقال هو قديم محدث أو هي قديمة محدثة.
قلنا: ذلك معلوم الانتفاء (ضرورة؛ إذ اجتماع النقيضين مستحيل تقتضيه فطرة العقول) وهذا الدليل من جهة العقل، وأما الدليل من جهة السمع فلا شك أن القرآن والسنة مشحونان بنفي التشبيه نحو قوله تعالى: {قل هو الله أحد}[الصمد:1] و{ليس كمثله شيء}[الشورى:11] وهو معلوم ضرورة من الدين، ووجه الاستدلال ب {قل هو الله أحد} أنه لو كان جسما لم يكن واحدا؛ لمماثلة الأجسام له، وهذا مأخذ حسن، والاستدلال بالسمع هنا إنما هو من طريق الجدل على من يقر بالسمع، فأما من جهة العلم فقيل: إنه لا يصح؛ لأن صحة السمع تنبني على العدل، والعدل ينبني على إنه عالم لذاته وغني لذاته والجسم ليس كذلك.
مخ ۴۱