وإنما قلنا: أنه استدلالي؛ لأنه لو كان ضروريا لكان بديهيا؛ لأن الضروري الحاصل عن طريق ليس إلا عن المشاهدة، أو الأخبار المتواترة، أو عن الخبرة والتجربة على قول، ولا شيء من هذه الطرق حاصل ههنا، ولو كان بديهيا أيضا لاشترك العقلاء فيه، وفيه خلاف ثمامة فإنه يقول: لا محدث للمتولدات مع اعترافه بحدوثها، وعوام الملحدة يقرون بحدوث الدجاجة والبيضة ولا يقرون بمحدث، وكذلك سائر الحوادث اليومية.
(فثبت) بما تقرر من الأدلة (أن لهذا العالم صانعا صنعه، ومدبرا دبره وهو الله) وفيه مخالفة الفلاسفة القائلين بالعقول والأنفس، والباطنية القائلين بالسابق والتالي، وأهل الطبع وأصحاب النجوم، لنا: أنها إما أن تكون أحدثت نفسها أو غيرها، والأول باطل؛ لأنها حالة العدم يستحيل أن تقدر فضلا عن أن تؤثر في نفسها، وحالة الوجود تستغني عن المؤثر، وإن أحدثها غيرها فهو إما مختار كما نقول، أو موجب، الثاني باطل؛ لأن ذلك الموجب إن كان محدثا عاد الكلام في محدثه حتى ينتهي إلى المختار، وإن كان قديما لزم أن تحصل الأجسام دفعة واحدة في جهة واحدة، بل في كل الجهات؛ لأنه لا يخصها بوقت دون وقت، وجهة دون جهة إلا المختار، ويلزم أن تكون لصفة واحدة؛ لأنه ليس بعضها بأن يوجب كون الماء ماء والطين طينا أولى من العكس، ولا بأن يوجب كون الماء رطبا والطين يابسا أولى من العكس.
فإن قال: إنما لم توجب في الأزل لحصول مانع أو فقد شرط.
قيل له: ذلك المانع إن كان محدثا عاد الكلام في كون محدثه مختارا أوموجبا، وإن كان قديما استحال عليه الزوال، فلا يوجد العالم أبدا لاستمرار المانع.
ويقال للفلاسفة: أي شيء العقول والنفوس وما الدليل على ثبوتها؟ وإذا كانت قديمة فلم كان البعض بأن يؤثر في البعض أولى من العكس؟ ولم كان البعض بأن يكون عقلا والآخر نفسا أولى من العكس؟ وما الدليل على أن الأفلاك حية وأن لها نفوسا؟
مخ ۲۴