بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أرشد الحائر إلى أحسن الذخائر، أحمده حمد عبد موحد شاكر، وأوحده توحيد عبد خاضع صابر.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ سيد ولد آدم من غير كبر ولا تفاخر، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأكابر والأصاغر، وسلم تسليما.
وبعد: فهذا كتاب: (إرشاد الحائر إلى علم الكبائر)، وسألت الله أن ينفع به كاتبه وقارئه وجميع المسلمين، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
منها: الشرك.
وهو من أكبر الكبائر، ولا يخرج صاحبه من النار، إلا أن يشاء الله تعالى.
مخ ۲۱
ومنها: ترك الصلاة.
وهي معظمها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((بين المسلم والكفر: ترك الصلاة، فمن تركها فقد كفر)).
وكذا ما لا تصح مع عدمه، كالطهارة؛ والسترة؛ وعدم اجتناب النجاسة؛ وعدم استقبال القبلة؛ وعدم النية؛ وعدم الإتيان بأركان الصلاة والواجبات؛ إذا تعمدها ونحو هذا.
مخ ۲۲
فهذه وجميع ما لا تصح الصلاة إلا به؛ أو لا تصح معه ويأتي به: لا تصح الصلاة ممن فعل هذا، وإذا لم تصح صلاته فكأنه لم يأت بها، وتركها من الكبائر.
واختلف أصحاب الإمام: هل يقتل تارك الصلاة حدا أو كفرا؟ على روايتين.
مخ ۲۳
والصلاة عندهم: أن تركها من الكبائر، وأن تاركها يقتل، لكن هل يقتل بعد ترك صلاة واحدة وضيق وقت الثانية؟ أو حتى يترك ثلاثا ويضيق وقت الرابعة؟ أو حتى يتركها ثلاثة أيام؟ فيه ثلاث روايات.
ولا خلاف فيه أنه يقتل بالسيف، ويقتل من جحد وجوبها، ولا يقتل في جميع الصور حتى يستتاب ثلاثا، فإن تاب وإلا قتل.
ومنها: الزكاة.
فمن تركها عالما بالتحريم: كفر، وإن تركها بخلا عرف، فإن أصر كفر، وإذا كفر قتل، فإن قاتل عليها قتل.
وهذا في سائر الزكاة في زكاة المال؛ والسائمة؛ والخارج من الأرض؛ والأثمان؛ وعروض التجارة؛ والفطرة.
مخ ۲۴
وهل يقتل حدا أو كفرا؟ فيه أيضا روايتان، والله أعلم.
ومنها: الصيام.
فمن أفطر رمضان أو بعضه مع القدرة والعلم بالتحريم: فهو من الكبائر، ويؤمر به، ويقتل مع الإصرار على الترك.
وكذا من جامع في نهار رمضان وهو به عالم ذاكر: فهو من الكبائر، لأنه أفسد صومه.
ومنها: إذا جحد الحج أو وجوبه.
وإنما لم أقل: إن ترك الحج من الكبائر: لأن الحج على التراخي، لكن حيث قلنا: إنه على الفور وتركه: فهو من الكبائر، وحكمه حكم باقي العبادات، والله أعلم بالصواب.
ومنها: إذا أعان الكفار على المسلمين: فهو من الكبائر.
وإن قيل: لم لا تقولوا: الجهاد تركه من الكبائر؟ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((من لم يغزو ولم تحدثه نفسه بالغزو: مات على شعبة من النفاق)).
قيل: الجواب من وجوه:
أحدها: أن هذا لأجل الترغيب في الجهاد.
مخ ۲۵
والثاني: أن الجهاد كان في بدء الإسلام فرض عين، ثم نسخ، فيكون هذا في بدء الإسلام.
ومنها: من حرم البيع، أو أباح البيع المحرم: فهو من الكبائر.
ومنها: من أباح الربا، فهو من الكبائر.
وكذا من عامل به أو فعله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن: ((آكل الربا وموكله)).
ومنها: من أكل مال غيره بغير حق، أو ظلمه، أو غصبه: فهو من الكبائر.
فإن فعل: استحل منه ما استطاع، فإن مات فمن ورثته، وعن أحمد مثل هذا؛ ذكره في كتاب (الأدب الشرعي)، والله أعلم.
ومنها: منع الوارث عن ميراثه: من الكبائر.
ومع هذا فلا يسمع من الميت إذا فعل هذا، ويدفع إلى الوارث ميراثه.
ومنها: إن نكح الأم والجدة وإن علت، والبنت وإن نزلت.
مخ ۲۶
وبنت الأخت وبنت الأخ، ومن أرضعته وبنتها وأختها، وأم زوجته، وبنتها، وأم من يلوط به وبنته، وأم الفاعل وبنته على المفعول به، ونكاح الملاعنة، والجمع بين الأختين، والمرأة وعمتها وخالتها، وملك اليمين بين الأختين في الوطء، والجمع بين أكثر من أربع نسوة للحر، وأكثر من اثنتين للعبد، ونكاح امرأة غيره، والمطلقة ثلاثا قبل أن تنكح زوجا غيره، والزانية قبل التوبة، والمستبرأة، والمعتدة، ونساء غير أهل الكتاب: من الكبائر، لأنه كالزنا.
ومنها: فعل المحلل: من الكبائر.
لأنه زنا محض بلا خلاف، لأن فعله لم يقله أحد، وحكمه حكم الزاني، والله أعلم.
ومنها: من استحل المطلقة ثلاثا: فهي كبيرة.
لأنها ليست زوجته.
ومنها: إذا لاعن زوجته وهو كاذب عليها، متحقق كذب نفسه: فهو من الكبائر.
ومنها: إن قتل النفس التي حرم الله تعالى من الكبائر.
وهي أعظم الكبائر، ولا يوجد أكبر منها، لأن الله تعالى يقول: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما}.
مخ ۲۷
{فجزاؤه جهنم خالدا فيها}: هذا من أعظم الأمر في هذا الباب، {وغضب الله عليه}، فغضب الله أشد من الأول، {ولعنه وأعد له عذابا عظيما}.
وفي السنة شيء كثير من هذا، وتوعده الله بأربع عقوبات هي أعظم شيء يكون وعد بها.
ودائما شيخنا الشيخ زين الدين بن الحبال يقول: (يتعلق بالقاتل ثلاث حقوق: حق الورثة، وحق الميت، وحق الله تعالى).
فإنه لا بد أن يقف هو وقاتله بين يدي الله عز وجل، ويقول: ((يا رب سله فيم قتلني)).
مخ ۲۸
وهذه الخطيئة التي لا تقال، وأعظم الذنوب، فإنه متعلق بالله وبالخلق، فإن ما كان متعلقا بالله: قد يعفو الله عنه إذا تاب، وما كان متعلقا بالخلق: أمره مشكل، فنسأل الله العفو والعافية.
ومنها: الإعانة على القتل، ولو بالكلام.
وفي الحديث: ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة فيهوي بها في النار سبعين خريفا)).
فأما قتل الذمي وغير الحربي: فيحتمل أنه ليس من الكبائر، ويحتمل أن يكون منها، لأنه فيه الدية، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من ظلم ذميا كنت خصمه يوم القيامة)).
مخ ۲۹
ودليل الأول: قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبدا)).
فظاهره: الكافر مطلقا.
مخ ۳۰
ومنها: الزنا
فإنه من الكبائر، وأعظم المفاسد وأقوى الجرائم، وعقوبته أعظم العقوبات في الدنيا والآخرة، فإنه إن كان غير محصن: فحده الجلد والتغريب، جلد مائة وتغريب عام، وإن كان محصنا: فحده الجلد والرجم حتى يموت في إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله ورضي عنه.
والرواية الثانية: أن حده الرجم فقط، والله أعلم.
ومنها : اللواط.
وهو أعظم من الزنا وأشد، وهو إتيان الذكور في الأدبار، وهي الخطيئة التي تورث الدمار، وتخرب الديار، ومن أصر عليها خشي أن يموت على غير الإسلام ويدخل النار.
وهي أعظم المفاسد، وعقوبتها أعظم من عقوبة الزنا، فإنها على روايتين عن الإمام أحمد، إحداهما: حده كحد الزاني، من جلد البكر وتغريبه، ورجم الثيب وجلده.
والرواية الثانية عن الإمام أحمد: أن حده الرجم حتى يموت بكل حال.
ولتعلم أن في زمننا هذا أناسا مزوجين، ويحبون الزنا واللواط أكثر من نسائهم الحلال، فنسأل الله العفو والعافية.
مخ ۳۱
فائدة: وطء البهيمة: هل هو من الكبائر أو من الصغائر؟ فالذي ينبغي أن يكون من الصغائر، لأن ليس عليه فيه الحد، ويحتمل أنه من الكبائر، لأنه يجب قتل البهيمة، وتحريم أكل لحمها، وفيه مفسدة.
ومنها: شرب الخمر من الكبائر.
وفيه الحد ثمانين إن كان حرا، وأربعين إن كان عبدا، هذا هو الصحيح من مذهب الإمام أحمد، والرواية الثانية: يحد بأربعين في حق الحر، وعشرين في حق العبد.
وفي الحد بوجود الرائحة إذا لم يتحقق السكر: روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله ورضي عنه.
ومنها: السرقة من الكبائر أيضا.
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن)).
وقد أوجب الله عز وجل عليه قطع اليد، وقطع اليد لا يكون إلا في كبيرة، والله أعلم بالصواب.
مخ ۳۲
ومنها: قطع الطريق أيضا من الكبائر.
وهو أعظم من السرقة.
ومنها: الردة من أعظم الكبائر.
وذلك أن من سب الله تعالى أو رسوله؛ أو جحد ربوبية الله عز وجل؛ أو جحد العبادات الخمس؛ أو أحل ما يحرم وحرم ما يحل؛ أو أنكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى الخلق عامة؛ ونحو هذا.
وقد ذكر في كتب الفقه: كل ما يرد عن الإسلام.
ولا شك أن المرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وهل تقبل توبة الزنديق ومن تكررت ردته؟ على روايتين.
فائدة: تسقط المعاصي بالحسنات،
مخ ۳۳
ولا تسقط الحسنات بالمعاصي ، وتسقط الحسنات بالردة، فإن عاد إلى الإسلام: فهل تعود حسناته؟
فالصحيح: أنها لا تعود، والله أعلم.
ومنها: السحر من الكبائر.
وأعظمه الذي يركب المكنسة فتطير في الهواء، ويحيي ويميت، فإنه يكفر ويقتل، والذي يسحر بالأدوية: لا يكفر ولا يقتل، لكن ما أتلف ضمنه، وكذا من يزعم أنه يخاطب الجن، ويحادثها ويجمعها: فهي من الكبائر.
ومنها: التنجيم والطلسمانات والزندقة والأبواب النارنجية من الكبائر، والله أعلم.
ومنها: قتل نفسه من الكبائر.
وهي كبيرة عظيمة جدا.
مخ ۳۴
ومنها: عقوق الوالدين من الكبائر.
وهي كبيرة عظيمة ملحقة بشرب الخمر ونحوه، ولو لم يحد فيه حد.
وعقوق الأم أقوى من عقوق الأب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بها ثلاثا وبالأب مرة.
ومنها: الغيبة والنميمة.
على خلاف فيهما، فكونهما من الكبائر: لما جاء في القرآن والأحاديث الصحاح، وكونهما ليسا من الكبائر: كون لا شيء فيهما.
مخ ۳۵
ومنها: استحلال محرم.
كالميتة والذئب والقرد والحمار ونحوهم من الكبائر، والله أعلم.
ومنها: اليمين الغموس من الكبائر.
خصوصا بالقرآن، فإن عند أحمد رواية: أنه يلزمه بعدد كل حرف كفارة.
ومنها: الرفض.
وهو بغض الصحابة أو أحدا منهم، سواء أبو بكر أو عمر أو عثمان أو علي أو كائن من كان فهي من الكبائر، وهي كبيرة عظيمة، وأكبر من الزنا وشرب الخمر وأكل الميتة واللواط، والله أعلم.
ومنها: جحد شيء من صفات الله تعالى.
مخ ۳۶
أو جحد أنه ليس على العرش والكرسي، ولا فوق السبع سماوات، أو أنه لا ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا، فهي من الكبائر.
مخ ۳۷
ومنها: أن من كيف صفات الله تعالى، أو شبهه بخلقه، أو عطل، أو جسم، أو قال: إن الله بكل مكان، فهي من الكبائر.
ومنها: أن من جحد أن لله وجها أو يدين أو رجلين، أو أنه يضحك، أو أنه يرى في الآخرة، أو جحد كبريائه أو جماله وأي شيء من باقي الصفات، فهي من الكبائر.
ومنها: أن من جحد أن الله يحيي ويميت، ويرزق ويخلق، ويضر وينفع، ويهدي ويضل، ويرحم ويغضب، ويقدر الخير والشر وجميع الأشياء، وأن ليس بيد غيره ضر ولا نفع ولا شيء، فهي من الكبائر.
ومنها: من لم يقل بعذاب القبر وعذاب النار، وأن جهنم حق والنار حق والجنة حق والصراط حق والبعث حق والنشور حق والساعة حق ومحمد حق وسؤال الملكين حق، وجميع ما صح من هذه الأشياء حق، فهي من الكبائر، والله أعلم.
ومنها: أن من لم يقل: القرآن كلام الله غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود.
وجميع ما قيل فيه من أنه غير كلام الله ونحوه، وقد ذكر في محله في كتبه: فهو من الكبائر.
مخ ۳۸
ومنها: أن من لم يصل الجمعة والعيدين والكسوف والاستسقاء وعلى الجنائز، ويعتقده، ويعتقد المسح على الخفين فهي من الكبائر.
ومنها: المتعة من الكبائر.
ومنها: شهادة الزور من الكبائر.
ومنها: لعب الشطرنج.
على خلاف فيه، والصحيح: أنه من الصغائر.
مخ ۳۹
ومنها: مزمار الراعي والزمر ودف الصنج والسماع الشيطاني.
على خلاف فيهم، والصحيح: أنهم من الصغائر.
فصل: قال ابن القيم في آخر كتاب: (إعلام الموقعين)
بعد أن ذكر أشياء من الكبائر -ذكرناها، منها: قول الزور، والزنا، والشرك، وقتل الولد مخافة أن يطعم معه-: (فصل: ومن الكبائر: ترك الصلاة، ومنع الزكاة، وترك الحج مع الاستطاعة، والإفطار في رمضان بغير عذر.
وشرب الخمر، والسرقة، والزنا، واللواط، والحكم بغير الحق، وأخذ الرشا على الأحكام.
مخ ۴۰