وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ إِلَّا بَعْضُ مَنْ قَالَ بِتَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ* وَقَدْ تَقَدَّمَ ١ بَيَانُ فَسَادِ قَوْلِهِمْ.
فَتَقَرَّرَ بِهَذَا أَنَّ الْمَجْنُونَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ الَّذِي لَمْ يُمَيِّزْ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَفْهَمَانِ خِطَابَ التَّكْلِيفِ، عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ.
وَأَمَّا لُزُومُ أَرْشِ٢ جِنَايَتِهِمَا وَنَحْوُ ذَلِكَ: فَمِنْ أَحْكَامِ الْوَضْعِ، لَا مِنْ أَحْكَامِ التَّكْلِيفِ.
وَأَمَّا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ تَمْيِيزُ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ، لَكِنَّهُ تَمْيِيزٌ نَاقِصٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَمْيِيزِ الْمُكَلَّفِينَ.
وَأَيْضًا: وَرَدَ الدَّلِيلُ بِرَفْعِ التَّكْلِيفِ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ: "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ" ٣.
وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِي طُرُقِهِ مَقَالٌ، لَكِنَّهُ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ طُرُقِهِ مِنْ قِسْمِ الْحَسَنِ، وَبِاعْتِبَارِ تَلَقِّي الْأُمَّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ، لِكَوْنِهِمْ بَيْنَ عَامِلٍ بِهِ، وَمُؤَوِّلٍ لَهُ، صَارَ دَلِيلًا قَطْعِيًّا.
وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ: "مَنِ اخْضَرَّ مِئْزَرُهُ فَاقْتُلُوهُ" ٤ وَأَحَادِيثُ: النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الصِّبْيَانِ حَتَّى يَبْلُغُوا كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ ﷺ فِي وَصَايَاهُ لِأُمَرَائِهِ، عِنْدَ غَزْوِهِمْ لِلْكُفَّارِ٥، وأحاديث أنه ﷺ كان لا
_________
* ما بين قوسين ساقط من "أ".
_________
١ انظر صفحة "٣٣".
٢ الأرش هو دية الجراحات والجمع أروش ا. هـ المصباح المنير مادة أرش.
٣ أخرجه أحمد عن عائشة بلفظ: "رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستقظ، وعن الغلام حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفق" "٦/ ١٠٠، ١٠١" والدارمي عن عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة "٢/ ١٧١".
ومن طريق يزيد بن هارون عن حماد بن سلمة: أخرجه أحمد "٦/ ١٤٤"، وأبو داود في الحدود: باب في المجنون يسرق أو يصيب حدًّا "٤٣٩٨". وأخرجه النسائي في الطلاق: باب من لا يقع طلاقه من الأزواج "٦/ ١٥٦". وابن ماجة في الطلاق: باب طلاق المعتوه النائم والصغير. "٢٠٤١".
وابن الجارود في المنتقى "١٤٨" من طريق عبد الرحمن بن مهدي، عن حماد بن سلمة. وصححه الحاكم "٢/ ٥٩" من طريق أبي الوليد الطيالسي، وموسى بن إسماعيل.
وابن حبان في "صحيحه" كتاب الإيمان باب التكليف رقم "١٤٢".
٤ الحديث: أخرج بنحوه ابن حبان في صحيحه "٤٧٨٢" وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه "١٨٧٤٣" وابن ماجه في كتاب الحدود باب من لا يجب عليه الحد "٢٥٤١" بلفظ" "سمعت عطية القرظي يقول: عرضنا على رسول الله ﷺ يوم قريظة فكان من أنبت قتل، ومن لم ينبت خلي سبيله فكنت فيمن لم ينبت فخلي سبيلى". وأخرجه البيهقي كتاب الحجر باب البلوغ بالإنبات. "٦/ ٥٨".
وقوله من أخصر مئزره كتاب عن قوله: من نبت شعر عانته. ومثله قول سيدنا عثمان حينما أتي بغلام قد سرق فقال: انظروا إلى مؤتزره، فنظروا فوجدوه لم ينبت فلم يقطعه. ا. هـ. انظر مصنف عبد الرازق "١٨٧٣٥".
٥ أخرجه البيهقي في السنن في كتاب السير باب ترك قتل من لا قتل فيه من البرهان والكبير وغيرها ٦/ ٩٠. عن ابن عباس ﵄. بلفظ: عن رسول الله ﷺ أنه كان إذا بعث جيوشه قال: "اخرجوا بسم الله فقاتلوا في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تغلوا، ولا تقتلوا الولدان ولا |أصحاب الصوامع" والطبراني في المعجم الكبير من حديث جرير "٢٣٠٤". وأبو يعلى في مسنده "٢٥٤٩". وأحمد في مسنده ١/٣٠٠.
1 / 37