Irshad al-Faqih ila Ma'rifat Adillat al-Tanbih
إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه
پوهندوی
بهجة يوسف حمد أبو الطيب
خپرندوی
مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
١٤١٦ هـ - ١٩٩٦ م
د خپرونکي ځای
بيروت - لبنان
ژانرونه
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وبه نستعين وبعد:
- كلمةٌ في التعريفِ بكتابِ التنبيهِ، والإمامين الجلَيلينِ المُصَنِّفِ والشارحِ رحمَهما اللهُ تعالى على وَجهِ الإيجاز والاختصارِ -
إن الحمدَ للهِ نحمدهُ ونستعينهُ، ونستهديهِ ونستغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ من شرور أنفسِنا وسيئاتِ أعمالنا، مَنْ يَهْدهِ اللهُ فلا مُضلًّ لهُ، ومَنْ يُضللْ فلا هاديَ لَهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك لهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدهُ ورسولهُ، " يا أيُّها الذينَ آمنوا اتَّقوا الله حق تقاتِهِ ولَا تَمُوتنّ إلاّ وأنْتُم مسلمون "، " يا أيُها الناسُ اتّقُوا رَبَّكُمْ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحدَةٍ وخَلَقَ مِنها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كثيرًا ونِسَاءً واتّقوا اللهَ الّذي تَسَاءَلونَ بهِ والأرحَامَ إنَّ اللهَ كانَ عَلَيكمْ رَقيبًا "، " يا أيُّها الّذينَ آمَنُوا اتّقوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَديدًا يُصلحْ لَكُمْ أعْمالكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزًا عظيمًا ".
اللهُمَّ صَلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما صَلّيتَ على إبراهيمَ وعلى آل إبراهيمَ إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ، اللهُمَّ بارِك على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ.
أمَّا بعدُ:
فالحمدُ للهِ الذي جعلَ الخيرَ في محمدٍ وأمّتِهِ إلى يوم القيامَة، الذي قضى في سابقِ علمهِ وموجبِ حكمتهِ ورحمتهِ أن لا تخلوَ الأرضُ مِن قائمٍ للهِ بحجّتِهِ فجعلَ منهم في كلِّ قَرْنٍ مَنْ يُجدّدُ لهذهِ الأمّةِ المرحومَةِ المفضّلةِ أمرَ دينِها، يحمل هذا العلمَ من كلِّ خَلَفٍ عُدولُهُ، وهم غَرْسُ اللهِ الذين لا يزالُ سبحانهُ يَغرسهُ ليحفظَ لهذهِ الأمّةِ دينَها من التحريفِ، وشريعتَها من التزييفِ حتى يَرِثَ اللهُ الأرضَ ومَنْ عَليها وهو خيرُ الوارثين،
1 / 5
وذلكَ من فضلِ اللهِ ورحمتِهِ على الناس ولكن أكثرَهمْ لا يَعلمون.
وكانَ من هؤلاءِ العلماءِ الأعلامِ الذين تعهَّدَ اللهُ بهم دينَهُ وأمّتَهُ الإمامُ الكبيرُ الشيخُ أبو إسحاقَ الشيرازيُّ: إبراهيمُ بنُ عليِّ بنِ يوسفَ الفيروزأبادي وهي قريةٌ من قرى فارسٍ، وقيلَ: هي مدينةُ خُوارزم، شيخُ الشافعّيةِ ومُدَرّسُ النظامّيةِ ببغداد كما وَرَدَ في البداية والنهاية للشارحِ الإمام ابن كَثير ﵀ (١٢/ ١٢٤)، تفقّهَ على أبي عبد اللهِ البَيْضاوِيِّ بفارس، ثُمَّ قَدِمَ بغدادَ عامَ خمسَ عشرةَ وأربعمائةٍ، فَتَفَقّهَ على القاضي أبي الطيِّب الطّبَريِّ، وسمعَ الحديثَ من ابن شاذان والبَرقانيِّ وكان زاهدًا عابِدًا وَرِعًا كبيرَ القدر مُعَظَّمًا مُحترمًا، إمامًا في الفقهِ والأصولِ والحديثِ وفنونٍ كثيرةٍ، ولَهُ المُصَنَّفاتُ الكثيرةُ النافعةُ، كيف لا؟، وهو صاحبُ المُهَذَّبِ في المَذْهب، وكتابِ التنبيهِ هذا، ولهُ أيضًا كتابُ النُّكتِ في الخلافِ واللمعِ في أصولِ الفقهِ، وكتابُ التبصرةِ، وطبقاتُ الشافعيةِ وغير ذلك، ولو لمْ يكنْ له إلا كتابُ المهذّبِ أو التنبيهِ لكفاهُ فضلًا وعلَمًا، حيث أصبحَ عَلمًا عليهِ حتى قيلَ لهُ: صاحبُ المهذَّبِ أو التنبيهِ، وذلك لما أولاه العلماءُ من بعدهِ من اهتمامٍ وتقديرٍ لهما، يتجلّى ذلكَ في كثرةِ وجلالة من تَناولَهما بالشرحِ والتعليقِ، وبيانِ أهميتها لا سّيما في المذهب الشافعيِّ الذي اعتُبِرَتْ فيهِ كأساسٍ للبنيانِ الفقْهيِّ فيهِ، فقد شرحَ المهذّبَ الإمامُ المُحدِّثُ الورعُ النواويُّ ﵀ ولمْ يتمَّهُ بَلْ وصلَ فيهِ إلى الحجِّ أو الرّبا ثمَّ أتمَّهُ العلماءُ من بعدِهِ وسمّاه (المجموعَ) وهو من أجلِّ الكتبِ وأنفعِها في الفقهِ والحديثِ والأصولِ، وقد وصفَهُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ في البدايةِ والنهايةِ (١٣/ ٢٨٩) بقولِه: وممّا لم يُتمّهُ ولو كمُلَ لم يكنْ لَهُ نظيرٌ في بابهِ: شرحُ المهذَّبِ الذي سماهُ (المجموعَ) وصَلَ فيهِ إلى كتاب الرِّبا، فأبدَعَ فيهِ وأجادَ وأفادَ وأحسنَ الانتقادَ، وحرَّرَ الفقهَ فيهِ في المذهبِ وغيرِهِ، وحرَّرَ الحديثَ على ما ينبغي وغير ذلكَ ولا أعرفُ في كتبِ الفقهِ أحسنَ منهُ. انتهى كلامهُ.
قلتُ: وأما كتابُنا الذي نحنُ بصدد التنويهِ بهِ والتعريفِ وبيانِ أهميتهِ وفضلِهِ، فقد كانَ لهُ من الشُّهرةِ والمنزلةِ عندَ العلماءِ نظيرُ ما كان للمهذَّبِ أو قد يزيدُ عليهِ، فقد كانَ الطلبةُ من أهلِ العلمِ وكبارِ العلماءِ يحفظونَهُ عن ظهرِ قلبٍ في بدايةِ حياتهم
1 / 6
العلميةِ كما تُحفَظُ السورةُ من القرآنِ، فقد جاء في ترجمةِ الإمام الكبير النَّواويِّ ﵀ في البدايةِ والنهايةِ (١٣/ ٢٧٨) وتذكرةِ الحُفّاظِ (٤/ ١٤٧٠ - ١٤٧٢)، أنهُ حفظَ التنبيهَ في أربعةِ أشهرٍ ونصفٍ، وقرأَ رُبُعَ المهذّبِ، ثمَّ صنَّفَ كتابين على التنبيهِ أحدُهما سُمّي (تحريرَ الألفاظ للتنبيه)، والآخر (العُمدةَ في تصحيح التنبيهِ)، وهكذا تداولَهُ العلماءُ من بعدِهِ بالعنايةِ دراسةً وحفْظًا، وشَرْحًا وتعليقًا عليهِ، شعرًا ونثرًا، وكانَ شارحُهُ الإمامُ ابنُ كثير ممن حفِظَهُ أيضًا ثمَّ وضعَ عليه شرحَهُ الكبيرَ المفيدَ الذي هو كتابنا الذي نحنُ بصددِ الكلامِ عليهِ والتعريفِ بهِ، كما ذكرَ ﵀ ذلك في مُقدِمةِ الشرح حيثُ قالَ: لما كانَ كتابُ التنبيهِ في الفقهِ للإمامِ أبي إسحاقَ الشيرازيِّ من الكتب المشهورةِ النافعةِ، وكنتُ ممّن مَنَّ اللهُ عليهِ بحفظِهِ، ورأيتُ أنَّ الفائدةَ لا تتمُ بدونِ معرفةِ أدلّتِهِ، استَخَرتُ اللهَ في جمعِ أحكامٍ على أبوابِهِ ومسائلِهِ أولًا فأولًا حَسب الإمكان. . . . ثمَّ سرَدَ الكلامَ في ذلك.
قلتُ: ولمْ يقتصرِ الاهتمامُ بهِ وشرحهِ على هذين الإمامينِ الجَليلين بلْ اعتنى بهِ وشرحَهُ علماءُ آخرون لا يقلّون علمًا وفَضْلًا عمّن ذَكَرْنا، كما تبيّنَ لنا من مُراجعةِ كتابِ البدايةِ والنهايةِ فقط حتى إنَّ من شرحَهُ منهم أصبحَ ذلك عَلَمًا عليهِ يُعْرَف بهِ ويُشادُ بفضلهِ بهِ، كما ذكر الإمامُ ابنُ كثيرٍ في البدايةِ والنهايةِ (١٣/ ١١١) في ترجمةِ الإمامِ أبي الفَضْلِ أحمدَ بنِ الشيخِ كمالِ الدين أبي الفتحِ موسى بنِ يونس بنِ محمدِ بنِ منعةَ بن مالكِ بنِ محمد بنِ سعد بنِ سعيد الإرْبليِّ الأصلِ ثمَّ المَوْصليِّ من بيتِ العلمِ والرئاسةِ، حيثُ ذكرَ من أعمالِهِ العلميّةِ: شرح التنبيهِ بلْ إنَّهُ جَعَلَ شرْحَهُ خذا عُنْوانًا عليهِ في أولِ ترجمتِهِ فقالَ: ابن يونُس، شارحُ التنبيهِ، هكذا ذكرَهُ وأشادَ بهِ وليسَ ذلك إلا لِما لهذا الكتابِ من أهميةٍ ومنزلةٍ لمْ يبلُغْها غيرُهُ عندَهم، وهكذا استمرَّ العلماءُ على هذا المنْوالِ، فمنهم: البَيْضاويُّ: الإمامُ ناصرُ الدين عبدُالله بنُ عمرَ الشيرازيُّ قاضيها وعالمُها وعالمُ اذْريبجانَ ولكلّ النواحي كما جاءَ في البدايةِ والنهايةِ (١٣/ ٣٠٩) فذكرَ في جُمْلةِ ما صنَّفَهُ شرحَ التنبيهِ في أربعِ مُجَلَّداتٍ مع كتبهِ الأُخرى الجليلةِ كالمنهاجِ في أصولِ الفقهِ وشرحِ المحصولِ وغيرها، ومنهم: الإمام تاجُ الدين الفَزارِيُّ: عبدُ
1 / 7
الرحمن بنُ سباعٍ بنِ ضياءِ الدين أبو محمد الفَزاريُّ الإمامُ العلّامةُ شيخُ الشافعيةِ في زمانِهِ حازَ قصَبَ السّبْق دونَ أقرانِهِ، وهو والدُ شيخِنا العلّامةِ بُرهانِ الدين كما جاءَ في البدايةِ والنهايةِ أيضا (١٣/ ٣٢٥) حيثُ ذكرَ في ترجمتِهِ قولَهُ: " وكتابُ الإقليدِ الذي جمعَ على أبواب التنبيهِ، وصَلَ فيهِ إلى بابِ الغَصْبِ، دليلٌ على فقهِ نفسِهِ وعلوِّ قدرِهِ وقوّة هِمّتِهِ ونفوذِ نظَرِهِ واتصافِهِ بالاجتهادِ الصَّحيحِ في غالبِ ما سَطَّرَهُ، وقد انتفَعَ بهِ الإسلامِ مفتي الفِرقِ بَقيّةُ السَّلفِ برهانُ الدين أبو إسحاق إبراهيمُ بنُ الشيخِ العلامةِ تاجِ الدين أبي محمدٍ: عبدِ الرّحمن بنِ سِباعٍ، هكذا جاءَ في البدايةِ والنهايةِ (١٤/ ١٤٦) وهو ابنُ المذكورِ قبلَهُ كما ذَكَرْناهُ توًّا، فذكرَ في جُمْلةِ أعمالِهِ ومصنّفاتِهِ بعدَ أن بالغَ في الثَّناءِ علَيهِ والإشادةِ بفضلِهِ وعلمِهِ وعلوِّ منزلتِهِ وعظيمِ قَدْرهِ، وانتفاعِ الطَّلَبةِ وأهلِ العلمِ بهِ إلى أن قالَ: ولَهُ تعليقٌ كثيرٌ على التبيهِ، فيهِ من الفوائدِ ما ليسَ يوجدُ في غيرِهِ وهو من شُيوخ الإمام ابنِ كثير كما صرّحَ بذلك.
قلتُ: وممّن نظَمَ التنبيهَ شعْرًا الإمامُ القاضي ضياءُ الدين أبو الحسن عليُّ بنُ سُلَيمِ بنِ رَبيع بنِ سليمانَ الأذرعيُّ الشافعيُّ فقالَ في البدايةِ والنهايةِ (١٤/ ١٥٥) في جُمْلةِ ترجمتِهِ وسيرتِهِ: " ولهُ نَظْمٌ كثيرٌ، نَظَمَ التنبيهَ في نحوِ ستّة عشرَ ألفَ بيتٍ، وتَصحيحَها في ألفٍ وثلثمائةِ بيتٍ، وممّن شرَحَهُ أيضًا الإمامُ العالمُ نجمُ الدين أبو عبدِ اللهِ: محمدُ بنُ عقيلِ بنِ أبي الحسَن بنِ عَقيلٍ البالِسيُّ الشافعيُّ كما في البدايةِ والنهايةِ (١٤/ ١٤٤) حيثُ ذكرَ في ترجمتِهِ ذلك بعد أن ذكَرهُ باسمِهِ وكنيتهِ ونسبتهِ فقال: البالِسيّ الشافعيُّ شارحُ التنبيهِ، وممّن حفظَهُ أيضًا الشيخُ علاءُ الدين بنُ غانمٍ: أبو الحسنِ عليُّ بنُ محمدِ بنِ سليمانَ بنِ حمائلَ بنِ عليِّ المَقْدِسيُّ أحدُ الكبارِ المشهورين بالفضائلِ وحسنِ الترَسّلِ وكثرةِ الأدب والمروءةِ، فقالَ في البدايةِ والنهايةِ (١٤/ ١٧٨) في جملة كلامِهِ عنهُ: " وسمعَ الحديثَ الكثيرَ، وحفظَ القرآنَ والتنبيهَ " ومنهم أيضًا: أخيرًا وليس آخِرًا الإمامُ: جمالُ الدين محمدُ بنُ أبي الفتح نصرِ اللهِ بن أسدٍ التميميُّ الدِّمَشْقيُّ ابنُ القَلانِسيُّ حيثُ ذكرَ في ترجمتِهِ في البدايةِ والنهايةِ (١٤/ ١٥٦) في جملةِ كلامِهِ، حيثُ وصفَهُ بقاضي العَساكرِ ومُدرّسِ الأمينيةِ فقالَ: " حَفِظَ التننبيهَ ثُمّ المحرَّرَ للرافعيِّ ".
1 / 8
قلتُ: وهذا بعضُ ما وَقفْنا عليهِ، وما غابَ عنّا، ولم نطلعْ عليهِ قد يكونُ أكثرَ من ذلك ونعودُ لكتابِنا هذا، وهو شرحُ الإمامِ الحافظ أبي الفِداء عمادِ الدين: إسماعيلَ بنِ الشيخ أبي حفصِ شهابِ الدين عمرَ بنِ كثيرٍ القرشيِّ البُصروريِّ الأصل، الدِّمَشْقيِّ النَّشأةِ والتعليمِ، وتفقّهَ بالشيخِ برهانِ الدين الفَزاريِّ الإمامِ العلامةِ الذي ذَكَرُناهُ في جملةِ من شرَحَ التنبيهَ، وسمعَ الحديثَ من عيسى بن المُطعمِ، ومن أحمدَ بنِ أبي الطالب المُعمَّر الشهيرِ بابنِ الشّحنةِ، ومن القاسم بنِ عَساكير وغيرِهم، ولازم الشيخَ جمالَ الدين المِزِّيِّ صاحبَ تهذيبِ الكمَالِ، وأطرافِ الكتبِ الستّةِ، وانتفعَ بهِ وتزوّجَ بابنتِهِ، وقرأَ على شيخِ الإسلام العلّامةِ: تقيِّ الدين ابنِ تَيْمّيةَ، وانتفعَ بعلومِهِ، وكذا على الشيح الحافظ المؤرّخِ شمسِ الدين الذهبيِّ وغيرِهم، وهو ﵀ أشهرُ مِن أنْ يُعرَّفَ وأغنى من أن يُشادَ بهِ ويُنَوَّهَ بفضلِهِ، فهو صاحبُ التفسير المعروفِ باسمِهِ، والذي وصفَهٌ العلماءُ بأَنهُ لم يُؤَلَّفْ على نمطِهِ مثلُهُ، ولَهُ: " البدايةُ والنهايةُ "، وهو تاريخُ كبيرٌ ومفيدٌ جدًا اعتمدَ فيهِ على القرآنِ الكريمِ والأخبارِ الصحيحةِ وبيَّنَ الغرائبَ والمناكيرَ، ثمَّ كتابُ " التكميلِ في معرفةِ الثقاتِ والضعفاءِ والمجاهيلِ "، وهو من أجمعِ كتبِ الجَرْحِ والتعديلِ جمعَ فيهِ بين كتابيْ شيخيهِ المزّيِّ، والذهبيِّ وهما كتابا " تهذيب الكمالِ "، و" ميزانِ الاعتدالِ في نقدِ الرجالِ "، ولَهُ كتابٌ ضَخمٌ كبيرٌ في الحديثِ هو: " كتابُ الهَدي والسَّننِ في أحاديث المسانيدِ والسُّننِ " المعروف: بجامعِ المَسانيد، جمَعَ فيهِ مُسْندَ الإمامِ أحمدَ، والبزّارِ، وأبي يَعلى، و"معجم الطبراني الكبير"، معَ الكتبِ الستّةِ، ورَتَّبَهُ على المسانيد، لكنّه لم يدرج فيه مسانيد الكبار ولا مسانيد العشرة المبشرين بالجنة. ولهُ كتابٌ كبيرٌ في الأَحكام لم يَكْمُلْ وصَلَ فيهِ إلى الحجّ، ولهُ طبقاتُ الشافعيّةِ ومناقبُ الشافعيِّ، وشرحٌ للبخاريّ لم يُكمِلْهُ، وخرَّجَ أَحاديثَ مُخْتَصرِ ابنِ الحاجبِ واختصَرَ كذلك كتابَ ابنِ الصّلاحِ في علومِ الحديثِ، ولهُ كتابُ المُقدّماتِ، ومسندُ الشَّيخينِ، والسيرةُ النبويّةُ، واختصرَ كتابَ " المَدْخَلِ " للبيهقيِّ، ورسالة في الجهادِ وغيرِها، ومنها كتابُنا هذا، الذي هو من أكمل وأنفعِ الشروحِ لكتابِ التنبيهِ الذي عرَّفنا بهِ وبأهميتِهِ، وقد بيّنَ ﵀ شَرْطَهُ في ذلكَ وأحسنَ البيانَ، وقد علّقَ أولًا مُسوَّدةً في ذلكَ، ثمَّ انتخَبَ منها هذا الشّرْحَ المُخْتَصرَ كما بيَّنَ ذلكَ في
1 / 9
مُقدّمتِهِ لهُ، وقد زادَ فيهِ أحكامًا ومسائلَ مُهمّةً من استنباطِهِ وفِقْههِ الدقيقِ، وحسنِ انتزاعِهِ للحجّةِ من كتابِ اللهِ وسنةِ رسولِهِ ثُمَّ تكلَّمَ على رجالِها توثيقًا وتجريحًا بما أغنانا عن الكلامِ علَيْها إلا ما ندرَ وقلَّ فأجادَ ﵀ وأفادَ، ورضيَ الله عنهُ وعن سائرِ الأئمةِ الذين خدَموا كتابَ اللهِ وسنّةَ نبيّهِ، وأفنوا أعمارَهُم في ذلكَ دراسةً وتَصنيفًا وحِفْظًا.
قلتُ: ويحسنُ بنا هنا أن نذكرَ ممّا جاءَ في مقدمةِ شرحِهِ من بيانِ شرطِهِ في عملِهِ وكيفيةِ شرحهِ ليكونَ أمامَ القاريء الكريم واضحًا بيّنًا، فقالَ ﵀: " وشرَطْتُ فيهِ أنّي أذكرُ دليلَ المسألةِ من حديثٍ أو أثَرٍ يُحتَجُّ بهِ، وأعزو ذلك إلى الكتبِ السِّتّةِ، كبالبخاريّ ومسلم، وأبي داود، والنَّسائيِّ، والترمِذِيِّ، وابنِ ماجةَ، أو غيرِها، فإن كانَ الحديثُ في الصَّحيحين أو في أحدِهِما، اكتفيتُ بعزوِهِ إليهما أو إلى أحدِهما، وإلا ذَكَرْتُ من رَواهُ من أهلِ الكتُبِ المشهورةِ، وبيَّنتُ صحّتَهُ مِن سَقمِهِ، ولسْتُ أذْكرُ جميعَ ما ورَدَ في المسألةِ من أحاديثَ خشيةَ الإطالةِ، بلْ إن كانَ الحديثُ أو الأْثَرُ وافيًا بالدلالةِ على المسألةِ اكتفيتُ بهِ، عمّا عداهُ، وإلا عَطَفْتُ علَيهِ ما يُقوّي سندَهُ أو معناهُ "، إلى أن قالَ فيما يتعلّقُ بالإختلافِ في المسألةِ في المَذْهبِ: " وإذا أطلَقَ المصنّفُ - يعني - صاحبَ التنبيهِ الشيخ أبا إسحاق - القولَ في الخلافِ في المسألةِ، قدَّمتُ دليلَ الصّحيحِ عند الأصحابِ، وثَنَّيْتُ بدلالةِ الآخرِ للفائدةِ، ولمْ أتعَرّضْ لدليل قولٍ أو وجْهٍ في مسألةٍ لم يَحْكِهِ المصنّفُ، إلاّ أن يكونَ هو الصّوابَ أو الراجحَ، وقد أُنَبِّهُ على وجْهِ الدّلالةِ من الحديثِ، إن كان فيها غموضٌ، وباللهِ أستعينُ وعليهِ أتوكّلُ، وهو حسبي ونعمَ الوَكيلُ، وإيّاهُ أسألُ أن ينفعَ بهِ، إنّهُ قريبٌ مُجيبٌ ". انتهى كلامهُ ﵀.
- والذي يظهرُ من كلامِهِ ﵀ ويجدرُ ذكرهُ أنَّ الشرحَ ليس على طريقةِ كثيرٍ من الشّروحِ المعتادةِ التي يذكرُ الشارحُ فيها عبارةَ صاحبِ المتْنِ أو الأصلِ، واحدةً واحدةً ثم يُبيّنُها ويبسطُ الكلامَ فيها شرحًا وتعليقًا، بلْ إنّهُ كما تبيّنَ لنا لم يلتزمْ بذلك في ذكرِ عبارةِ صاحبِ المتنِ والأصلِ، إلا نادرًا حيثُ شرحَ الكتاب على أساس ذكرِ أحكامٍ ومسائلَ على أبوابِهِ أولًا فأوّلًا، وتكلَّمَ أدلّتِهِ تخريجًا وحكْمًا على سندِها
1 / 10
بالصّحةِ أو الضغفِ كما قالَ هو في مقدّمتِهِ مع زياداتٍ فقهيةٍ في أحكامِهِ ومسائلِهِ، من فقْهِهِ وحسن استنباطِهِ، جزاهُ اللهُ خيرًا وأعظمَ لهُ الأجرَ وأسكنَهُ فَسيحَ جَنّاتِهِ.
- أمّا موجزُ عَملِنا في تحقيقِ الكتابِ فنُلخِّصُهُ فيما يلي:
١ - نسَخْنا الكتابَ كلَّهُ بعدَ أن نتحَقّقَ من كلِّ كلمةٍ نُثبتُها مع صعوبةِ ذلك، لتفرّدِ النّسْخةِ ونوعيّةِ خَطِّها الذي تشتبهُ فيهِ الكلمةُ ولا يتبيَّنُ وجهُ قراءتها الصحيحة لعدمِ الإعجامِ في الحروفِ غالبًا، مع مَزْجِها ببعضِها بما يزيدُ في إشكالِها، والكلمةُ التي نقرؤها بغالب الظّنِّ نُثبتُها هكذا، ثمَّ نُشيرُ إلى ذلك أداءً للأمانةِ وبذلًا للنّصيحةِ للقاريء الكريم، واللهُ من وراءِ القصدِ، مع ضبطِ نُصوصهِ بالشكل وللهِ الحمد، وأدخَلنا بعض الكلمات التي بالهامِش والتي تأكّدنا من كَوْنِها من أصلِ الكِتابِ.
٢ - قابَلْنا نسختَنا بالأصلِ، مقابلةً دقيقةً حتى لا يسقطَ شيءٌ من الأصلِ إن شاءَ اللهُ، وكانتِ القراءةُ عليَّ وأنا أنظرُ في الأصلِ من قِبلِ أفرادٍ من أهل بيتي ولله الحمدُ.
٣ - في هَوامش بعضِ الصّفَحات أحاديث تتعلّقُ بالمسألةِ أو البابِ المقابلِ لها لكنَّ هذه الأحاديثَ كما تبيّنَ لنا ووضحَ، ليستْ من الأصلِ الذي كتبَهُ الشارحُ، بل هي كما يظهرُ من زيادياتِ بعضِ من مَلكوا النُّسْخةَ أو بعض من طالعَها من العلماءِ ﵏، لأنَّ النسخةَ قد طالَعَها جماعةٌ منهم، كما هو مُثْبَتٌ في أوّلِ صَفحاتِ المخطوطةِ للأصلِ، ومعَ أننا بحمدِ اللهِ قد قرأنا جميعَ هذهِ الزّياداتِ في الهَوامشِ فقد آثرنا عدمَ إدخالِها في الكتابِ حفْظًا لأمانةِ التّحقيقِ، وحتى لا يختلطَ بهِ ما ليسَ منهُ، ولأنَّ تحقيقَ الكتابِ هو إخراجُ نُصوصِهِ كاملةً غيرَ منقوصةٍ، ولا مزيدَ فيها، وعلى وجهِ الصّحةِ في قراءتِها، وقد كانَ في النيّةِ إثباتُها في حَواشي الصَّفحاتِ وقد فَعلْنا بعضَ ذلك، ثمَّ رأينا تركَهُ لما قلنا تَوًّا، واللهُ المُوفِّقُ لكلِّ خيرٍ وهو الهادي إلى سواءِ السّبيلِ، لا إلهَ غيرهُ، ولا حولَ ولا قوّةَ إلا باللهِ.
٤ - صحّحْنا بعضَ الكلماتِ التي تيَقنّا أنّ الناسخَ قد أخطأَ فيها أ، أصابَها تحريفٌ أو غيرُ ذلكَ وذكَرنا الصحيحَ بدَلَها، وأشرنا إلى ذلكَ في الحاشيةِ وذكَرنا الدليلَ على
1 / 11
ذلك وموضعَ كلٍّ منها.
٥ - أكملْنا بعضَ النقصِ في الأحاديثِ أو غيرِها مما تبيَّنَ لنا بيقينٍ سقوطُ ذلك من الأصلِ، وبيَّنا محلَّهُ ومصدرَ التصحيحِ وإكمالِ النقص، وكذا حَذَفْنا بعضَ الزياداتِ كتكريرِ بعضِ الكلماتِ أو غيرِ ذلك.
٦ - قُمْنا بتخريجِ الأحاديث في الكتابِ بذكرِ أرقام الأجزاءِ والصّفحاتِ لكلِّ المصادرِ والكتبِ التي عزا إليعا الشارحُ الأحاديثَ، وبَذَلْنا الجهدَ في ذلك، إلا ما عجَزْنا عن الحصولِ على مصدرِ الحديثِ أو الكتابِ المَعزُوِّ إليهِ لندرتِهِ، أو عدمِ طبعهِ وانتشارِهِ وهو قليلٌ، وقد حاوَلْنا أن نذكرَ البدَلَ من مصدرٍ آخرَ، ذَكَرَ الحديثَ مَعْزوًّا إلى ذلك المصدرِ، أو يكونُ ممّن أخرجَهُ من طريقِ صاحبِ المصدرِ المعزو إليهِ، أو غيرِ ذلك، ما وجَدْنا إلى ذلكَ سبيلًا، وبعضُها لم نعثرْ عليها فيما نسبَها إليهِ من المصادرِ، إمّا لوَهْمٍ في العَزوِ إليها كما تبيَّنَ لنا، أو أنَّها فيها ولمْ نُوفَّقْ إلى الوقوفِ عَلَيْها، وذلكَ كلّهُ قليلٌ جدًا بالنسبةِ إلى حجمِ الكتابِ وكثرةِ المصادرِ المَعزُوِّ إليها والحمدُ للهِ.
٧ - لم نتكلّمْ على أحاديثِ الكتابِ وآثارِهِ تصحيحًا أو تضعيفًا ولا على رجالِهِ توثيقًا وتجريحًا إلا ما نَدر، ورأينا ذلكَ ضَروريًا يوجبُهُ كمالُ النّصيحةِ في بيانِ الصّوابِ، وذلك قليلٌ جدًّا، وذلكَ لأنَّ الشارحَ ﵀ قد أغنانا عن ذلك، وتكلّمَ على أكثرِها بما يَشفي ويَكْفي، وكلامُهُ جيّدٌ ومقبولٌ في غالبِ الأمرِ إلا مواضعَ قليلةً قد يكونُ الراجحُ خلافَها وقد نبَّهنا على بعضِها وللهِ الحمدُ.
وأخيرًا لا بُدَّ أن نذكرَ بالشّكرِ والتقديرِ والدّعاءِ الإخوةَ الذين تَعاوَنوا مَعَنا وشاركوا في تخريجِ الأحاديثِ، فجزاهُمُ اللهُ خَيرًا وشكَرَ سعيَهم، ووفَّقَنا وإيّاهم إلى خدمةِ كتابِهِ وسنّةِ نبيّهِ الكريمِ، وأن يَجعَلنا وإيّاهم من السابقين إلى الخيراتِ ومن الشّاكرين، وأخصُّ الذكرِ منهم الأخوينِ الفاضلينِ السيّد كمال شفيق ومحمد محمود لطيف.
1 / 12
وآخَرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين آمين، سُبْحانَ ربِّك ربِّ العِزّةِ عمّا يَصفونَ، وسَلامٌ على المُرسَلينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالَمين آمين.
وكتب: أبو محمد: بهجة يوسف حمد آل أبي الطَّيّب.
هيت - الأنبار - العراق.
تحريرًا في: ٩/ ١ / ١٤١١ هـ.
٣١/ ٧ / ١٩٩٠ م الثلاثاء.
1 / 13
- نبذةٌ عن مخطوطةِ الأَصلِ لكتابِ شَرْح التَّنْبيهِ - للإمامِ ابنِ كَثيرٍ ﵀ ورضيَ عنهُ آمين -
مخطوطةُ الأصلِ هذهِ هي من مخطوطاتِ وَقْفِ مَعرّةِ المدرسةِ العُمَريةِ بالشامِ كما يظهرُ على وجه الورقةِ الثانيةِ، وعليها عبارةٌ في أوّلِها ما يَلي: - في الفقهِ - لابنِ كثيرٍ، وتحتَها ما يَلي: -
هذا الكتابُ تأليفُ الشيخِ الإمامِ العَلّامةِ شيخِ الإسلامِ: عمادِ الدين أبي الفِداء: إسماعيلَ بنِ كَثيرٍ قدَّسَ اللهُ روحهُ ونوَّرَ ضَريحَهُ، وتحتَ ذلكَ كلمةُ: وَقفِ معرةِ مَدرسةِ العمريةِ، ثُمّ تحتَ ذلكَ أُثبِتَتْ كلمةُ: - عُمَرية، بخطٍّ عَريضٍ كَبيرٍ.
قلتُ: ولعلّها مدرسةُ الحَنابلةِ التي أوْقَفها الشيخُ الإمامُ العالمُ الفقيهُ المُقرئُ المحدِّثُ شيخُ الإسلامِ: محمدُ بنُ أحمدَ بنِ محمدِ بنِ قُدامةَ المَقْدِسيُّ الجَماعيلِي الحَنْبَليُّ الزاهدُ واقفُ المدرسةِ كما جاءَ في سِيَرِ أَعْلامِ النُّبلاءِ (ج ٢٢، ص ٥)، وهو الأخُ الأكبرُ للشيخِ المُوفّقِ صاحبِ المُغْني في فقهِ الحَنابلة الذي هو من أنفعِ وأكملِ الكتبِ الفِقْهيّةِ، وخالُ المُحدِّثِ الضّياءِ المَقْدسيّ صاحبِ المُختارةِ من الصحيحِ.
أمّا الورقةُ الأولى فعَلَيْها كما يَظْهرُ مُطالعاتُ كثيرٍ من العُلماءِ الذين طالعوا هذهِ النّسْخةَ ولمْ استطعْ أنْ أقرأَ غالبَ ما فيها إلا بعضَ عباراتٍ مثل: طالَع في هذا الكتاب العبدُ الفقيرُ إلى اللهِ تعالى. . . .، وتحتَها مثلُها وفي آخرِها: غَفرَ اللهُ لهُ ولِوالدَيهِ، ثم قرأتُ اسمَ أحدِهمْ: أبو بَكْرِ بنِ إبراهيمَ بن. . . .، وفي آخرِها: غفَرَ اللهُ لهُ ولوالِدَيْهِ، ولجميعِ المسلمينِ أجمعينَ، وتحتَها أُثْبِتَ: -
الكلامُ صِفةُ المُتَكَلِّمِ.
1 / 14
التَّنْبيهُ للشِّيرازِيِّ.
هكذا في الوَرَقةِ الأولى، وهو شِبْهُ مَطموس أو مطموسٍ غَيرِ واضحٍ، وأما بقيّةُ الأوراقِ والصَّفحاتِ فهي سَليمةٌ في الغالبِ وخطُّها جَيِّدٌ، غالِبًا إلاّ إنَّ بعضَها غيرُ بَيِّنَةِ الحروفِ ولا تُرى إلا بصُعوبةٍ وتَشقُّ قراءتُها لذلكَ ولِصِغَرِها وتشابِكِها بعضِها ببعضٍ، بشكْلٍ لمْ أَعهدْهُ في كثيرٍ من المَخطوطاتِ مع عَدمِ إعجامِ حروفِها غالبًا وكلُّ ذلكَ يجعَلُ قراءَتها من الصّعوبةِ بمكانٍ، ولكنّا استَعَنّا باللهِ فأَحْسنَ لنا المعونةَ وصبَرْنا على قراءتِها حتّى فتحَ اللهُ لَنا ذلكَ، ولمْ يَبْقَ مِمّا لمْ نَسْتَيْقنْ قراءتَهُ إلا مواضعَ يَسيرةً لا تَتَجاوزُ الأربعَ أَوْ أقلَّ مِن ذلكَ، وقَدْ أَشَرْنا إلَيْها في مَواضِعها من الكتابِ ليكونَ القارئُ على عِلْمٍ وبَيِّنةٍ من ذلكَ حِفْظًا لأمانةِ العلمِ وبذلًا لكمالِ النَّصيحةِ في الدينِ، واللهُ المسؤولُ أَن يُوَفِّقَنا وجميعَ المسلمين إلى الخيرِ وخِدْمةِ دينهِ وكتابِهِ وسُنَّةِ نبيِّهِ، وهوَ لذلكَ أهْلٌ، ولهُ الحمدُ والنّعمةُ والفَضلُ، لا إلهَ إلا هو، عليهِ توَكَّلْتُ وإليهِ أُنيبُ وهو حَسْبي في أَمري كُلِّهِ وإليهِ المَرْجِعُ والمَصيرُ، والحمدُ للهِ ربِّ العَالمينَ آمينَ (١).
وكتب: أبو محمد: بهجة يوسف حمد آل أَبي الطَّيّب.
هيت - الأنبار - العراق.
تحريرًا في: ٩/ ١ / ١٤١١ هـ.
٣١/ ٧ / ١٩٩٠ م.
1 / 15
- كلمةٌ لا بُدَّ منها حولَ تحقيقِ اسمِ الكتابِ، وما قيلَ فيهِ مع إثباتِ صحّة نسبتهِ إلى مُؤَلّفِهِ -
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ
وبهِ نستعينُ ولا حولَ ولا قوّةَ إلا باللهِ العَليِّ العظيمِ،
وبعد:
فلا يخفى على أهلِ العلمِ، وكلِّ مَنْ لهُ اطلاعٌ على كتبِ السَّلَفِ أنَّ كثيرًا منهم يُؤَلِّفُ الكتابَ ويُطْلِقَ عليه اسمًا يُسمّيهِ بهِ خاصّةً، ثُمَّ يَتطوّرُ الأمرُ من بعدِهِ، ويَصْطَلحُ المتأخرون على اسمٍ آخرَ لذلكَ الكتابِ يتَعارفونَ عَليهِ ويشتهرُ عندَهُمْ طَلبًا للاختصارِ أو لغيرِ ذلكَ من الأسبابِ حتّى إنّهُ يُنسي ذكرَ الاسمِ الأَصليِّ لهُ الذي وضعَهُ لهُ مُؤَلّفُهُ، وقد جَرى ذلكَ لكثيرٍ من الكُتُبِ السابقَةِ، واعْتَبِرْ ذلكَ بكتابِ صَحيح ابنِ خُزَيْمةَ حيثُ تَعَارَفَ المتأخّرونَ عليهِ بهذا الاسمِ إذا أُطلِقَ ولا يَشُكُّ أحدٌ في المراد بهِ، بينَما كانَ اسمُهُ الذي أطْلَقَهُ عليهِ مصَنِّفُهُ الإمامُ ابنُ خُزَيْمةَ ﵀ هو: " المُسْنَدَ المُخْتَصَرَ الصّحيحَ من حديثِ رسولِ اللهِ ﷺ وأيّامِهِ "، وقِسْ على ذلكَ صحيحَ ابنِ حبّانَ تلميذِهِ، الذي تعَارَفَ المتأخّرون على هذا الاسم لهُ إذا أطلَقوهُ عُرِفَ المرادُ بهِ، وقد كانَ مُصَنّفُهُ الإمامُ أبو حاتمِ ابنِ حِبّان ﵀ أطْلَقَ عليهِ - كما هو معروفٌ عندَ أهلِ العلمِ والاخْتصاصِ - اسمَ المُسْنَدِ الصّحيحِ على التَّقاسيمِ والأنواعِ، بل إنَّ صحيحَ البخاريّ ذاكَ الكتابُ العظيمُ القدرِ الذي هو أصحُّ الكتبِ بعدَ كتابِ اللهِ الكريمِ، الذي تعارَفَ الناسُ عليهِ بهذا الاسمِ قد كانَ سمّاهُ مُؤَلّفُهُ الإمامُ الهمامُ أبو عبد الله البُخاريُّ: الجامعَ الصّحيحَ المسندَ لأحاديثِ رسولِ اللهِ، وأيّامِهِ وسيرتِهِ.
قلتُ: ولا مُشاحَة في الاسمِ وما يُصْطلح عليه، ولا ضَررَ في ذلكَ إذا لمْ يُؤدِّ إلى
1 / 17
الاشتباهِ في تعيينِ حَقيقةِ المُسَمّى، فالمقصودُ من الاسمِ تعريفُ المُسمّى وتعيينُهُ حتى لا يَلْتبِسَ بغيرِهِ.
والذي دَعاني إلى هذهِ المقدّمةِ هو ما يَتَعلّقُ بكتابِنا هذا: شَرْحِ التنبيهِ للإمامِ ابنِ كَثيرٍ، وفيما إذا حدَثَ لهُ مثلُ ذلكَ أمْ لا، فالمعروفُ أنَّ اسمَهُ هذا قَدْ أَطْلَقَهُ عليهِ المُصَنِّفُ كما جاءَ في البدايةِ والنِّهايةِ (١٢/ ١٢٥) في ترجمةِ الإمامِ أبي إسْحاقَ الشِّيرازيِّ مُؤلِّفِ الأصلِ (التَّنْبيهِ)، حيثُ قالَ في تَرْجمتِهِ ما يَلي: -
" وتَرجمتُهُ مُسْتقصاةٌ مُطَوَّلَةٌ ذَكَرْتُها في أوّلِ شَرْحِ التنبيهِ ".
هكذا قال، وهو نَصٌّ منهُ صريحٌ في تَسْميتِهِ لكتابِهِ: (شرحَ التنبيهِ)، وهوَ الذي نختارُهُ لأنَّهُ المناسبُ واللائقُ بهِ الذي يَدُلُّ على حقيقةِ عملِهِ فيهِ، ومِمّا وَقَفْتُ عليهِ في هذا الأمرِ أنَّ الإمامَ ابنَ حَجرٍ أشارَ إلى كتابِنا في التلخيصِ (٤/ ١٩٢)، ياسم " أدلّةِ التَّنبيهِ "، حيثُ قالَ في أثناءِ كلامِهِ على ما رُوي من قولهِ ﷺ: " إنّما نحكمُ بالظّاهرِ واللهُ يَتولّى السَّرائِرَ "، قالَ: هذا الحديثُ اسْتنْكَرهُ المُزنيُّ فيما حَكاهُ ابنُ كثيرٍ عنهُ في " أدلّةِ التنبيهِ "، وأظنُهُ عنى بهِ كتابَنا فهو شرحٌ لأدِلّةِ التنبيهِ وتخريجٌ لها وحُكْمٌ عليها ببيانِ حالِها، وسمّاهُ كذلكَ الشيخُ محمدُ عبد الرزاق حمزة في ترجمتِهِ للإمامِ ابنِ كثيرٍ وذكرِهِ لمصنّفاتِهِ فقالَ: وخرَّجَ أحاديثَ أدِلّةِ التنبيهِ في فِقْهِ الشافِعيّةِ، لأنَّ شرْحَهُ هو تخريجٌ لها وبيانُ نِسْبتِها إلى مَنْ روَاها مُبيِّنًا حالَها من الصِّحةِ أو الضّعفِ وذكرُ ما يُستفادُ منها من أحكامٍ، كما في " الباعثِ الحَثيثِ شَرْحِ اختصارِ علومِ الحديثِ "، لابنِ كثيرٍ ﵀، ص (١٧).
والذي حمَلني على النّظرِ في هذا الأمرِ والتَّأَمُّلِ بالنسبةِ لكتابِنا أمْران: أحدُهُما: ما أخبرني أحدُ طلبةِ العلمِ: أنَّ بعضَ المُعاصرين في بحثٍ لهُ عن الإمامِ ابنِ كَثيرٍ ذكرَ في جملةِ مُصنّفاتِهِ وآثارِهِ: هذا الكتابَ وسمّاهُ - الأحكامَ - ويعني طَبعًا غيرَ كتابِهِ الأحكامِ الكبيرِ الذي قُلنا في المقدّمةِ إنّهُ لم يُتِمَّهُ ووَصلَ فيهِ إلى الحَجِّ، وكثيرًا ما يُحيل إليهِ في الكلامِ في تفسيرِهِ، وهذا لا أستطيعُ الجزمَ في قولِ الفَصلِ فيهِ، فإنْ كانَ ثابتًا في نفسِ الأمرِ، فلا يُستبعدُ ذلكَ، ولعلَّهُ أخَذَهُ من قولِ المؤَلّفِ الإمامِ ابنِ كَثيرٍ
1 / 18
كما في مُقدّمتِهِ للشرحِ: فاسْتَخرْتُ اللهَ في وَضْعِ أحكامٍ على أبوابِهِ ومسائلِهِ، يَعني التنبيهَ، فهو في الحقيقةِ أحكامٌ ومسائلُ وضَعها الإمامُ ابنُ كثيرٍ على التنبيهِ معَ إضافاتٍ وزياداتٍ من فِقْهِهِ واسْتنباطاتِهِ ﵀.
والأمرُ الثاني الذي دعاني إلى التفكّرِ والوقوفِ فيما يَتعلّقُ وذانكَ شيئان قد يَدلاّنِ على أنّ لكتابِنا هذا اسمًا آخرَ إن لمْ يكنْ للإمامِ ابنِ كثيرٍ كتابٌ آخَرُ ذكَرَ فيهِ ما يُشبهُ ما في كتابِنا في مَوْضعين.
أوَّلُهما: ما ذكرَهُ الإمامُ الشَّوكانيُّ ﵀ في نيْلِ الأوطارِ (٢/ ٦٨)، في أثناءِ كلامِهِ على حديثِ ابنِ عمرَ الذي رواهُ عنه هاشمٌ في بابِ الصّلاةِ في ثوبِ الحريرِ، والغصبِ من مُنْتَقى الأخبارِ، وقالَ فيهِ: وهاشمٌ هذا: لا يُعْرَفُ - قالَهُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ في (إرشادِهِ)، قلتُ: وهذهِ نفسُ العبارةِ التي ذكَرَها الإمامُ ابنُ كثيرٍ في كتابِنا هذا " شرحِ التنبيهِ " حَوْلَ هذا الحديثِ، برقم (١٨) في بابِ طهارةِ البَدَنِ والثوبِ ومَوضعِ الصّلاةِ، البابِ الرابعِ.
وثانيهما: ما ذكرَهُ الإمامُ الشَّوكانيُّ ﵀ (٨/ ٢٥٩) أيضًا في أثناءِ كلامِهِ على الشطرنجِ وحُكْمِهِ، فذكَرَ نفسَ الكلامِ للإمامِ ابنِ كثيرٍ في كتابِنا هذا حولَ الشطرنج وأصْلِهِ ومَنْ وَضَعَهُ، ومتى كانَ ذلكَ، فقالَ في أَثناءِ كلامِهِ ما نَصُّهُ أو مَعناهُ:
ورَوى الإمامُ ابنُ كثيرٍ في (إرْشادِهِ)، أنَّ الشطرنجَ لم يكنْ معروفًا في عهدِ النبيِّ ﷺ ولكنّهُ عُرِفَ في عهدِ الصّحابةِ من قبلِ الهنودِ، وضَعَهُ رجلٌ منْهم يُقالُ: " صصَة "، فهذا الذي نَقَلَهُ الإمامُ الشوكانيُّ من (الإرشادِ) لابنِ كثيرٍ هو ما ذكَرَهُ بلَفْظِهِ أو معناهُ في كتابِ شَرْحِ التنبيهِ هذا، في كتابِ الشّهاداتِ، وبابِ مَنْ تُقبل شهادتُهُ ومَنْ لا تُقْبلُ، فهذان المَوْضعانِ يَستَحقّان الوقوفَ والنّظرَ والتأمّلَ فإنه إن لمْ يكنْ للإمامِ ابنِ كثيرٍ كتابٌ آخَرُ يُسمّى (الإرشادَ)، فلا شَكَّ أنّهُ هو كتابُنا هذا شَرحُ التنبيهِ، من أجلِ أن نفسَ الكلامِ في الموْضعين هو فيهِ، وإنْ كانَ لهُ كتاب آخرُ يسمّى (الإرشادَ)، فلا شَكَّ أنّ الأمرَ على غيرِ ذلكَ، واللهُ تعالى أعلمُ بالصّوابِ، وهو سبحانَهُ
1 / 19
يقولُ الحقَّ ويَهدي إلى سواءِ السّبيلِ، فهذا نَضَعُهُ أمامَ القارئِ الكريمِ من علماءَ وطلبةِ علمٍ، فمَنْ كانَ عندَهُ فضلُ علمٍ في هذا فليمُنَّ بهِ مأجورًا ومشكورًا، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين. . . آمين (١).
وكتب: أبو محمد بهجة يوسف حمد آل أبي الطيِّب.
هيت - الأنبار - العراق.
تحريرًا في: ٢٣/ ١٠ / ١٤١١ هـ.
٨/ ٥ / ١٩٩١ م الأربعاء.
1 / 20
بِسْمٍ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحَمْدُ للهِ مُنْزِلِ الأَحكامِ، مُبَيِّنِ الحَلالِ والحَرامِ، الّذي هَدانا للإسْلامِ، وخَصَّنا بأفْضَلِ إمامٍ، محمدٍ عليهِ أكمَلُ الصَّلاةِ والسَّلامِ، أًحْمَدُهُ عَلى ما أَسْبَغَ مِنَ الإِنْعامِ، وأَشْهَدُ أَن لا إلهَ إلاّ اللهُ المَلِكُ العَلاّمُ، شَهادةً تُبوِّءُ قائِلَها مُخْلِصًا دارَ السَّلامِ، وأشْهَدُ أنّ مُحمّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ إلى الأَنامِ، ﷺ تَسليمًا كثيرًا على الدَّوامِ، ورَضيَ اللهُ عن جَميعِ أَصْحابِهِ الغُرِّ الكِرامِ.
أمّا بَعْدُ: فلَمّا كانَ كتابُ (التنبيهِ) في الفِقْهِ للشيخِ أَبي إسْحاقَ الشِّيرازيٍّ ﵀ عَلى مَذْهبِ الإمامِ الرَّبَّانيِّ أَبي عَبدِاللهِ: مُحَمَّدِ بن إدْريسَ الشَّافِعيِّ ﵁ وعن سائِرِ أئِمَّةِ الدّينِ، مِن الكُتُبِ المَشهورَةِ النّافِعةِ، وكُنْتُ مِمّنْ مَنَّ اللهُ سُبْحانهُ عَليهِ بحِفْظِهِ، ورَأَيْتُ أنَّ الفائِدةَ لا تَتِمُّ بدونِ مَعْرفةِ أَدلِّتِهِ، استَخَرْتُ اللهَ تَعالى في جَمْعِ أَحكامٍ على أبوابِهِ ومسَائِلِهِ أوّلًا فأوّلًا حَسَبَ الإمْكانِ، فَعَلَّقْتُ مُسَوَّدَةً في ذلكَ، ثُمَّ انْتَخَبْتُ مِنْها هذا المُخْتَصَرَ، وشَرَطْتُ فيهِ أنّي أذْكُرُ دَليلَ المَسأَلةِ مِن حَديثٍ أو أثَرٍ يُحْتَجُّ بِهِ، وأعْزو ذلك إلى الكُتُبِ السِّتِّةِ، كالبُخارِيِّ، ومُسْلِمٍ، وأَبي داودَ، والنَّسائِيِّ، والتِّرْمِذِيِّ، وابنِ ماجَةَ، أَو غيرِها، فإنْ كانَ الحَديثُ في الصَّحيحينِ، أو أحَدِهِما، اكتَفَيْتُ بعَزْوِهِ إلَيْهِما، أو إلى أحَدِهِما، وإلاّ ذكَرْتُ مَنْ رواهُ مِن أهْلِ الكُتُبِ المَشهورَةِ، وبيَّنْتُ صِحَّتَهُ مِن سقَمِهِ، ولَسْتُ أَذْكُرُ جَميعَ ما وَرَدَ في المَسْأَلَةِ مِن الأحاديثِ خَشْيَةَ الإطالَةِ، بَلْ إن كانَ الحَديثُ أَو الأَثَرُ وافيًا بالدِّلالَةِ عَلى المَسْأَلَةِ، اكْتَفَيْتُ بِهِ، عَمّا عَداهُ، وإلاّ عَطَفْتُ عَلَيْهِ ما يُقوّي سَنَدَهُ أَو مَعْناهُ، وإذا أَطْلَقَ المُصَنِّفُ الخِلافَ في المَسأَلَةِ، قَدَّمْتُ دليلَ الصَّحيحِ عندَ الأَصحابِ، وثَنَّيْتُ بدلالةِ الآخَرِ للفائِدَةِ، ولَمْ أَتَعرَّضَ لدليلِ قَوْل، أَو وَجْهٍ في مَسْأَلةٍ لَمْ يَحْكِهِ المُصَنّفُ إلا أَن يَكونَ هو الصّوابَ، أَو الرّاجحَ، وقدْ أُنبِّهُ على وجْهِ الدِّلالةِ مِن الحَديثِ إنْ كانَ فيها غُموضٌ، وباللهِ أَسْتَعينُ وعَلَيْهِ أتَوَكَّلُ، وهو حَسْبي، ونِعْمَ الوَكيلُ، وإيّاهُ أَسأَلُ أَن يَنْفَعَ بِهِ، إنَّهُ قَريبٌ مُجيبٌ.
1 / 21
١ - كتابُ الطَّهارَةِ
١ - بابُ المِياهِ
قالَ تعالى: " وأَنْزَلْنَا مِنَ السَّماءِ ماءً طهُورًا "، وقالَ تعالى: " فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا " (^١).
- عن أسْماءَ بنتِ أَبي بَكْرٍ ﵄، قالَتْ: " جاءَتْ امرَأَةٌ إلى رسولِ اللهِ ﷺ، فقالْت: إحْدانا يُصيبُ ثَوْبَها مِن دَمِ الحَيْضَةِ، كَيْفَ تَصنعُ بهِ؟، فقالَ: تَحتُّهُ، ثُمَّ تَقْرِصُهُ بالماءِ، ثُمَّ تَنْضَحُهُ، ثُمَّ تُصَلّي فيهِ (١)، أَخرجاهُ، في أحاديثَ أُخَرَ تَدُلُّ عَلى الأَمرِ بالماءِ لإزالةِ النجاسَةِ.
- عن أَبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ ﵁، قالَ: قيلَ يا رسولَ اللهِ، أَنتوَضّأُ مِنْ بِئْرِ بُضاعةَ، وهيَ بِئْرٌ يُلْقى فيها النَّتْنُ، ولُحومُ الكِلابِ؟، فقال: " إنّ الماءَ طَهورٌ لا يُنَجِّسهُ شَيءٌ " (^٢)، رَواهُ الشافِعيُّ، وأَحمدُ، وأَبو داودَ، والتِّرمِذِيُّ، والنَّسائيُّ.
- وفي لَفْظٍ لَهُ: مَرَرْتُ بالنبيِّ ﷺ وهوَ يتَوَضَّأُ مِن بِئْرِ بُضاعَةَ، فَقُلْتُ: أَنتَوضَّأُ مِنها، وهيَ يُطْرَحُ فيها ما يُكْرَهُ مِنَ النَّتْنِ؟، فقالَ: " الماءُ لا يُنَجِّسُهُ شَيءٌ " (^٣)، وفي إسْنادِ هذا الحَديثِ اخْتِلافٌ في اسْمِ الرَّاوي لَهُ عن أَبي سَعيدٍ، ذَكَرَهُ
_________
(^١) الآية الأولى (الفرقان) رقم (٤٨)، والثانية (النساء) رقم (٤٣) والمائدة رقم (٦).
(^٢) أخرجه البخاري (١/ ٤٨)، ومسلم (١/ ١٣٦) واللفظ له.
(^٣) رواه الشافعي (٨/ ٤٩٩)، الأم مع المسند، وأحمد (٣/ ١٥) المسند، وأبو داود (١/ ١٦)، والترمذي (١/ ٩٥)، والنسائي (١/ ١٧٤)، والنسائي باللفظ الآخر (١/ ١٧٤).
1 / 23
الدارَقُطنيُّ (^٣)، مُسْتَفيضًا، وهوَ مُحَررَّرٌ في أَصْلِ هذا الكِتابِ، وقَد نقَلَ أَبو الحسَنِ المَيْمونيُّ عن الإمامِ أحمدَ: أنّهُ قالَ: حَديثُ بئرِ بُضاعَةَ: صحيحٌ، وقالَ الترمِذيُّ: هو حديثٌ حَسَنٌ (^٤).
وعن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، قالَ: " سَقَيْتُ رَسولَ اللهِ ﷺ بِيَدي من بئْرِ بُضاعَةَ " (^٥)، رَواهُ أَحمدُ، وإسْنادُهُ: لا يَثْبُتُ، فيهِ مَنْ لمْ يُسَمَّ.
وعَن ابنِ عبّاسٍ، قالَ: قالَ النبيُّ ﷺ: " الماءُ لا يُنَجِّسُهُ شيءٌ " (^٦)، رواهُ أحمدُ بإسْنادٍ صحيحٍ.
- وروَاهُ الدرَقُطنيُّ (^٧)، من حديثِ سَهْل بن سَعْدٍ، بسَنَدٍ جيِّدٍ.
- عن أَبي هريرةَ، ﵁، قالَ: سأَلَ رجلٌ رسولَ اللهِ ﷺ، فقالَ: إنّا نَرْكَبُ البَحرَ، وَنحمِلُ مَعَنا القليلَ من الماءِ، فإنْ تَوَضَّأْنا بهِ، عَطِشْنا، أَفنتَوَضَّأُ بماءِ البَحْرِ؟، فقال النبيُّ ﷺ: " هوَ الطَّهورُ ماؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ " (^٨)، رواهُ الأئِمّةُ: مالكٌ، والشافعيُّ، وأحمدُ، وأَهْلُ السُّنَنِ، وابنُ خُزَيْمَةَ، وابنُ حِبّانَ في صحيحيهِما، وفي إسْنادِ هذا الحَديثِ اخْتِلافٌ، لكنْ، قالَ البخاريُّ، والتِّرمذِيُّ: هو حديث: صحيحٌ.
- وعن جابرٍ عن النّبيِّ ﷺ، قالَ في البَحْرِ: " هوَ الطّهورُ ماؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ " (^٩)، رَواهُ أَحمدُ، وابنُ ماجةَ، والدارَقُطنيُّ، وابنُ جَريرٍ، والحاكِمُ، بإسْنادٍ: جيِّدٍ.
_________
(^٣) ذكره الدارقطني (١/ ٣٠ / ٣١) مستفيضا في سننه.
(^٤) قول الترمذي: هو حديث حسن (١/ ٩٦).
(^٥) رواه أحمد (٥/ ٣٣٨)، المسند مع منتخب كنز العمال.
(^٦) رواه أحمد (١/ ٢٣٥) المسند.
(^٧) رواه الدارقطني (١/ ٢٩).
(^٨) رواه مالك (١/ ٣٥)، والشافعي الأم (١/ ٣)، وأحمد (٢/ ٢٣٧) المسند، وأبو داود (١/ ١٩)، والنسائي (١/ ٥٠)، والترمذي (١/ ١٠١)، وابن ماجة (١/ ١٣٦)، وابن خزيمة (١/ ٥٩)، وابن حبان (٦٠) موارد الظمآن.
(^٩) رواه أحمد (٣/ ٣٧٣)، المسند، وابن ماجة (١/ ١٣٧)، والدارقطني (١/ ٣٤)، والحاكم (١/ ١٤٣).
1 / 24
وعن ابنِ الفِراسِيِّ، قالَ: " كُنْتُ أَصيدُ، وكانتْ لي قِرْبَةٌ أجعَلُ فيها ماءً، وإني توَضَّأْتُ بماءِ البَحْرِ، فذَكَرْتُ ذلك لرسولِ اللهِ ﷺ، فقالَ: هوَ الطَّهورُ ماؤُهُ، الحِلُّ مَيْتَتُهُ " (^١٠)، رَواهُ ابنُ ماجة بإسْنادٍ حَسَنٍ.
- ورَواهُ الحاكِمُ عن ابنِ عبّاسٍ مرفوعًا (^١١)، وقال: على شرْطِ مُسْلمٍ، لكن قالَ الدرَقُطنيُّ: الصوابُ: أَنّهُ موْقوفٌ (^١٢)، فهذهِ شواهدُ لِصِحَّةِ الحَديثِ.
- عن عائشةَ ﵂، قالَتْ: " دَخَلَ عَلَيَّ رَسولُ اللهِ ﷺ، وقَدْ سَخَّنْتُ ماءً في الشّمسِ، فقالَ: لا تَفْعَلي يا حُمَيْراءُ، فإنّهُ يُورِثُ البرَصَ " (^١٣)، رواهُ الدارَقُطنيُّ، وهوَ: حَديثٌ ضَعيفٌ جدًّا؛ لأنَّهُ مِن روايةِ جماعةٍ كَذّابينَ عن هِشامِ بنِ عُرْوَةَ عن أبيهِ عن عائشَةَ، وقولُ أبي نَصْرِ بنِ الصَّباغِ في " الشّاملِ ": رَواهُ مالكٌ عن هِشامِ بن عُرْوَةَ: غَريبٌ جدًّا، فإنَّهُ لَمْ يُرْوَ مِن حديثِ مالِكٍ إلاّ بسندٍ مُنكرٍ، كما قالهُ الحافظُ أبو بكرٍ البَيْهقيُّ (^١٤) ﵀، وقالَ النّواوِيُّ: هذا: حديثٌ ضَعيفٌ باتّفاقِ المُحدّثين، ومنهم مَنْ يَجعَلُهُ موضوعًا، وقد رُويَ هذا الحديثُ عَن أَنَسٍ مَرفوعًا، ولا يَثْبُتُ، لأنَّ في إسْنادِهِ مَنْ لا يُعْرَفُ، وأَقْرَبُ ما في ذلِكَ: ما رَواهُ الشافِعيُّ عَن عُمرَ بنِ الخَطّابِ: " أَنَّهُ كانَ يَكْرَهُ الاغْتسالَ بالماءِ المُشَمَّسِ، وقالَ: إنَّهُ يُورِثُ البَرَصَ " (^١٥)، لكنّهُ مِن رِوايتِهِ عن إبراهيم بنِ محمدِ بن أبي يَحيى، وقَد كانَ الشافِعيُّ يُوثِّقُهُ، وكذا محمدُ بنُ سَعيدٍ: حَمدانُ بنُ الأَصْبَهانِيُّ، وأَبو أحمدَ بنُ عدِيُّ، وتركَهُ سائِرُ الأَئِمّةِ، حتّى قالَ يَحيى بنُ سَعيدٍ القَطّانُ، ويزيدُ بنُ هارونَ، ويحيى بنُ مَعينٍ، وَغَيرُ واحِدٍ، هوَ كَذّابٌ.
- وعن أَبي هُريرَةَ، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: " إذا وَقَعَ الذُّبابُ في إناءِ أحدِكُم،
_________
(^١٠) رواه ابن ماجة (١/ ١٣٧).
(^١١) رواه الحاكم عن ابن عباس مرفوعًا (١/ ١٤٠).
(^١٢) قول الدارقطني بوقفه ذكره في سننه (١/ ٣٥).
(^١٣) رواه الدارقطني (١/ ٣٨).
(^١٤) قول البيهقي هذا ذكره في الكبرى (١/ ٧).
(^١٥) رواه الشافعي (١/ ٣) الأم، والبيهقي من طريقه في الكبرى (١/ ٦).
1 / 25
فليغمِسهُ كُلَّهُ، ثُمَّ ليَطْرَحْهُ، فَإنَّ في أحدِ جَناحَيهِ شِفاءً، وفي الآخرِ داءً " (^١٦)، رواهُ البُخارِيُّ.
- وروى أحمدُ، والنَّسائيُّ، وابنُ ماجَةَ عن أبي سعيدٍ مِثْلُهُ، وفيهِ: " فَإنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ، ويُؤَخِّرُ الشِّفاءَ " (^١٧).
- وعن سَلْمانَ الفارسيِّ، قالَ: قال رسولُ اللهِ ﷺ: " كُلُّ طَعامٍ وشَراب وقَعَتْ فيهِ دابّةٌ لَيْسَ لَها دَمٌ، فماتَتْ فيهِ، حلالٌ أَكْلُهُ وشرْبُهُ، ووضوءُهُ " (^١٨)، رَواهُ الدارَقُطنيُّ، وقالَ: لَمْ يَرْوهِ غيرُ سعيدِ بنِ أبي سعيدٍ الزُّبَيْدِيِّ، وهوَ: ضعيفٌ، وقالَ ابنُ عَديٍّ: هوَ: شيخٌ مَجهولٌ، وهذا الحديثُ، ليسَ بمحفوظٍ.
- عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ، ﵄، قالَ: سمعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ، وهو يُسْألُ عنِ الماءِ يكونُ بالفَلاةِ منَ الأَرضِ، وما ينوبُهُ من السِّباع، والدَّوابّ؟ فقالَ: " إذا كانَ الماءُ قُلَّتينِ، لَمْ يَحْملِ الخبَثَ " (^١٩) رَواهُ الشّافِعِيُّ، وأَحمدُ، وأَهْلُ السُّنَنِ، وابنُ خُزَيْمةَ، وابنُ حِبّانَ، في صحيحيهما، والحاكمُ في المُسْتَدْرَكِ، وقالَ: على شرْطِ البخاريِّ ومُسلمٍ، وصحَّحَهُ البَيْهَقِيُّ، والطَّحاويُّ، والخَطّابيُّ، وغيرُ واحدٍ من المتأَخِّرين، وقالَ أبو عمرَ بن عبدِ البَرِّ: هوَ: حديثٌ مُضْطَرِبٌ، وتوقّفَ فيهِ، وقالَ ابنُ مَعينٍ: هو: حديثٌ جيِّدٌ الإسْنادِ، وفي لَفْظٍ ابنِ ماجَةَ: " لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيءٌ " (^٢٠)، وفي لَفْظٍ
_________
(^١٦) رواه البخاري (٧/ ١٨١) نواوي الحنفي " اليونينية ".
(^١٧) رواه أحمد (٣/ ٦٧) المسند، والنسائي (٧/ ١٧٩)، وابن ماجة (٢/ ١١٥٩) لكنه عند النسائي مختصر ودون الزيادة، فلعلها في الكبرى له.
(^١٨) رواه الدارقطني (١/ ٣٧).
(^١٩) رواه الشافعي (١/ ٤) الأم، وأحمد (٢/ ١٢) المسند، وأبو داود (١/ ١٥)، والنسائي (١/ ٤٦)، والترمذي (١/ ٩٧)، وابن ماجة (١/ ١٧٢)، وابن خزيمة (١/ ٤٩)، وابن حبان (٦٠) موراد الظمآن بلفظ: " لم يجنسه شيء "، والحاكم (١/ ١٣٢).
(^٢٠) رواه ابن ماجة بهذا اللفظ كما قلنا توًا (١/ ١٧٢).
1 / 26