ارشاد
الإرشاد إلى نجاة العباد للعنسي
وعن عبد المنعم بن إدريس قال: "يحكى أن عابدا عبد الله سنين كثيرة فأتاه الشيطان فقال: ما الذي حملت عليه نفسك من الشدة ؟ فكأن النار خلقت لها وحدك !؟ ادخل المدينة وخالط الناس، فدخل المدينة فرأى من المنكرات والمعاصي ما استعظمه وضاق صدره، وأراد الانصراف إلى صومعته فاستحيى من ربه، فلما طال تفكره فقال: على كل حال مولاي أرحم بي من غيره، ثم رجع إلى صومعته فنودي توكلت علينا فكفيناك، وآثرت علينا فتركناك، وأقبلت إلينا فقبلناك، قارفت ذنوبا فغفرناه. وسمع صوتا ولم ير قائله شعرا:
سأترك ما بيني وبينك واقفا فإن عدت عدنا والوداد سليم
تواصل قوما للوفاء بعهدهم وتترك مثلي والوفاء قديم
ولو قد بلوت الناس حق اختبارهم رجعت إلى وصلى وأنت كريم
ومن الموانع عن التوبة استحكام الذنب
وذلك بالبخل بترك الدنيا، وكثرة العشق لها، وطلب العز العاجل ؛ فإن بذلك يستحكم الداء، وقد ثبت أن الداء إذا استحكم لم يداو، وإنما يستحكم الذنب بكثرة مواصلة الذنوب على الاستمرار، من غير مداخلة بينها للندم والاستغفار ؛ فإن ذلك يورث استحكام الذنب، ونسيان التوبة وهي الدواء، كما أنه إذا استمر الداء من غير تعاهد له بالدواء فإنه يستحكم في العافية ولا يداوى أبدا.
وقيل في قوله تعالى: {[كلا] بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون}(1) إنه الذنب على الذنب حتى يسود القلب.
وعلى هذا المعنى يحمل قوله تعالى: {طبع الله على قلوبهم}(2) و{ختم [الله] على قلوبهم}(3) وما أشبه ذلك، فإن المراد بذلك ظهور علاماته للملائكة عليهم السلام أنهم لا يتوبون لكثرة ذنوبهم، واستحكام أدوائهم، وأنه تعالى قد حكم أنهم لا يتوبون لعلمه بذلك منهم، وهذا هو المانع لفرعون لعنه الله تعالى من التوبة، واتباع موسى عليه السلام مع ما رأى من الآيات الكبار.
مخ ۳۳۰