قوله ان لكم ربًا كلفكم حقوقًا وهو يعاقبكم على تركها ويثيبكم على فعلها وقد بعثني رسولًا إليكم لأبين ذلك لكم، فيلزمنا لا محالة أن نعرف أن لنا ربًا أم لا. وإن كان فهل يمكن أن يكون حيًا متكلمًا حتى يأمر وينهى ويكلف ويبعث الرسل، وإن كان متكلمًا فهل هو قادر على أن يعاقب ويثيب إذا عصيناه أو أطعناه، وإن كان قادرًا فهل هذا الشخص بعينه صادق في قوله أنا الرسول إليكم. فإن اتضح لنا ذلك لزمنا لا محالة، إن كنا عقلاء، أن نأخذ حذرنا وننظر لأنفسنا ونستحقر هذه الدنيا المنقرضة بالاضافة إلى الآخرة الباقية فالعاقل من ينظر لعاقبته ولا يغتر بعاجلته. ومقصود هذا العلم إقامة البرهان على وجود الرب تعالى وصفاته وأفعاله وصدق الرسل كما فصلناه في الفهرست. وكل ذلك مهم لا محيص عنه لعاقل.
فإن قلت اني لست منكرًا هذا الانبعاث للطلب من نفسي ولكني لست أدري أنه ثمرة الجبلة والطبع وهو مقتضى العقل أو هو موجب الشرع إذ للناس كلام في مدارك الوجوب؛ فهذا انما تعرفه في آخر الكتاب عند تعرضنا لمدارك الوجوب. والاشتغال به الآن فضول بل لا سبيل بعد وقوع الانبعاث إلى الانتهاض لطلب الخلاص. فمثال الملتفت إلى ذلك مثال رجل لدغته حية أو عقرب وهي معاودة اللدغ والرجل قادر على الفرار ولكنه متوقف ليعرف ان الحية جاءته من جانب اليمين أو من جانب اليسار، وذلك من أفعال الأغبياء الجهال نعوذ بالله من الاشتغال بالفضول مع تضييع المهمات والأصول.
1 / 13