بجسم ولا جوهر متحيز ولا عرض فيه فلا يدرك بالحس ونحن ندعي وجوده وندعي أن العالم موجود به، وبقدرته، وهذا يدرك بالدليل لا بالحس، والدليل ما ذكرناه، فلنرجع إلى تحقيقه. فقد جمعنا فيه أصلين فلعل الخصم ينكرهما، فنقول له: في أي الأصلين تنازع؟ فإن قال إنما أنازع في قولك إن كل حادث فله سبب فمن أين عرفت هذا، فنقول: إن هذا الأصل يجب الاقرار به، فإنه أولي ضروري في العقل، ومن يتوقف فيه فإنما يتوقف لأنه ربما لا ينكشف له ما نريده بلفظ الحادث، ولفظ السبب، وإذا فهمهما صدق عقله بالضرورة بأن لكل حادث سببًا، فانا نعني بالحادث ما كان معدومًا ثم صار موجودًا فنقول وجوده قبل أن وجد كان محالًا أو ممكنًا، وباطل أن يكون محالًا لأن المحال لا يوجد قط، وإن كان ممكنًا فلسنا نعني بالممكن إلا ما يجوز أن يوجد ويجوز أن لا يوجد ولكن لم يكن موجودًا لأنه ليس يجب وجوده لذاته إذ لو وجد وجوده لذاته لكان واجبًا لا ممكنًا، بل قد افتقر وجوده إلى مرجح لوجوده على العدم حتى يتبدل العدم بالوجود. فإذا كان استمرار عدمه من حيث أنه لا مرجح للوجود على العدم، فمن لم يوجد المرجح لا يوجد الوجود، ونحن لا نريد بالسبب إلا المرجح: والحاصل أن المعدوم المستمر العدم لا يتبدل عدمه بالوجود ما لم يتحقق أمر من الأمور يرجح جانب الوجود على استمرار العدم، وهذا إذا حصل في الذهن معنى لفظه كان العقل مضطرًا إلى التصديق به. فهذا بيان اثبات هذا الأصل وهو على التحقيق شرح للفظ الحادث والسبب لاقامة دليل عليه.
فإن قيل لم تنكرون على من ينازع في الأصل الثاني، وهو قولكم أن العالم حادث، فنقول: إن هذا الأصل ليس بأولي في العقل، بل نثبته ببرهان منظوم من أصلين آخرين هو أنا نقول إذ قلنا أن العالم حادث أردنا بالعالم الآن، الأجسام والجواهر فقط، فنقول كل جسم فلا يخلو عن الحوادث وكل ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، فيلزم منه أن كل جسم فهو حادث ففي أي الأصلين النزاع؟
فإن قيل لم قيل أن كل جسم أو متحيز فلا يخلو عن الحوادث؟ قلنا: لأنه لا يخلو عن الحركة والسكون وهما حادثان، فإن قيل: ادعيتم وجودهما ثم حدوثهما، فلا نسلم الوجود ولا الحدوث،
1 / 25