أو كان قد أثبت عليه بالدليل فإنا نثبت هذا الأصل بإجماع الأمة على صدق قول القائل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فيكون السمع مانعًا من الانكار.
السادس: أن يكون الأصل مأخوذًا من معتقدات الخصم ومسلماته. فإنه وإن لم يقم لنا عليه دليل أو لم يكن حسيًا ولا عقليًا، انتفعنا باتخاذه إياه أصلًا في قياسنا وامتنع عليه الإنكار الهادم لمذهبه. وأمثلة هذا مما تكثر فلا حاجة إلى تعيينه. فإن قلت: فهل من فرق بين هذه المدارك في الانتفاع بها في المقاييس النظرية؟ فاعلم أنها متفاوتة في عموم الفائدة، فإن المدارك العقلية والحسية عامة مع كافة الخلق إلا من لا عقل له ولا حس له وكان الأصل معلومًا فالحس الذي فقده كالأصل المعلوم بحاسة البصر إذا استعمل مع الأكمه فإنه لا ينفع، والأكمه إذا كان هو الناظر لم يمكنه أن يتخذ ذلك أصلًا، وكذلك المسموع في حق الأصم. وأما المتواتر فإنه نافع ولكن في حق من تواتر إليه، فأما من لم يتواتر إليه ممن وصل إلينا في الحال من مان بعيد لم تبلغه الدعوة فأردنا أن نبين له بالتواتر أن نبينا وسيدنا محمدًا ﷺ تسليمًا وعلى آله وصحبه تحدى بالقرآن، لم يقدر عليه ما لم يمهله مدة من يتواتر عنده، ورب شيء يتواتر عند قوم دون قوم، فقول الشافعي رحمه الله تعالى في مسألة قتل المسلم بالذمي متواتر عند الفقهاء من أصحابه دون العوام من المقلدين وكم من مذهب له في أحاد المسائل لم يتواتر عند أكثر الفقهاء وأما الأصل المستفاد من قياس آخر فلا ينفع إلا مع من قدر معه ذلك القياس.
وأما مسلمات المذاهب فلا تنفع الناظر وإنما تنفع المناظر مع من يعتقد ذلك المذهب. وأما السمعيات فلا تنفع إلا من يثبت السمع عنه، فهذه مدارك علوم هذه الأصول المفيدة بترتيبها ونظمها العلم بالأمور المجهولة المطلوبة وقد فرغنا من التمهيدات فلنشتغل بالأقطاب التي هي مقاصد الكتاب.
1 / 23