تعالى، ولا هو من صفاته، وإنما هو للعبد بين يديه، وإنما المعنى مقامه بين يدي، أو عندي.
والتأويل الثاني: أن يكون الله سماهم مساكين على جهة الترحم الذي تستعمله العرب في قولهم: مررت بزيد المسكين، يسمونه مسكينًا إشفاقًا وتحننًا، وليس مسكينًا حقيقة، ويبينه ما روي من قوله ﵇: "مسكين مسكين رجل لا أهل له". ولم يقع الخلاف في المسكين الذي يستعمل مجازًا، ولا على وجه التمثيل، إنما وقع في المسكين على الحقيقة؛ فلذلك لم يكن في الآية حجة.
وأما احتجاجهم بأن الفقير المكسور الفقار، فلا حجة فيه لوجهين:
أحدهما: أنه تمثيل وليس بحقيقة.
والثاني: أنه يجوز/ ٣٢/أأن يكون مشتقًا من فقرت أنف البعير: إذا حززته بحديدة، ثم وضعت على موضع الحز الحديدة، وعليه وتر ملوي؛ لتذلله وتروضه، فيكون سمي الفقير؛ لأن الدهر أذله، وفعل به ما فعل بالبعير الصعب. وقال أبو الحسن الأخفش: الفقير: مشتق من قولهم: فقرت له فقيرة من المال؛ أي: أعطيته. واعترض القائلون بأن المسكين أحسن حالًا من الفقير في بيت الراعي، فقالوا: لما وصفه بأن له حلوبة، دل على أن يكون فقيرًا، ليس كذلك، وهو فاسد؛ لأن أقل ما يلزم منه أن الفقير يقع على من له حلوبة، وعلى من لا حلوبة له؛ فلذلك وصفه للبيان، وفيه خلاف لما ادعوه من أن الفقير إنما يخص لمن لا شيء له، وإنما احتاج الراعي إلى أن يبين أن الفقير الذي كان