بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله محيي الأموات، ومميت الأحياء، الذي لا تعجز قدرته عن شئ من الأشياء، الذي فضل الأنبياء والأوصياء على جميع القبائل والعشائر، وفضل بعدهم المؤمنين فبشرهم بأحسن البشائر، وذخر لأهل العصمة وشيعتهم أشرف الكنوز والذخائر، وخصهم بأفضل المفاخر وأكمل المآثر، وأتم لهم الفضائل الباطنة والظاهرة، وجعل لهم البشرى في الحياة الدنيا والآخرة، فوعدهم بالدولة الظاهرة والصولة القاهرة، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، صلاة وسلاما دائمين إلى يوم الدين.
وبعد: فيقول الفقير إلى الله الغني محمد بن الحسن الحر العاملي عامله الله بلطفه الخفي والجلي: قد جمع بعض السادات المعاصرين رسالة في إثبات الرجعة التي وعد الله بها المؤمنين، والنبي والأئمة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين، وفيها أشياء غريبة مستبعدة لم يعلم من أين نقلها، ليظهر أنها من الكتب المعتمدة، فكان ذلك سببا لتوقف بعض الشيعة عن قبولها، حتى انتهى إلى إنكار أصل الرجعة، وحاول إبطال برهانها ودليلها، وربما مال إلى صرفها عن ظاهرها وتأويلها، مع أن الأخبار بها متواترة والأدلة العقلية والنقلية على إمكانها ووقوعها كثيرة متظاهرة.
وقد نقل جماعة من علمائنا إجماع الإمامية على اعتقاد صحتها، وإطباق الشيعة الاثنا عشرية على نقل أحاديثها وروايتها، وتأولوا معارضها على شذوذه وندوره بالحمل على التقية، إذ لا قائل بها من غير الشيعة الإمامية، وذلك دليل
مخ ۳۵
واضح على صحتها، وبرهان ظاهر على (ثبوتها ونقل روايتها) (1)، فالتمس مني بعض الإخوان جمع ما حضرني من أخبارها، والكشف عن حقيقة أسرارها، وما ورد فيها من أحاديث الكتب المعتمدة من الروايات، وما يمكن إثباته من كلام علمائنا الأثبات، فرأيت ذلك من جملة المهمات بل من الفروض الواجبات، فشرعت في جمعها إظهارا لنصيحة المؤمنين، ودفعا للشبهات عن أحكام الدين، مع ضيق الوقت، وتراكم الأشغال، وكثرة الموانع الموجبة للكلال واشتغال البال، وقلة وجود الكتب التي يحتاج إليها ويعول في مثل ذلك عليها، وفيما حضر من ذلك كفاية إن شاء الله تعالى لذوي الانصاف، الذين يتنكبون طريق البغي والاعتساف.
فإن الذي وصل إلينا في هذا المعنى قد تجاوز حد التواتر المعنوي، وأوجب لأهل التسليم العلم القطعي اليقيني، وقد سميت هذه الرسالة ب " الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة " سائلا من الله التوفيق والتسديد، راغبا من كرمه في المعونة والتأييد، راجيا منه جزيل الثواب، وأن ينفع بها في الدنيا ويوم الحساب، وهي مرتبة على أبواب اثنى عشر تبركا بهذا العدد الشريف.
الأول: في المقدمات.
الثاني: في الإشارة إلى الاستدلال على الرجعة وإمكانها ووقوعها.
الثالث: في جملة من الآيات القرآنية الدالة على ذلك ولو بانضمام الأحاديث في تفسيرها.
الرابع: في إثبات أن ما وقع في الأمم السابقة يقع مثله في هذه الأمة.
الخامس: في إثبات أن الرجعة قد وقعت في الأمم السابقة.
مخ ۳۶
السادس: في إثبات أن الرجعة قد وقعت في الأنبياء والأوصياء السابقين.
السابع: في إثبات أن الرجعة قد وقعت في هذه الأمة في الجملة، ليزول استبعاد الرجعة الموعود بها في آخر الزمان.
الثامن: في إثبات أن الرجعة قد وقعت للأنبياء والأئمة (عليهم السلام) في هذه الأمة في الجملة، ليزول بها الاستبعاد المذكور.
التاسع: في جملة من الأحاديث المعتمدة الواردة في الإخبار بالرجعة لجماعة من الشيعة وغيرهم من الرعية.
العاشر: في جملة من الأحاديث المعتمدة الواردة في الإخبار بالرجعة لجماعة من الأنبياء والأئمة (عليهم السلام).
الحادي عشر: في أنه هل بعد دولة المهدي (عليه السلام) دولة أم لا؟
الثاني عشر: في ذكر شبهة منكر الرجعة والجواب عنها.
والله ولي التوفيق وبيده أزمة التحقيق.
مخ ۳۷
بياض
مخ ۳۸
الباب الأول في المقدمات التي لابد منها قبل الشروع في المقصود، ليكون الطالب لتحقيق هذه المسألة على بصيرة في طلبه، ونذكرها على وجه الاختصار إذ يكفي التنبيه عليها والإشارة إليها وهي اثنتا عشرة:
الأولى: في وجوب التسليم لما ورد عنهم (عليهم السلام).
والأحاديث في ذلك كثيرة جدا ولا بأس بإيراد شئ منها:
1 - روى الشيخ الجليل ثقة الاسلام محمد بن يعقوب الكليني - في باب التسليم - عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حماد بن عثمان، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي (1)، قال:
قال أبو عبد الله (عليه السلام): " لو أن قوما عبدوا الله وحده لا شريك له، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وحجوا البيت، وصاموا شهر رمضان، ثم قالوا لشئ صنعه الله أو صنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله): ألا صنع خلاف الذي صنع؟ كانوا (2) بذلك مشركين، ثم تلا
مخ ۳۹
هذه الآية * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) * (1) ثم قال: عليكم بالتسليم " (2).
2 - وعن علي بن محمد، عن بعض أصحابنا، عن الخشاب، عن العباس بن عامر، عن ربيع المسلي، عن يحيى بن زكريا الأنصاري (3)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " من سره أن يستكمل الإيمان كله فليقل: القول مني في جميع الأشياء قول آل محمد، فيما أسروا وما أعلنوا، وفيما بلغني عنهم وما لم يبلغني " (4).
3 - وفي باب معرفة الإمام والرد إليه. عن الحسين بن محمد (5)، عن الحسن بن علي، عن أحمد بن عائذ، عن أبيه، عن ابن أذينة، عن غير واحد، عن أحدهما (عليهما السلام) قال: " لا يكون العبد مؤمنا حتى يعرف الله ورسوله والأئمة كلهم وإمام زمانه، ويرد إليه ويسلم له " (6).
4 - وعن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عمن ذكره، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
" لا تكونون صالحين حتى تعرفوا، ولن تعرفوا حتى تصدقوا، ولن تصدقوا حتى تسلموا أبوابا أربعة، لا يصلح آخرها إلا بأولها (7)، ضل أصحاب الثلاثة وتاهوا
مخ ۴۰
تيها بعيدا " (1).
أقول: والأدلة العقلية والنقلية على ذلك كثيرة.
الثانية: في أن حديثهم (عليهم السلام) صعب مستصعب وأنه لا يجوز إنكاره.
5 - روى الكليني - في باب أن حديثهم صعب مستصعب - عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن جابر قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن حديث آل محمد صعب مستصعب، لا يحتمله (2) إلا ملك مقرب أو نبي مرسل، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، فما ورد عليكم من حديث آل محمد فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه، وما اشمأزت منه قلوبكم وأنكرتموه فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمد، وإنما الهلاك (3) أن يحدث أحدكم بحديث (4) لا يحتمله، فيقول: والله ما كان هذا. والإنكار هو الكفر " (5).
ورواه الصفار في " بصائر الدرجات " عن محمد بن الحسين ببقية السند (6).
6 - وعن أحمد بن إدريس، عن عمران بن موسى، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة (7)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " ذكرت التقية عند علي بن
مخ ۴۱
الحسين (عليه السلام) فقال: والله لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، ولقد آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بينهما فما ظنكم بسائر الخلق؟ إن علم العلماء صعب مستصعب، لا يحتمله إلا نبي مرسل، أو ملك مقرب، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، قال:
وإنما صار سلمان من العلماء لأنه امرؤ منا أهل البيت فلذلك نسبته إلى العلماء " (1).
أقول: قوله: " لقتله " يحتمل وجوها ذكرها السيد المرتضى في الدرر والغرر وغيره وأقربها أن الضمير المرفوع عائد إلى العلم الذي في قلب سلمان، والضمير المنصوب عائد إلى أبي ذر، والمعنى إن أبا ذر لا يحتمل كل ذلك العلم فلو علمه لقتله علمه به.
ويؤيده الحديثان الآتيان، ألا ترى أن بعضهم جن وذهب عقله بسبب حديث واحد، وبعضهم شاب رأسه ولحيته لأجل ذلك، ولو لم ينس الحديث لمات وقتله علمه.
7 - وروى الشيخ الجليل قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب " نوادر المعجزات " الذي جعله ملحقا بكتاب " الخرائج والجرائح " ومضافا إليه قال: أخبرني جماعة منهم أبو جعفر محمد بن علي بن الحسن (2) النيسابوري ومحمد بن علي بن عبد الصمد، عن أبيه قال: حدثنا أبو محمد أحمد بن محمد
مخ ۴۲
المعمري (1)، عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن علي بن الحكم، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " أتى الحسين بن علي (عليه السلام) أناس من أصحابه (2) فقالوا له: يا أبا عبد الله (عليه السلام) حدثنا بفضلكم الذي جعله الله لكم، فقال: إنكم لا تطيقون، فقالوا: بلى (3)، فقال: إن كنتم صادقين فليتنح اثنان وأحدث واحدا فإن احتمل حدثتكم، فتنحى اثنان وحدث واحدا، فقام طائر العقل فخرج على وجهه وذهب، وكلمه صاحباه فلم يرد عليهما وانصرفوا " (4).
8 - وبهذا الإسناد قال: " أتى رجل الحسين (عليه السلام) فقال: حدثني بفضلكم الذي جعله الله لكم، قال: إنك لن تطيق حمله، قال: بلى حدثني يا بن رسول الله فإني أحتمله، فحدثه الحسين بحديث، فما فرغ الحسين (عليه السلام) من حديثه حتى ابيض رأس الرجل ولحيته وانسي الحديث، فقال الحسين (عليه السلام): أدركته رحمة الله حين أنسي الحديث " (5).
9 - وروى الشيخ الأجل رئيس المحدثين أبو جعفر بن بابويه في " كتاب الأمالي " - في المجلس الأول - عن علي بن الحسين بن شقير (6) الهمداني، عن جعفر بن أحمد بن يوسف الأزدي، عن علي بن بزرج الحناط، عن عمرو بن
مخ ۴۳
اليسع، عن شعيب الحداد (1) قال: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول: " إن حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، أو مدينة حصينة " فسألته عنها؟ فقال: " هي القلب المجتمع " (2).
أقول: والأحاديث في هذا المعنى أيضا كثيرة جدا.
الثالثة: في عدم جواز التأويل بغير نص ودليل.
10 - روى الكليني - في باب صفة العلم وفضله - عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد (3) عن أبي البختري، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
" إن العلماء ورثة الأنبياء - إلى أن قال -: فانظروا علمكم هذا عمن تأخذونه، فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولا ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين " (4).
11 - وروى العامة والخاصة بأسانيد متعددة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام ):
" إنك تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله " (5).
مخ ۴۴
12 - وروى جماعة من علمائنا منهم الرضي في نهج البلاغة والطبرسي في الإحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال في كلام له: " إنا أصبحنا نقاتل إخواننا في الدين على ما دخل فيه من الزيغ، والشقاق (1)، والشبهة، والتأويل " (2).
أقول: والأحاديث في ذلك أيضا كثيرة جدا منها ما ورد في تفسير قوله تعالى * (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) * (3) وردت أحاديث كثيرة أن المراد بهم النبي والأئمة (عليهم السلام) (4).
الرابعة: في عدم جواز التعمق والتدقيق المنافي للتسليم.
13 - روى الكليني - في باب دعائم الكفر وشعبه - عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني (5)، عن عمر بن أذينة (6) عن
مخ ۴۵
أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: " بني الكفر على أربع دعائم: على الفسق والغلو والشك والشبهة - إلى أن قال -: والغلو على أربع شعب: على التعمق بالرأي والتنازع فيه، والزيغ والشقاق، فمن تعمق لم ينب إلى الحق، ولم يزدد إلا غرقا في الغمرات، ولم تنحسر عنه فتنة إلا غشيته أخرى، وانخرق دينه فهو يهوى في أمر مريج، ومن نازع بالرأي وخاصم شهر بالفشل (1) من طول اللجاج، ومن زاغ قبحت عنده الحسنة وحسنت عنده السيئة، ومن شاق (2) أوعرت عليه طرقه، واعترض عليه أمره، فضاق عليه مخرجه، إذ لم يتبع سبيل المؤمنين " (3) الحديث.
ورواه السيد الرضي في نهج البلاغة (4).
14 - وفي باب " النسبة " عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد (5)، قال: سئل علي بن الحسين (عليهما السلام) عن التوحيد، فقال: " إن الله عز وجل علم أنه يكون في آخر الزمان قوم متعمقون (6) فأنزل الله * (قل هو الله أحد) * والآيات من سورة الحديد إلى
مخ ۴۶
قوله * (عليم بذات الصدور) * (1) فمن رام وراء ذلك فقد هلك " (2).
15 - وروى الحسن بن سليمان بن خالد القمي عنهم (عليهم السلام) أنهم قالوا: " نجا المسلمون وهلك المتكلمون " (3). والأحاديث في هذا المعنى أيضا كثيرة.
الخامسة: في وجوب الرجوع في جميع الأحكام إلى أهل العصمة (عليهم السلام).
16 - روى الكليني - في باب الضلال - عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن هاشم صاحب البريد، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): " أما والله إنه شر عليكم أن تقولوا بشئ ما لم تسمعوه منا " (4).
17 - وفي " باب من مات وليس له إمام " عن بعض أصحابنا عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن مالك بن عامر، عن المفضل بن زائدة، عن المفضل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): " من دان (5) بغير سماع عن صادق ألزمه الله التيه (6) إلى العناء، ومن ادعى سماعا من غير الباب الذي فتحه الله تعالى فهو مشرك، وذلك الباب المأمون على سر الله المكنون " (7).
أقول: والأحاديث في ذلك أكثر من أن تحصى، وأوفر من أن تستقصى، قد
مخ ۴۷
تجاوزت حد التواتر بمراتب، والأدلة العقلية والنقلية على ذلك كثيرة.
السادسة: في وجوب العمل بما لا يحتمل التقية من الأحاديث وترك ما عارضه إذا وافق التقية.
18 - روى الكليني - في باب اختلاف الحديث - عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة (1)، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل أنه قال له:
فإن كان الخبران مشهورين عندكم، قد رواهما الثقات عنكم؟ قال: " ينظر، فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة ".
قلت: أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة، ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم؟ قال: " ما خالف العامة ففيه الرشاد " (2) الحديث.
19 - وروى الشيخ الجليل محمد بن أبي جمهور الإحسائي في كتاب " غوالي اللئالي " قال: روى العلامة مرفوعا عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) فقلت:
يأتينا عنكم حديثان متعارضان - إلى أن قال -: " انظر ما وافق منهما العامة فاتركه، وخذ بما خالفهم، فإن الحق فيما خالفهم " (3) الحديث.
أقول: والأحاديث في ذلك كثيرة جدا، وقد روي ما يدل على جواز الأخذ
مخ ۴۸
بالحديث الذي ورد من باب التقية، ولكن ذلك غير صريح في وجود المعارض فيحمل على عدم وجود معارض له، أو على عدم العلم بكونه من باب التقية، لعدم الإطلاع على اعتقاد العامة فيه، فيعمل بالمرجحات الباقية.
إذا تقرر هذا فاعلم أن أحاديث الرجعة لا توافق العامة بوجه فيجب العمل بها، ولا يظهر لها معارض صريح أصلا، وعلى تقدير وجوده يجب حمله على التقية قطعا كما أشار إليه ابن بابويه.
السابعة: في وجوب الرجوع في جميع الأحكام إلى رواة الحديث فيما رووه عنهم (عليهم السلام).
20 - روى رئيس المحدثين ابن بابويه في كتاب " كمال الدين وتمام النعمة " ورئيس الطائفة الشيخ الطوسي " في كتاب الغيبة " وأمين الدين أبو منصور الطبرسي " في كتاب الاحتجاج " بأسانيدهم الصحيحة عن مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) أنه كتب في جواب مسائل إسحاق بن يعقوب " وأما الحوادث الواقعة فارجعوا إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله " (1).
أقول: والأحاديث الدالة على وجوب الرجوع إلى رواة أحاديثهم (عليهم السلام) عموما وخصوصا كثيرة جدا لا تحصى، ويكفي الإشارة إليها. ومن جملتها:
21 - ما رواه الكليني - في باب اختلاف الحديث - بالإسناد السابق عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحل ذلك؟ فقال: " من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتا، وإن كان حقا ثابتا - إلى أن قال -: ينظران إلى من كان منكم ممن قد روى
مخ ۴۹
حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكما، فإني قد جعلته عليكم حاكما، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد، والراد علينا راد على الله، وهو على حد الشرك بالله " (1).
22 - وروى ابن بابويه في " الأمالي " - في المجلس الرابع والثلاثين - عن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن محمد بن علي، عن عيسى بن عبد الله العلوي العمري، عن أبيه، عن آبائه، عن علي (عليه السلام) قال: " قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اللهم ارحم خلفائي - ثلاثا - قيل:
يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون بعدي، يبلغون حديثي وسنتي ثم يعلمونها أمتي " (2).
ورواه أيضا في آخر كتاب " من لا يحضره الفقيه " مرسلا (3).
23 - وقد روى الخاصة والعامة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " (4).
24 - وروى الثقة الجليل محمد بن الحسن الصفار في " بصائر الدرجات " - في باب ما يلقى إلى الأئمة (عليهم السلام) في ليلة القدر - عن عبد الله بن محمد ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن عبد الله، عن يونس، عن عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أرأيت من لم يقر بما يأتكم (5) في ليلة القدر كما
مخ ۵۰
ذكرت ولم يجحده؟ قال: " أما إذا قامت عليه الحجة ممن يثق به في علمنا فلم يثق به فهو كافر، وأما من لم يسمع ذلك فهو في عذر حتى يسمع " ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): " يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين " (1).
أقول: والأحاديث في ذلك كثيرة جدا قد تجاوزت حد التواتر، وقد جمعت منها جملة في موضع آخر، وهي كما ترى ليس فيها تعرض لاشتراط الملكة التي ذكرها بعض المتأخرين، ولا فيها رخصة للمذكورين في أن يعملوا بظنهم، أو يقولوا شيئا لم يثبت عندهم عن الأئمة (عليهم السلام).
إذا عرفت (2) ذلك ظهر لك صحة الرجعة، فإنها مذهب جميع رواة الحديث، وقد نقلوها عن الأئمة (عليهم السلام) كما ستعرفه إن شاء الله تعالى.
الثامنة: في وجوب عرض الحديث المشكوك فيه، والحديثين المختلفين على القرآن وقبول ما وافقه خاصة.
25 - روى الكليني - في باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب - عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن أيوب بن الحر (3) قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: " كل شئ مردود إلى الكتاب والسنة، وكل حديث لم يوافق كتاب الله فهو زخرف " (4).
مخ ۵۱
26 - وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: " إن على كل حق حقيقة، وعلى كل صواب نورا، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه " (1).
أقول: والأحاديث في ذلك أيضا كثيرة جدا، ويفهم من حديث آخر أن المراد عرض الحديث على الواضحات من القرآن، أو على الآيات التي ورد تفسيرها عنهم (عليهم السلام).
إذا عرفت ذلك فنقول: أحاديث الرجعة كلها من هذا القبيل الذي يوافق القرآن، فيجب الأخذ بها لما يأتي إن شاء الله تعالى.
التاسعة: في وجوب ترجيح الحديث الموافق لإجماع الشيعة بل الموافق للمشهور بينهم.
27 - روى الكليني - في باب اختلاف الحديث - بالإسناد السابق عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: " انظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك، فيؤخذ به من حكمنا، ويترك الشاذ النادر الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإن المجمع عليه لا ريب فيه " (2) الحديث.
أقول: والنصوص في ذلك كثيرة، إذا تقرر هذا فاعلم أن أحاديث الرجعة موافقة لإجماع الشيعة كما يأتي إن شاء الله تعالى، فتعين العمل بها.
العاشرة: في الإشارة إلى جملة من وجوه الترجيح المنصوص في محال التعارض.
إعلم أن الأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا وتؤيدها أدلة عقلية متعددة، وأنا
مخ ۵۲
أشير إلى الوجوه المذكورة اختصارا وهي اثنا عشر:
الأول: عدم موافقة أحد الخبرين للعامة، وموافقة الآخر لهم.
الثاني: مخالفة أشهر مذاهب العامة، وموافقة المعارض له.
الثالث: كون راوي أحدهما عدلا دون الآخر.
الرابع: كون أحد الراويين أعدل من الآخر (1).
الخامس: كون أحدهما أورع من الآخر.
السادس: موافقة أحدهما للإجماع دون معارضه.
السابع: موافقة أحدهما للمشهور بين الشيعة دون معارضه.
الثامن: كون أحد الراويين فقيها أو أفقه من الآخر.
التاسع: موافقة أحدهما للقرآن دون الآخر.
العاشر: موافقة أحدهما للسنة الثابتة دون الآخر.
الحادي عشر: كثرة رواة أحدهما بالنسبة إلى الآخر.
الثاني عشر: موافقة الاحتياط.
فهذه وجوه الترجيح المشهورة في الأحاديث وأقواها الأول عند التحقيق، ولها أحكام مفصلة في محل آخر، وأكثرها متلازمة كما يعرفه المتتبع الماهر، وإذا تأملت علمت أن أكثرها أو كلها موجودة في أحاديث الرجعة على تقدير وجود معارض صريح لها.
الحادية عشر: في وجوب الرجوع إلى الكتب الأربعة وأمثالها من الكتب المعتمدة.
28 - روى الكليني - في باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسك
مخ ۵۳
بالكتب - عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن ابن بكير، عن عبيد بن زرارة (1) قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):
" احتفظوا بكتبكم، فإنكم سوف تحتاجون إليها " (2).
29 - وعن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابه، عن أبي سعيد الخيبري، عن المفضل بن عمر قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): " اكتب وبث علمك في إخوانك، فإذا مت فأورث كتبك بنيك، فإنه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلا بكتبهم " (3).
30 - وعن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد ومحمد بن الحسين، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يجيئني القوم فيسمعون مني حديثكم فأضجر ولا أقوى، قال: " فاقرأ عليهم من أوله حديثا، ومن وسطه حديثا، ومن آخره حديثا " (4).
31 - وعنه، عن أحمد بن عمر الحلال قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام):
الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب ولا يقول أروه عني، يجوز لي أن أرويه عنه؟
قال: " إذا علمت أن الكتاب له فاروه عنه " (5).
32 - وعن علي بن محمد، عن أحمد بن محمد، عن أبي أيوب المدني، عن ابن
مخ ۵۴