Introduction to Tafsir and Quranic Sciences
مدخل إلى التفسير وعلوم القرآن
خپرندوی
دار البيان العربى
د خپرونکي ځای
القاهرة
ژانرونه
المقدمة
بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى أصحابه ومن والاه.
وبعد: فإن أكثر ما قامت عليه الحضارات البشرية كلها مردّه إلى التعاليم الإلهية التى جاءت بها النبوات الكبرى منذ العصور الأولى للإنسان.
وقد ختمت هذه النبوات، وتبلورت مفاهيمها، ووضحت صورتها تمام الوضوح ببعثة محمد ﷺ بالإسلام.
وقد كان لبعثته ﷺ فاتحة عهد جديد لظهور أمة جديدة ختمت بها الأمم، أرست قواعدها وأركانها الأساسية، وأقامت جذورها، على «الوحى الإلهى» الذى تبلور فى علوم القرآن، وعلوم السّنة.
وهذا الكتاب محاولة «لترتيب المفاهيم الفكرية للإنسان» حول جذور الحضارة الإسلامية خاصة فيما يتعلق بالمنبع الأصلى لهذه الجذور، وهو «الوحى الإلهى»، الذى لم تكن الحضارة الإسلامية بدعا من الأمم فى الاعتماد عليه، وإنما تفردت عن سائر الأمم المعتمدة على هذا المنبع فى تنظيمه، وتنسيقه، وإعداده ليكون منهج حياة يستوعب سائر الأمم مكانا وزمانا.
و«الوحى الإلهى» فى مفهوم الحضارة الإسلامية هو القرآن والسنة معا، لا ينفكان ولا ينفصلان عن «مفهوم الوحى». وإنما ينفكان وينفصلان فى ضوابط الحكم على جزئيات المسائل الفرعية بين ما هو قطعى فى دلالته على الحكم، أو ما هو ظنىّ فيها، وهذا ما توصف به السنة كما يوصف به القرآن، وذلك عند من يفهم أن منبع هذه الجذور واحد.
أما من لا يستقيم له هذا الفهم فينكر السّنة أو شيئا منها، فليس له من فهم الحضارة الإسلامية نصيب كبير، وعلّته فى سقم فهمه، ولا يفتّ فى عضد جذر
1 / 5
من جذور هذه الحضارة قليلا أو كثيرا.
وهذا الكتاب أيضا، وإن ألقى ضوءا سريعا على السنّة النبوية المشرفة، ومنزلتها، وعلومها الجليلة إلا أنه معنىّ بالدرجة الأولى فى الأخذ بيد القارئ إلى التعرف على علوم القرآن الكريم، وأولها «علم علوم القرآن» وهو علم التفسير.
فلا غرابة إذا أن يكون عنوان هذا الكتاب: «مدخل إلى التفسير وعلوم القرآن» ليعرف القارئ الكريم أن أول ما نشأ من علوم القرآن فى أحضان النّبوّة، وتحت رعايتها هو «علم التفسير» الذى احتاج فيما بعد إلى ابتكار سائر علوم القرآن ليشدّ من أزره على خدمة القرآن، والكشف عن مراد الله تعالى، وبيان تشريعه، وأحكامه، وآدابه.
وكذلك ليرتب كلّ منتم إلى حضارة الإسلام ذهنه وفكره، على أن القرآن والسنة بعلومهما، وفنونهما هما منابع تلك الحضارة، وأن البعد عن هذه المنابع بعد عن الأمة الإسلامية والانسلاخ عنها إلى حضارات أخرى ليست محل عنايتها.
وقد جاء هذا المدخل فى قسمين رئيسين: تناولت فى القسم الأول: الكلام حول مجموعة من المباحث اهتمت بالحديث عن جذور الحضارة الإسلامية.
وتناولت فى القسم الثانى: مجموعة من الأبواب المختارة فى علم التفسير، وبعض علوم القرآن المتعلقة به.
وتركت تفصيل ذكر مباحث القسمين إلى الفهرس العام.
والله أسأل أن ينفع به من صلحت نيته للاستفادة منه، وأن يأجرنا جميعا بصوالح نوايانا إنه نعم المجيب.
د/ عبد الجواد خلف كراتشى فى: ١٤٠٩ هـ- ١٩٨٩ م القاهرة فى: ١٤١٠ هـ- ١٩٩٦ م
1 / 6
القسم الأول جذور الحضارة الإسلامية
1 / 7
القسم الأول جذور الحضارة الإسلامية
المبحث الأول: تمهيد
كل أمة من أمم الأرض تخضع فى «حضارتها» بمفهومها الشامل، من ثقافة، وتربية، وتعليم، وزراعة، وصناعة، وعادات، وتقاليد، وعمران، إلى «دينها» الذى تدين به.
فأمة الهند مثلا تبنى كل حياتها على الديانة «الهندوكية» وتوابعها من البوذية، والجينية وتستمد كل ثقافاتها من هذه العقائد الدينية بما فيها أشكال الأبنية والعمارات، والزواج، والطلاق، وسائر شئون الحياة حتى التعامل مع جثث الموتى.
وكذلك أمة اليهود والنصارى يستمدان حضارتهما من ديانتهما.
والأمة التى لا تدين بدين، ولا تؤمن بإله، أمة- أيضا- تستمد حضارتها من الدين. ودين مثل هذه الأمة: «أنه لا دين لها».
ومنذ أدرك الإنسان نفسه على سطح هذا الكوكب الذى نعيش فيه، وهو يبحث بفطرته وغريزته عن سرّ وجوده فى هذا الكون، بل وعن الكون المحيط به:
من أوجده؟ وما غاية هذا الوجود؟.
ولم يزل الإنسان فى هذا البحث منذ عهد سحيق يريد أن يحدد مركزه ومركز الكون المحيط به وهو يرى السماء والأرض، والسهول والجبال، ويرى الرعد القاصف والبرق الخاطف والعواصف الشديدة، ويرى الأعاصير التى تقتلع الأشجار، والأمطار الغزيرة التى تجعله يبحث عن مأوى يحميه منها.
ثم يرى الليل، والنهار، والشمس، والقمر، وتأثير كل واحد منها على حياته، وحياة الكائنات الحية فيما حوله من حيوانات، وطيور.
1 / 9
ثم يتأمل الحياة فيمن يولد من حوله .. ويتفكر فى الموت فى من يذهب عنه ليدفن فى باطن الأرض .. ما السّر وراء كل ذلك؟!
وها هي الآثار الأدبية للإنسان المصرى القديم تحدثنا عن هذه التأملات الفكرية المتقدمة فى تلك المنظومة الرائعة للوزير «حتب» الكاهن المصرى الفرعونى، والتى سجلها فى «كتاب الموتى» حيث يقول:
«إن الموتى الذين ذهبوا لم يعد واحد منهم من «الأبديّة» ليحدثنا بما جرى لهم حتى يسعد قلوبنا .. فدع عقلك ينسى هذا، واتبع رغبات قلبك ما دمت حيّا، وتمتّع بأطايب الحياة قبل أن يأتى «يوم الآخرة» .. فالمرء لا يأخذ متاعه، والذاهب لا يعود».
ولا أحسب أن ذلك الإنسان القديم .. قدم التاريخ .. وهو يقدم لنا هذا الفكر المتواضع كان يدرك- وهو يفعل هذا- أنه إنما ينمّى غريزة كامنة فى نفسه، ألا وهى غريزة التدين!
فكما أن علماء الاجتماع توصلوا إلى أن الإنسان «مدنى بطبعه» فإن علماء الأديان يحق لهم أن يقولوا أيضا: «إن الإنسان متدين بطبعه» .. !
وغريزة التدين شأنها شأن سائر الغرائز التى أودعها الله فى الإنسان كغريزة الجوع، وغريزة العطش، وغريزة التّمدن، وغريزة حبّ التملك، وغيرها من الغرائز التى تطالب الإنسان أن يسعى إلى إشباعها، وسدّ مطالبها واحتياجاتها.
فغريزة الجوع: تدفعه إلى العمل، والسعى فى الأرض للحصول على الرزق الذى يهيئ له الطعام ليسد به غائلة جوعه، ويشبع به هذه الغريزة.
وغريزة العطش: تدفعه إلى البحث عن الماء، وتنمية موارده وتخزينه، واستعماله عند الضرورة والحاجة.
وغريزة التّمدّن: جعلته يشعر بالحاجة إلى أخيه من بنى الإنسان، وأنه لا
1 / 10
يمكن أن يعيش بمفرده منعزلا عن الآخرين.
وغريزة حب التملك: دفعته إلى اقتناء الحاجات الضرورية، وحفظها، والدفاع عنها ضد من يحاول أن ينتزعها من يده.
وكذلك «التدين» غريزة دفعته إلى أن ينظر إلى نفسه، من أين أتى ..؟ وإلى أين يذهب ..؟
وأن ينظر إلى الكون من حوله .. ما مصيره؟ وما مصير العالم كله من بعده؟
وسرعان ما اكتشف بعقله المجرد .. أن هذا الوجود كله لا بد وأن يكون وراءه موجد، وأن هذا الكون كله لا بد له من صانع، وقد تبين له أن الصانع الموجد قوة جبارة تقهر ولا تقهر، تجير ولا يجار عليها.
عرفها أيضا بعقله، وفطرته، وغريزته .. واستصرخها، وطلب نجدتها عند ما ألمّت به أمواج البحار توشك أن تغرقه، أو عند ما عصفت به الرياح توشك أن تهلكه .. فأغاثته ونجدته.
وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ (١).
وَإِذا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ (٢).
وانتشر الإنسان على الأرض ليكوّن الجماعات، وانتشرت الجماعات لتكوّن الشعوب، والقبائل، والأمم، وعرفت كل أمة بحضارتها، ولونها وجنسها، ودينها.
يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا. (٣)
ومع انتشار الأمم وتفرق القبائل، تفرّقت الأديان، وتشعبت الملل والنّحل
_________
(١) الزمر: ٨.
(٢) الروم: ٣٣.
(٣) الحجرات: ١٣.
1 / 11
واعتصمت كلّ أمة بإله تناجيه، وتلوذ به.
عرف أن العرب قبل الإسلام كانوا يعبدون الأصنام .. فصنعوها من الحجر، والخشب ثم ما لبثوا أن صنعوها من العجوة، وكانوا يحملونها فى أسفارهم حتى إذا جاعوا جلسوا إلى شجرة فأكلوا منها ثم سجدوا لها شاكرين.
وقد ذكروا أن أعرابيا مسافرا أكل من عجوة صنمه شيئا، ثم قام يقضى حاجته بعيدا، فجاء ثعلب من الثعالب يطوف حول متاع الأعرابى والصنم قائم عند المتاع، فأخذ الثعلب يشم رائحة الصنم يستسيغ أكله فلم يسغه، لأن الثعالب من فصيلة الكلاب .. تأكل ما يأكله الكلب، وتبول كما يبول الكلاب، فما كان من الثعلب- وقد استقذر- رائحة الصنم إلا أن رفع رجله وبال على رأسه والأعرابى يرقبه فى حذر ودهشة. فلما انتهى الثعلب من فعلته، وأفاق الأعرابى من دهشته، قام إلى متاعه فحمله، وإلى صنمه فداسه، ثم أنشد على فطرته السليمة هاتفا:
أربّ يبول الثّعلبان برأسه؟ ... لقد ذلّ من بالت عليه الثّعالب (١)
ومثله ذلك الأعرابى على فطرته السليمة .. وغريزته البصيرة، وقد نظر فى ما حوله من صحراء مترامية الأطراف، ترتمى فى أحضان أرض بعيدة المدار ..
تعلوها سماء تتعانق معهما عند مدّ البصر، ذات نجوم وأبراج، فما لبث يفكر فى عظمة هذا الخلق، ويردّه بفطرته إلى يد الخالق فيقول:
«سماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج.
البعرة تدل على البعير، والقدم يدل على المسير.
أفلا يدل هذا على الحكيم الخبير» ...؟
_________
(١) تاج العروس ٢/ ٩٠.
1 / 12
وأما أصحاب الفطر السقيمة، والعقول القاصرة، فلم يبلغوا هذا المبلغ فتخبطوا فى دياناتهم خبط عشواء متحلقين حول صنم لا ينفع ولا يضر، أو متجهين إلى كوكب مصيره الأفول، أو إلى نار يوقدها بنفسه لتنطفئ وتخلف رمادا لا طائل من ورائه لعابد ولا ناسك.
أو حائرين حول فلسفات عقلية، أو مناظرات ومجادلات عقيمة لا تؤدى إلى نتيجة قاطعة.
فكان من رحمة الله الخالق المدبر أن أرسل رسله مبشرين، هادين ومرشدين ولم يترك عباده لعقولهم وأهوائهم تلعب بهم:
وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١).
* فبعث فى كل أمة رسولا منهم ليعرفوه:
وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ (٢).
* يتكلم بلسانهم، ويخاطبهم بلغتهم ليفهموا عنه، ويبين لهم، ليعوا ما يقول:
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ (٣).
* يعلمهم أنهم مخلوقون لله جل شأنه، خلقهم ليعرفوه فيعبدوه، وهم محتاجون له وهو غنى عنهم:
وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٤).
ومنذ ذلك الوقت البعيد: تنزّل الوحى، على رسل مختارة بعناية الله لهداية الأمم والأقوام، والتقت السماء بالأرض، والملائكة بالأنبياء تحمل معها كتب
_________
(١) النساء: ١٥.
(٢) النحل: ٣٦.
(٣) إبراهيم: ٤.
(٤) الذاريات: ٥٦ - ٥٨
1 / 13
الله وصحفه، لتتلوها رسله على خلقه.
فسارع إلى الإيمان بها من كتب له النجاة.
وسارع إلى نكرانها من كتبت له الشقاوة والحرمان.
وتنازعت أمم الأرض أديان مختلفة، وعقائد متباينة، نجملها فى اثنين لا ثالث لهما.
أديان إلهية سماوية، وأديان فلسفية عقلية.
والأديان الإلهية: أساسها الوحى، ووسائل بيانها وتبليغها الأنبياء والرسل.
والأديان الوضعية: أساسها العقل البشرى، ووسائل تبليغها مفكروها وفلاسفتها.
وجميع الأديان سواء كانت إلهية، أو عقلية متفقة كلها على التمييز بين الخير والشر فكلها يدرك أن الصدق، والوفاء، والأمانة، وإطعام الجائع، وإكساء العارى، وعلاج المرضى، ونصرة المظلوم، والنكاح الصحيح من مكارم الأخلاق ومحاسنها. وكلها يدرك أن الكذب والخيانة، والسرقة، والفظاظة والغلظة، والقتل، والزنا، وشرب الخمر من مساوئ الأخلاق التى لا يرضاها العاقل من الناس.
والفارق بين الديانات الإلهية والعقلية: أن الديانات العقلية الفلسفية ترد الأعمال إلى ضرورة الاجتماع البشرى الذى يرى العقل المجرد ضرورة تنظيمه فى إقرار المعروف وإنكار المنكر فى صورة قوانين، ولوائح، ونظم، يجرّمها ويعاقب عليها سلطة زمنية مؤقتة سواء كان حاكما، أو إلها مزيفا لا يملك مع الله الخالق الحقيقى شيئا.
1 / 14
وأما الديانات الإلهية، فإنها ترد الأعمال كلها إلى الخالق الحقيقى للكون والإنسان، وترد التجريم، والعقاب، والجزاء إليه، وتعتبر أن هذه الحياة التى يحياها البشر حياة مؤقتة، معدة للأعمال، وما يسرى فيها من جزاء إنما هو جزاء مؤقت، وأن الجزاء الأوفى فى حياة أبدية دائمة، تقام بعد فناء هذا العالم الذى سيزول يوما ما.
وهذا الفكر الذى جاءت به الديانات الإلهية تبلور بصفة نهائية فى مسمّى الإسلام، واكتملت كل أسسه وقواعده على يد النبىّ محمد ﷺ، وعلى سائر إخوانه من الأنبياء.
إذا: فما هو هذا «الإسلام»؟
والجواب: الإسلام هو دين الله ﷿.
قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ (١).
وقال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢).
وقال تعالى: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا (٣).
وهو دعوة جميع الرسل، والأنبياء.
أى أن جميع الرسل والأنبياء أمروا من الله تعالى بتبليغ «الإسلام» إلى أممهم من أولهم: «نوح» ﵇، إلى آخرهم: «محمد» ﷺ، وعلى إخوانه من الأنبياء.
قال ﷿: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحًا، وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ، وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى، وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ
_________
(١) آل عمران: ١٩.
(٢) آل عمران: ٨٥.
(٣) المائدة: ٣.
1 / 15
عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١)
وقال النبى ﷺ: «الأنبياء إخوة لعلّات، أمّهاتهم شتّى ودينهم واحد» (٢).
وما أرسل الله رسولا من هؤلاء الرسل، ولا أتبعه بنبىّ من بعده إلا بلّغ قومه بالإسلام، وحثهم عليه فى نفسه، وأمرهم فى أنفسهم أن يسلموا، بل وربما كان من شدة خوف الأنبياء من الله تعالى، وخوفهم على أبنائهم وأممهم أنه كان إذا حضر الواحد منهم الموت جمع أبناءه حوله، وأخذ يطمئن منهم على تمسكهم من بعده بدعوة الإسلام.
والمتتبع لدعوة الأنبياء جميعا من خلال نصوص القرآن الكريم يراهم حريصين جدّ الحرص الذى لا حرص بعده ولا قبله على تمسكهم بمسمى الإسلام وغايته، لا مسمى غيره، ولا غاية سواه، واحدا بعد واحد.
وسنمضى مع مسيرتهم المباركة بحسب ترتيبهم الزمنى كما يأتى:
(١) نوح: ﵇:
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ. فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣).
(٢) إبراهيم: ﵇:
١ - وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ
_________
(١) الشورى: ١٣.
(٢) صحيح البخارى ٣/ ١٢٧٠ الحديث رقم (٣٢٥٩) - كتاب الأنبياء.
(٣) يونس: ٧١.
1 / 16
١ - وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ. إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (١).
٢ - وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٢).
(٣) إبراهيم وإسماعيل: ﵉:
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ
أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٣).
(٤) يعقوب (إسرائيل) وبنوه: ﵈:
١ - أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِلهًا واحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤).
٢ - قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَما أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٥).
(٥) يوسف: ﵇:
يطلب يوسف من ربه- بعد أن منّ عليه بالنبوة والملك أن يحسن ختامه «بالإسلام».
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (٦).
_________
(١) البقرة: ١٣٠ - ١٣١
(٢) البقرة: ١٣٢.
(٣) البقرة: ١٢٧ - ١٢٨
(٤) البقرة: ١٣٣
(٥) البقرة: ١٣٦
(٦) يوسف: ١٠١.
1 / 17
(٦) سليمان: ﵇:
١ - فى خطاب سليمان الذى أرسله إلى «بلقيس» ملكة اليمن يدعوها إلى «الإسلام».
إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (١).
٢ - طلب سليمان من معاونيه من الجنّ، ومن عنده علم من الكتاب إحضار عرش «بلقيس» من اليمن إليه فى الشام قبل أن تجئ إليه «مسلمة»:
قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (٢).
٣ - إقرار بلقيس «بالإسلام» الذى يعتقده ويدين به سليمان ﵇:
قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣).
(٧) موسى: ﵇، والنبيون حملة التوراة:
١ - يقول موسى لقومه وهو يشد من أزرهم وعزمهم ويثبّتهم على الإيمان إن كانوا قد أسلموا حقيقة.
وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٤)
٢ - إقرار سحرة فرعون بالإيمان بالله، وصبرهم على تعذيب فرعون، ودعائهم إلى الله بالصبر والثبات، وعدم إماتتهم إلا على «الإسلام».
وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْرًا وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (٥).
٣ - إقرار فرعون «بالإسلام» الذى عليه موسى، وبنو إسرائيل فى آخر لحظة من عمره:
_________
(١) النمل: ٣٠، ٣١.
(٢) النمل: ٣٨.
(٣) النمل: ٤٤.
(٤) يونس: ٨٤
(٥) الأعراف: ١٢٦
1 / 18
وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١).
٤ - إثبات أن «التوراة» يحكم بها النبيون، والربانيون، والأحبار- الذين أسلموا على يد موسى ﵇ شعب اليهود.
إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ
وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ
. (٢)
(٨) عيسى: ﵇، وأتباعه: الحواريون:
١ - يقر أصحاب عيسى ﵇ وهم الحواريون الذين آمنوا به- أنهم على دين «الإسلام».
وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (٣)
٢ - إثبات القرآن اعتراف أهل الكتاب- من اليهود والنصارى- وغيرهم بالإيمان بالله تعالى، وبالقرآن الذى سينزل على نبىّ آخر الزمان محمد ﷺ:
_________
(١) يونس: ٩٠.
(٢) المائدة: ٤٤.
(٣) المائدة: ١١١.
1 / 19
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ. (١)
٣ - كما نجد أن الله تعالى ينفى تماما عن أبى الأنبياء وجدّهم إبراهيم ﵇ أىّ مسمى آخر غير مسمى «الإسلام» وأىّ دين آخر غير دين «الإسلام».
ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٢).
(٩) محمد: ﷺ، وختم الوحى والنبوّات:
ثم بعث الله محمدا ﷺ برسالة الإسلام التى كلّف بها إخوانه من الرسل السابقين، وأمره ربّه بتبليغ الإسلام لقومه:
١ - قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ (٣).
٢ - قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٤).
* ثم شاءت إرادة الله تعالى أن يجعل محمّدا ﷺ آخر الأنبياء والمرسلين وأن يختم به الوحى والنبوات إلى قيام الساعة.
١ - يقول الله تعالى:
ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ (٥).
٢ - ويقول الرسول محمد ﷺ:
أ- «أنا محمد النبىّ الأمىّ، ولا نبىّ بعدى» (٦).
_________
(١) لقصص: ٥٢ - ١٥٧.
(٢) آل عمران: ٦٧.
(٣) الأنعام: ١٤.
(٤) الأنعام: ٧١.
(٥) الأحزاب: ٤٠.
(٦) صحيح البخارى- كتاب الأنبياء، مسند أحمد ٢/ ١٧٢.
1 / 20
ب- «يا علىّ: أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنّه لا نبىّ بعدى» (١)
ج- «يا محمد: أنت رسول الله وخاتم الأنبياء» (٢).
* كما شاءت إرادته سبحانه أن يجعل رسالة محمد ﷺ رسالة كافة للعالمين، عامة للناس أجمعين إلى قيام الساعة:
١ - وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (٣).
٢ - وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ (٤).
* وبهذا شبّه «الإسلام» كأنه قصر عظيم بدئ فى بنائه منذ عهد أول نبى، حتى كمل بناؤه، واستقر صرحه، وثبتت دعائمه، وحسنت صورته ببعث محمد صلى الله عليهم جميعا وسلّم.
وهذا تماما ما صوره رسول الله ﷺ حيث يقول:
«مثلى فى النبيين كمثل رجل بنى دارا فأحسنها وأكملها، وترك فيها موضع لبنة لم يضعها فجعل الناس يطوفون بالبنيان ويعجبون منه، ويقولون لو تم موضع هذه اللبنة؟
«فأنا فى النبيين موضع تلك اللبنة». (٥)
* وبعد تمام نعمة «الإسلام» واكتمال الدين:
١ - نفى الحرج عن كل أتباع الإسلام الذين ينتسبون إليه منذ عهد إبراهيم ﵇:
_________
(١) سنن الترمذى باب المناقب، مسند أحمد ١/ ١٧٧.
(٢) صحيح مسلّم ١/ ١٨٥ كتاب الإيمان.
(٣) الأنبياء: ١٠٧.
(٤) سبأ: ٢٨.
(٥) مسند الإمام أحمد ٥/ ١٣٧، وانظر الأحاديث التساعية ص ٣.
1 / 21
وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (١).
٢ - ونهى عن التعرض بالأذى أو الاعتداء لأهل الكتاب من اليهود والنصارى المندرجين بالعهد فى أمة الإسلام والذين أعرضوا عن مسمى الإسلام إلى مسمى اليهودية، والنصرانية. والاكتفاء بدعوتهم «إلى العودة» إلى مسمى «الإسلام» بالحسنى والرفق فإن أجابوا فلأنفسهم، وإن أعرضوا فعليها، و«أما نحن». فله «مسلمون».
أ- وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٢).
ب- فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٣).
* أمر الله تعالى نبيه محمدا ﷺ «بالاعلان» لجميع البشر أن «الإسلام» هو الدين القيّم، وهو الصراط المستقيم:
قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفًا وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٤)
نتيجة هذا المبحث: حقق هذا المبحث النتائج التالية:
١ - «الدّين» غريزة من الغرائز التى فطرها الله وأودعها فى الإنسان عند خلقه كسائر الغرائز.
٢ - غريزة «التّديّن» الكامنة فى فطرة الإنسان تحتاج إلى درجة من الإشباع
_________
(١) الحج: ٧٨.
(٢) العنكبوت: ٤٦.
(٣) آل عمران: ٢٠.
(٤) الأنعام: ١٦١.
1 / 22
سدّا لحاجة هذه الغريزة عند الشعور بها، تماما كحاجته إلى الطعام لسد غائلة الجوع عند الشعور به غريزيا.
٣ - إهمال معالجة إشباع غريزة التدين يؤدى إلى الانحراف عن الله تعالى، وعن دينه الصحيح.
٤ - للإشباع السليم لغريزة التدين عند الإنسان أرسل الله الرسل والأنبياء للناس أيا كان زمانهم أو مكانهم لإرشادهم إلى أن الحقيقة الكبرى، والوحيدة، والباقية التى لا تفنى إنما هى: وجود الله ﷿.
٥ - أن جميع الرسل والأنبياء دعاة لدين واحد، له مسمى واحد: هو «الإسلام»، وأنّ له غاية واحدة هى: معرفة الله الذى لا شريك له، ولا خالق سواه.
٦ - اكتملت رسالة الإسلام تماما، وأغلقت النبوات، وختمت الشرائع ببعث محمد ﷺ.
المبحث الثانى: الوحى الإلهى
مطلب فى: الله ... والفطرة ... والأنبياء ... والوحى ..
(١) استدلّ إنسان ما قبل النّبوّات فى مواقع مختلفة من هذا الكوكب بفطرته، وغريزته إلى أن هناك قوة عظمى وخفية هى المؤثرة فى هذا العالم وجودا، ونظاما، ونشاطا. وكان هذا استجابة لمطلب غريزى يدفعه إلى سوق بعض التساؤلات عن خلقه وخالقه، والكون المحيط به، وأنظمته، والحياة، والموت، وما وراءهما.
كما كانت استجابة لمطلب عقلى فطرى يدفعه إلى ضرورة الإجابة عن ما قد يتوفر له معرفته ردّا على هذه التّساؤلات الغريزية.
1 / 23
(٢) ولما كان العقل البشرى الفطرى يختلف من إنسان لآخر فى حدّ القدرة والذكاء، كما يختلف فى حدّ الضعف والغباء، وأن الناس يتفاوتون فى المعرفة نتيجة تفاوتهم فى الاستنتاج والاستنباط من مقدمات الكون وأدلته، لذلك لم يترك الله ﷿ وهو الحقيقة الكبرى والوحيدة- هذا المخلوق نهبا لعقله الفطرى الذى قد يصيب عند البعض، ويخطئ عند الغالبية العظمى، لذلك «ألهم» من بينهم عقلاء ... شرفاء ... أمناء ... أرسلهم إلى أممهم ليدلوهم على الطريق السوى ... ويهدوهم إلى السبيل القويم ... ويتلوا عليهم كتبا فيها تنظيم لسلوكياتهم، وترشيد لمفاهيمهم وأعمالهم، وتعريفهم بمنازلهم عند الخطأ أو حال الصواب.
١ - أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١).
٢ - وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (٢).
* إذا فالله تعالى هو حقيقة الوجود بلا مراء، ولا جدال، وكل ما عداه باطل .. زائف .. زائل.
وهذا المعنى هتفت به فطرة الإنسان العربى قبل أن يبعث النبىّ محمد ﷺ.
قال لبيد:
ألا كل شىء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل (٣)
* وقد دلّت الفطرة السليمة، والنظر السديد فى آيات الكون المنظور .. فى السماء .. فى الأرض .. فى الجبال .. فى البحار .. فى المطر .. فى الرعد ..
فى كل شىء على إثبات حقيقة وجود الله تعالى .. وحقيقة أنه الخالق ..
_________
(١) المؤمنون: ١١٥.
(٢) الإسراء: ١٥.
(٣) جامع البيان ١٣/ ١٤٨.
1 / 24
القادر .. القاهر فوق عباده:
وفى كل شىء له آية ... تدل على أنه الواحد
إلى حدّ أنه من البساطة بمكان إحباط حجة «الملحد» الذى ينكر وجود الله أصلا عند ما يبادرك بسؤاله التقليدى الساذج: ما الدليل على أنّ الله موجود؟
فيكون إحباط ما يظنّ ويدّعى أنه سؤال مفحم بمجرد عكس السؤال وردّه عليه كالآتى: وما الدليل على أن الله غير موجود؟
عندئذ ينكشف الستار عن سهولة الإجابة عن السؤال الأول حيث تتوفر هذه الإجابة فى ملايين الملايين من الأدلة القاطعة التى لا مجال لإنكارها.
كما ينكشف الستار لا عن صعوبة الإجابة على السؤال الثانى فحسب .. بل عن استحالة وجود جواب صحيح قاطع يصلح أن يقيم لمعارض حجة.
* ولما ثبت وجود الله تعالى بالنظر فى آيات الكون المنظور، والفطرة الغريزية، والدلائل العقلية، والمقدمات المنطقية السليمة المؤدية إلى نتائج صحيحة ثبتت له جل شأنه القدرة على كل شىء:
١ - فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١).
٢ - يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢).
٣ - يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣).
* وتبعا لهذا الإيمان اليقينى الراسخ، نؤمن بأن الله تعالى خلق ما يشاء من الخلق كالملائكة من حيث شاء، وكالجن من حيث شاء، وكالطير من حيث شاء، وكسائر الخلق من حيث شاء، فهو ربّ الخلائق، والعوالم، وله الحمد على كلّ ما خلق:
_________
(١) البقرة: ٢٥٩.
(٢) النور: ٤٥.
(٣) فاطر: ١.
1 / 25