انتشار خط عربي
انتشار الخط العربي: في العالم الشرقي والعالم الغربي
ژانرونه
تقدمة الكتاب
فاتحة الكتاب
1 - فذلكة في تاريخ الخط العربي
2 - الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي
3 - الأديان ومحافظة الأمم على الخطوط
4 - الخطوط التي ورثها الخط العربي
الخلاصة
المصادر
تقدمة الكتاب
فاتحة الكتاب
ناپیژندل شوی مخ
1 - فذلكة في تاريخ الخط العربي
2 - الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي
3 - الأديان ومحافظة الأمم على الخطوط
4 - الخطوط التي ورثها الخط العربي
الخلاصة
المصادر
انتشار الخط العربي
انتشار الخط العربي
في العالم الشرقي والعالم الغربي
تأليف
ناپیژندل شوی مخ
عبد الفتاح عبادة
هو كتاب علمي تاريخي اجتماعي
مزين بالخرط والرسوم
يبحث في تاريخ الخط العربي قبل الإسلام وبعده
وانتشاره في أنحاء العالم وذكر اللغات التي تكتب به
والكلام عليها وعلى الممالك والأقطار التي انتشر
فيها بالتفصيل وأسباب الانتشار وعلاقة الأديان
بمحافظة الأمم على الخطوط وما ورثه
الخط العربي منها وتأثير الحضارة
الإسلامية في كل ذلك.
ناپیژندل شوی مخ
صاحب العظمة مولانا
السلطان الكامل حسين بن إسماعيل سلطان مصر والسودان. [181 122 128 52 212 150 330 158.] (سنة 1333 هجرية.) هذا التاريخ لصاحب المعالي الأستاذ الجليل محمود شكري باشا رئيس الديوان العالي السلطاني.
تقدمة الكتاب
بإذن خاص
إلى صاحب العظمة والجلال، مولانا السلطان الكامل، حسين الأول، سلطان مصر والسودان.
مولاي، هذا باكورة أعمالي، وبكر أفكاري، أقدمه لعظمتكم مزينا برسمكم الكريم، ومصدرا باسمكم العظيم، تيمنا بهذا الحكم السلطاني الجديد، وتذكارا لجلوسكم السعيد على عرش صلاح الدين، وأبيكم إبراهيم وإسماعيل، في وادي النيل.
أقدمه لعظمتكم إشعارا بجميل عنايتكم التي شملتموني بها، وإعجابا بمآثركم الحسان في إنهاض العلم النافع، ورفع منار الأدب، وإحياء حضارة العرب، وتشجيع العلماء، وتنشيط الأدباء.
فقياما بواجب شكر آلائكم، وحمد نعمائكم، أرفعه إلى أعتابكم السنية، محمولا بما تميزت به ذاتكم الكريمة، من الأريحية العالية، والميل الشريف إلى تعضيد المشروعات الأدبية، والأعمال العلمية، والأخذ بناصر العلوم، وإحلالها مكانا عليا بين العموم، ملتمسا أن يتنازل مولاي ويشمله بالقبول، وهذا غاية المأمول.
عبدكم الخاضع
عبد الفتاح عبادة
ناپیژندل شوی مخ
فاتحة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربنا العلي، والصلاة والسلام على نبينا الأمي، وعلى آله وأصحابه الكاتبين بالخط العربي، «وبعد»؛ فهذا كتاب صغير، ضمنته نتائج تعب كثير، وخلاصة بحث غزير، في انتشار الخط العربي بين الأمم الإسلامية وغيرها في أنحاء العالم، وذكر لغاتها التي تكتب به، والكلام عليها، وعلى الممالك والأقطار التي انتشر فيها بالتفصيل، إلى غير هذا مما يرتبط بالموضوع، مع فذلكة في أوله في تاريخ الخط العربي قبل الإسلام وبعده.
فيتبين منه - على صغر حجمه - مبلغ حضارة الإسلام ومدنيته، وتأثيره الذي لا يمحى في العالم الإسلامي، فإنه أوجد رابطة الخط العربي التي هي من أعظم الروابط بين هذه الأمم وأكثرها انتشارا.
ومما حدا بي إلى البحث في هذا الموضوع أنه جديد في لغتنا العربية، بل وفي غيرها من اللغات الإفرنجية، فلم يؤلف فيه للآن كتاب ولا رسالة، بل لم أر فيه كلمة أو مقالة، وقد أخذت في تأليفه، وأنا أعلم أهمية موضوعه، وافتقار اللغة العربية إلى أمثاله، فرأيت مباحثه مشتتة في بطون الكتب الإفرنجية والعربية، فجمعت شملها بعد أبحاث شتى، ومطالعات عديدة، كابدت فيها عناء ليس باليسير، يعرفه من اطلع عليه أو اشتغل بشيء من هذا القبيل. هذا، وقد حليته بفوائد علمية، وحواش تاريخية جغرافية، مما يدخل في دائرة بحثه؛ ليكون المطلع عليه في غنى عن الرجوع إلى غيره، مما يجعله أهلا للقبول عند الناطقين بالضاد في جميع البلاد.
وقد التزمت أن أنص على مظان النقل في مواضع الحاجة، وإني أؤمل أن يكون لكتابي هذا نصيب وافر في استفادة القارئ والباحث، فينال من الحظوة والإقبال ما هو خليق به، وأتقدم إلى رجال الفضل أن يتخذوا ما يروق لديهم منه، شافعا لي فيما تقف عليه فكرتهم من الزلل، فإن في وعورة موضوعه وحداثته في عالم التأليف، مع قصوري في هذا الشأن، تمهيدا للعذر على ما يشوبه من النقص، فما العصمة والكمال إلا لله وحده.
فأرجو أن تصادف خدمتي هذه قبولا وإقبالا، أسأل الله التوفيق والهداية، وحسن البداية والنهاية، فهو حسبنا ونعم الوكيل.
عبد الفتاح عبادة
الفصل الأول
فذلكة في تاريخ الخط العربي
ناپیژندل شوی مخ
(1) العرب والكتابة قبل الإسلام
الخط من الصناعات المدنية التي تقوى وتضعف بقوة الحضارة وضعفها، والعرب - ونخص بالذكر منهم أهل الحجاز - كانوا قبل الإسلام أمة بدوية، لا تقتضي معيشتهم انتشار الكتابة والقراءة، وليس في آثارهم بالحجاز ما يدل على أنهم كانوا يعرفون الكتابة والقراءة إلا قبيل الإسلام، مع أنهم كانوا محاطين شمالا وجنوبا بأمم ممدنة من العرب خلفوا نقوشا كتابية كثيرة، وأشهر تلك الأمم الأنباط في الشمال، كتبوا بالحرف النبطي، وحمير في اليمن، كتبوا بالحرف المسند، فلم يوجد فيهم من يقرأ ويكتب إلا بعد أن رحل بعضهم إلى بلاد الشام أو العراق، وتخلق بأخلاق الحضر، فاقتبس منهم الكتابة، وعاد وهو يكتب العربية بالخط النبطي (شكل
1-1 ) أو السرياني اللذين تولد منهما الخط العربي. (1-1) أصل الخط العربي
شكل 1-1: الخط النبطي. كتابة عربية بخط نبطي، وجدت على قبر امرئ القيس، وتقرأ هكذا: «(1) تي نفس مر القيس بر عمرو ملك العرب كله ذو أسر التاج. (2) وملك الأسدين ونزرو وملوكهم وهرب مذحجو عكدي وجاء. (3) بزجو في حبج نجران مدينة شمرو وملك معدو ونزل بنيه. (4) الشعوب ووكله لفرس ولروم فلم يبلغ ملك مبلغه. (5) عكدي هلك سنة 223 يوم 7 بكسلول بلسعد ذو ولده.»
من المحقق أن أقدم أشكال الخط العربي: الشكل النسخي والشكل الكوفي؛ فأولهما: متخلف عن الخط النبطي (شكل
1-1 )
وقد تعلمه العرب من الأنباط في حوران أثناء رحلاتهم إلى الشام. وثانيهما: متخلف عن الخط السطرنجيلي السرياني، تعلمه العرب من العراق قبل الهجرة بقليل، وكان يعرف (أي الخط الكوفي: شكل
1-3 ) قبل الإسلام «بالحيري» نسبة إلى الحيرة، وهي مدينة عرب العراق قبل الإسلام التي ابتنى المسلمون الكوفة بجوارها. فهذان الخطان هما أصلا الخط العربي، أو هما الحلقة الأخيرة من سلسلته؛ إذ الحلقة الأولى من سلسلة الخط العربي هي الخط المصري القديم، وثاني حلقة هي الخط الفينيقي، وهو مشتق من الخط المصري القديم، وثالث حلقة هي الخط الآرامي المشتق من الفينيقي ومن الخط الآرامي. هذا اشتق الخطان النبطي والسطرنجيلي السرياني اللذان اشتق منهما الخط العربي، كما تراه في الجدول الآتي: (جدول سلسلة الخط العربي شكل
1-2 )
شكل 1-2
ناپیژندل شوی مخ
شكل 1-3: الخط الكوفي. كلمات من فاتحة القرآن الشريف «البسملة». (أ) أمثلة من اشتقاق الحروف العربية
لا يسعنا هنا أن نستقصي البحث عن تولد كل الحروف واشتقاق بعضها من بعض، وإنما نقتصر على لمحة منها باعتبار بعض الحروف وتغيير صورتها في بعض الخطوط التي يهمنا معرفة كيفية اشتقاق الخط العربي منها، ونمثل لذلك بحرف «الطاء»، فقد كانت صورتها عند الفينيقيين كما ترى في شكل
3 «9»، ثم أخذها الآراميون وغيروها قليلا بحذف أحد الطرفين المتقاطعين داخل دائرتها وبقطع أعلاها صارت عندهم هكذا « »، ثم تميزت عند السريان فصارت شكل
3 «9»، وهي تمثل الطاء في الخط الكوفي (الحيرى) والنبطي غير أنها منحنية فيهما قليلا شكل
3 «9»، ثم أخذها العرب فصارت «ط». ومثل الطاء حرف الميم، كانت صورته الأصلية عند الفينيقيين هكذا شكل
3 «13»، ثم اختصرها الآراميون شكل
3 «13»، ثم تغيرت عند السريان لما أضافوه إليها وحذفوه منها، ثم صارت في الخط الكوفي والنبطي شكل
3 «13»، ثم عند العرب هكذا «م».
ومثل ذلك حرف النون، أصله بالفينيقي هكذا شكل
3 «14»، ثم اختصره الآراميون هكذا شكل
ناپیژندل شوی مخ
3 «14»، ثم حرفه السريان فصار عندهم هكذا « »، ثم صار في الخط النبطي والكوفي هكذا شكل
3 «14»، وعنه أخذ العرب حرفهم «ن»، وكانت تستعمل في القرن الأول من الهجرة كذلك «ر»، ويوجد في المصحف بدار الكتب الخديوية كتابة الرحمن هكذا «الرحمر».
1
ويقال هكذا في بقية الحروف. (2) تاريخ الخط العربي بعد الإسلام
وقد ظل الخط العربي بقسميه معروفا عندهم إلى ظهور الإسلام، ولقلة انتشاره وانحصاره في أفراد قليلين يسهل علينا أن نعبر عن الأمة العربية بأنها كانت في ذلك الوقت أمة أمية، وبذلك سماها القرآن لما جاء الإسلام بقوله:
هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم .
والقرآن هو أول رافع لمنار الخط العربي؛ لأن أول ما نزل على رسوله قوله:
اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم ، وأقسم - جل ذكره - بالقلم في سورة أخرى فقال:
ن والقلم وما يسطرون ، فبابتداء الإسلام ابتدأ انتشار الخط العربي للحاجة إليه في كتابة الوحي والرسائل التي كان ينفذها الرسول
صلى الله عليه وسلم
ناپیژندل شوی مخ
إلى الملوك والأمراء، وأول من عمل على نشره بطريقة عامة هو الرسول
صلى الله عليه وسلم
فقد كان محبا لانتشار الكتابة وتعميمها بين الأمة العربية، يشهد بذلك ما فعله مع أسرى واقعة بدر، فقد قبل من الأميين الافتداء بالمال، وجعل فدية الكاتبين منهم أن يعلم كل واحد عشرة من صبية أهل المدينة، فكان ذلك أول مدرسة عرفت لتخريج الكتبة من المسلمين، وكان بمكة حين الرسالة عدد قليل ممن يخط، وبعد الهجرة ابتدأ الخط يشيع بالمدينة، وساعد على ذلك هذه الحادثة، وقد نهج أصحاب الرسول
صلى الله عليه وسلم
وخلفاؤه من بعده هذا المنهج، فكان أكثر النشء الذي نشأ في عهدهم يعرف الكتابة، فخرج منه كتاب الدواوين وكتاب الرسائل
2
وكتاب القرآن، أما الخلفاء أنفسهم وأكثر كبار الصحابة فقد كانوا كلهم يعرفون الكتابة، وقد كتبوا للرسول
صلى الله عليه وسلم ، هذا فضلا عن أن كثيرين من الصحابة تعلموها في الإسلام، فانتشر الخط بالتدريج، ومما ساعد أيضا على نشره عظيم شأنه إذ ذاك عند العرب فقد كانوا يسمون من يعرفه ويعرف الرمي والسباحة «بالكامل»،
3 ؛ فلذلك رغبوا فيه، وأخذوا يتسابقون إلى تعلمه، ومن المعلوم أنه لم يكتب شيء من الكتب في ذلك العهد إلا القرآن، فإنه لم تكد مصاحف عثمان بن عفان تصل إلى الأمصار حتى تلقفها النساخ، فأجادوا نقلها، وتنافسوا في كتابتها، حيث كثر سوادهم في الأمصار، واتخذ نساخ كل صقع طريقة لهم في الكتابة، وحينئذ أخذ الخط يترقى ويتفرع، شأن كل حي. (2-1) أصناف الأقلام العربية في الإسلام
بقي الخط العربي على حالته القديمة غير بالغ مبلغه من الإحكام والإتقان في زمن الرسول والخلفاء الراشدين؛ لاشتغال المسلمين بالحروب حتى زمن بني أمية، فابتدأ الخط يسمو ويرتقي، وكثر عدد المشتغلين به، وفي أواخر أيامهم تفرع الخط الكوفي، وكانت تكتب به المصاحف منذ أيام الراشدين إلى أربعة أقلام اشتقها بعضها من بعض كاتب اسمه قطبة المحرر كان أكتب أهل زمانه، ثم اشتهر بعده في أوائل الدولة العباسية رجلان من أهل الشام، انتهت إليهما الرئاسة في جودة الخط، وهما: الضحاك بن عجلان، كان في خلافة السفاح، فزاد على قطبة، وإسحاق بن حماد، وكان في خلافة المنصور والمهدي، فزاد بعد الضحاك، وزاد غيره حتى بلغ عدد الأقلام العربية إلى أوائل الدولة العباسية 12 قلما، كان لكل قلم عمل خاص وهي: (1) قلم الجليل: كان يكتب به في المحاريب، وعلى أبواب المساجد، وجدران القصور ونحوها، وهو ما يسميه العامة الآن بالخط الجلي. (2) قلم السجلات. (3) قلم الديباج. (4) قلم أسطومار الكبير. (5) قلم الثلثين. (6) قلم الزنبور. (7) قلم المفتح. (8) قلم الحرم: كان يكتب به إلى الأميرات من بيت الملك. (9) قلم المؤامرات: كان لاستشارة الأمراء ومناقشتهم. (10) قلم العهود: كان لكتابة العهود والبيعات. (11) قلم القصص. (12) قلم الخرفاج. ولما ازدان عصر العباسيين بأنوار العلوم والعرفان، وخصوصا في أيام المأمون، أخذت صناعة الخط تنمو وتنتشر وتتقدم كسائر العلوم التي ضرب فيها المسلمون بسهام نافذة؛ لاحتياجهم إليها، فتنافس الكتاب في أيامه في تجويد الخط، فحدث القلم المرصع، وقلم النساخ، وقلم الرياسي
ناپیژندل شوی مخ
4
نسبة إلى مخترعه ذي الرئاستين الوزير الفضل بن سهل، وقلم الرقاع، وقلم غبار الحلبة،
5
وكان يكتب به بطائق حمام الرسائل، وهكذا كان كل قلم معدا لنوع من الكتابة، كما تكتب الآن الإنعامات بالرتب بقلم خاص، والأوراق الديوانية بقلم خاص وألواح الحجر بخط آخر، وكتب التعليم بآخر.
شكل 1-4: الخط الكوفي الجميل. آية من مصحف كتبه أبو بكر الغزنوي سنة 556ه، وتوضيحها: بسم الله الرحمن الرحيم
سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى ...
شكل 1-5: الخط في أيام صلاح الدين 583. كتابة له على محراب المسجد الأقصى ببيت المقدس.
فزادت الخطوط العربية على عشرين شكلا، وكلها تعد من الخط الكوفي، فهو إذ ذاك كان خط الدين والدولة، وقد كان يكتب به القرآن منذ أيام الراشدين - كما أسلفنا - حتى أواسط العصور الإسلامية (شكل
1-4 ). وأما الخط النسخي فقد كان مستعملا بين الناس لغير المخطوطات الرسمية، حتى نبغ الوزير أبو علي محمد بن مقلة المتوفى سنة 328ه، فأدخل في الخط المذكور تحسينا كبيرا، بعد أن كان في غاية الاختلال، وأدخله في المصاحف وكتابة الدواوين، وقد اشتهر بعد ابن مقلة جماعة كثيرة من الخطاطين، هذبوا طريقته، وكسوها حلاوة وطلاوة، أشهرهم علي بن هلال المعروف بابن البواب المتوفى سنة 413ه/1031م، وقد اخترع عدة أقلام، وياقوت بن عبد الله الرومي المستعصمي المتوفى سنة 698ه، وغيرهما كثير، وقد تفرع الخط النسخي المذكور بتوالي الأعوام إلى فروع كثيرة، وأصبحت الأقلام الرئيسية في الخط العربي اثنين: الكوفي والنسخي، ولكل منهما فروع كثيرة، اشتهر منها بعد القرن السابع للهجرة ستة أقلام بين المتأخرين وهي: الثلث، والنسخ، والتعليق، والريحاني، والمحقق، والرقاع، برز في هذه الأقلام جلة من العلماء، وما زال الخط يتفرع إلى الآن، فقد ظهر بعد هذه الستة الأقلام القلم الديواني، والقلم الدشتي، والقلم الفارسي، وغيره، وبقي الأمر تابعا لارتفاع الدولة وانخفاض شأنها (انظر شكل
1-5 )، فإنه لما تضعضعت خلافة بغداد، وانتقلت الخلافة إلى مصر والقاهرة انتقل الخط والكتابة والعلم إليها، وسرى منها إلى مضافاتها من البلاد التابعة لدولتها، وإلى ما جاورها، وما زال الخط في جميع هذه الأماكن آخذا في الجودة إلى هذا العهد، وصار للحروف قوانين في وضعها، وأشكالها متعارفة بين الخطاطين، وقد حفظ لنا القلقشندي بيانات صحيحة عن أواسط عصر المماليك (أواخر القرن الثامن للهجرة)، فذكر في الجزء الثالث
ناپیژندل شوی مخ
6
من كتابه صبح الأعشى أنواع الخطوط المستعملة في الدواوين، وعلق عليها معتمدا على نماذج منها نشرت في هذا الكتاب، وهي ستة أنواع: (1)
الطومار الكامل: ويشتمل على جملة أنواع، وكان يكتب به السلطان علاماته على المكاتبات والولايات ومناشير الإقطاع. (2)
مختصر الطومار: وهو على نوعين: الثلث والمحقق، وكان يكتب به في عهود الملوك عن الخلفاء والمكاتبة إلى القانات العظام من ملوك بلاد الشرق. (3)
الثلث: وهو نوعان: الثقيل والخفيف. (4)
التوقيع: وهو ثلاثة أنواع، وكانت توقع به الخلفاء والوزراء على ظهور القصص. (5)
الرقاع: وهو على ثلاثة أنواع أيضا، وكان يكتب به في الرقاع؛ جمع رقعة، وهي الورقة الصغيرة التي تكتب فيها المكاتبات اللطيفة والقصص، وما في معناها. (6)
الغبار: وهو نوع واحد، وكان يكتب به بطائق الحمام والملطفات وما في معناها، ونرى من الكتابات المنقوشة على الأحجار في أيام المماليك جمال هذا الخط وبهاءه، وهو وإن كانت حروفه مستطيلة فهي ربما أجمل مما كانت عليه في أيام العباسيين.
ولما آلت الخلافة إلى الأتراك بعد زوال دولة المماليك بمصر، ورثوا بقايا التمدن الإسلامي، فكان لهم اعتناء خاص بالخط، وقد أخذوا في إتقانه على أيدي الأساتذة الفارسيين الذين اعتمدوا عليهم في الآداب والفنون، وقد حفظ الأتراك عدة قرون في مصالح حكومتهم ودوائرهم الملكية والعسكرية أنواع الخطوط التي كانت مستعملة في القرون الوسطى، فكان يعرف عندهم في القرن الحادي عشر للهجرة 30 نوعا تقريبا، إلا أنه أهمل أكثرها أثناء القرنين الثاني عشر والثالث عشر، ولم يبق مستعملا منها في الوقت الحاضر إلا ما سنذكره في الفصل الآتي، والأتراك هم الذين أحدثوا الخط الرقعة والخط الهمايوني، وإليهم انتهت الرئاسة في الخط على أنواعه إلى عهدنا هذا، وقد أخذنا عنهم الخط المعروف بالإسلامبولي، ولن يزال الخط يتفرع إلى ما شاء الله عملا بسنة الارتقاء. (2-2) الأقلام المستعملة الآن (1) الخط النسخي: أما الآن فقد أهمل الخط الكوفي، وصار الخط النسخي هو الأكثر استعمالا في كتابة اللغة العربية أينما وجدت، وكذلك في كتابة اللغة التركية والتترية والأفغانية والسندهية، وغيرها من لغات العالم الإسلامي، فإنه يستعمل فيها الخط النسخي في الكتب العلمية وغيرها، وعلى الخصوص في المواضيع الدينية والشرعية كما سيأتي. (2) القلم الفارسي: وهو مشتق من الخط القيراموز المتولد من الخط الكوفي في صدر الإسلام، وتكتب به الآن اللغة الفارسية، ويستعمل غالبا عند الهنود في كتابة لغتهم الهندستانية (الأوردية)، وسيأتي تفصيل تاريخه وفروعه عند الكلام على اللغة الفارسية. (3) القلم المغربي: المستعمل في مراكش والجزائر وتونس وطرابلس لكتابة العربية والبربرية معا، وسيأتي ذكره بالتفصيل عند الكلام على لغات المغرب. (4 و5) القلم الرقعة والقلم الثلث: الرقعة هو خط الدواوين في تركيا وغيرها، ويغلب استعماله أيضا في المراسلات الاعتيادية، وقد أسلفنا أنه والقلم الهمايوني من مستحدثات الأتراك، وهما يستعملان عندهم إلى الآن، وقد انتشر الرقعة بسلطة الأتراك في جزء من البلدان العربية، ومع أنه مكروه من بعض العرب الخلص؛ لأنه خط تركي،
7
ناپیژندل شوی مخ
فهو مستعمل في مصر والعراق وسوريا مثل القلم الثلث المستعمل عند الجميع، إلا أن الثلث يستعمل في الزخرفة والتزويق أكثر من استعماله في الكتابة العادية. (6) قلم التعليق، أو الكتابة الفارسية المحرفة: وهو يستعمل في تركيا لكتابة الأوراق والأعمال القضائية الشرعية، وكذلك في الكتب، وخصوصا في كتب الأشعار والدواوين (شكل
1-6 )، كما سترى عند الكلام على الخط الفارسي.
شكل 1-6: قلم التعليق. بيت من أشعار الفردوسي الشاعر الفارسي المشهور، ويقرأ هكذا: «همين چشم دارم زخوانندكان كه نامم به نيكوبرند برزبان».
شكل 1-7: القلم الديواني الجلي (القسم الأعلى)، والقلم الديواني (القسم الأسفل)، ويقرأ القسم الأعلى هكذا: «نشان شريف عاليشان سامي مكان وطغراي غراي جهان ستان خاقاني نفذ بالعون الرباني والصون الصمداني حكمي أولدركه». (7) القلم الديواني: الذي اشتق مباشرة من خط التوقيع القديم، وهو على نوعين: أحدهما كبير قليلا، وهو المستعمل في الدواوين السلطانية بتركيا لكتابة المراسيم والدبلومات
Les diplômes (الفرمانات والبراءات) على جميع أنواعها، والآخر أصغر منه، وهو وإن يكن قد قل استخدامه بعض الشيء، إلا أنه مستعمل كثيرا في المحاكم الدينية والشرعية التي تستعمل أيضا خط التعليق. أما الهمايوني المتقدم ذكره فهو نفسه الخط الديواني الكبير، ويسمى عندهم «جلي ديواني» أي القلم الديواني الجلي (شكل
1-7
و
1-8 )، وهو يستعمل لكتابة الفرمانات السلطانية المتعلقة بالوسامات.
شكل 1-8: القلم الديواني الجلي.
وتمد الحروف النهائية في الخط الديواني، وخصوصا الجيم والحاء والخاء والعين والغين إذا جاءت في أواخر الكلم، وكذلك أطراف السين والشين والصاد والضاد، كما ترى في شكل
ناپیژندل شوی مخ
1-9 . (8) القلم النستعليق، أو الخط الفارسي المنسوخ: وهو يستعمل عند الفرس، وسيأتي ذكره عند الكلام على الخط الفارسي وفروعه. (9) قلم الإجازات: وهو يتألف من الخط النسخي والخط الثلث بتصرف مع بعض زيادات لا توجد في غيره، وهو يستعمل عند الأتراك أحيانا.
شكل 1-9: القلم الديواني الكبير (الهمايوني).
والخط في تركيا لم يزل مشرفا، وأعمال الخطاطين الكبار أمثال حمد الله المتوفى سنة 936/1530، وحافظ عثمان المتوفى سنة (1110/1698) لم تزل معتبرة كنماذج تقلد، أما في البلدان العربية، وخصوصا في مصر فإن الاعتناء بالخط أخذ في الضعف والإهمال بسبب سرعة انتشار المطابع. (3) حروف الهجاء العربية وترتيبها
أما ترتيب حروف الهجاء العربية فهو مخالف لترتيب الحروف الأخرى المرتبة على أبجد هوز ... إلخ، وهو الترتيب القديم المعروف عند أكثر الأمم، ولا سيما الأمم السامية، وأما العربية فتبتدئ هكذا: أ ب ت ث ... إلخ، مع أن التاء في اللغات الأخرى هي آخر حروفها، وهذا الترتيب حديث في اللغة العربية وضعه نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر العدواني في زمن عبد الملك بن مروان، وهو مبني على مشابهة الحروف في الشكل، فابتدآ بالألف والباء؛ لأنهما أول الحروف في ترتيب أبجد، وعقبا بالتاء والثاء لمشابهتهما الباء، ثم ذكرا الجيم من حروف أبجد وعقبا بالحاء والخاء للمشابهة، ثم ذكرا الدال وعقبا بالذال، ولكون الهاء تشبه أحرف العلة في الخفاء أخراها معها لآخر الحروف، وقبل أن يذكرا الزاي ذكرا الراء المشابهة لها لتكون الزاي مع باقي أحرف الصفير؛ ولذلك ذكرا السين بعد الزاي، وعقبا بالشين للمشابهة، ثم ذكر الصاد وعقبا بالضاد، ثم رجعا للطاء من أبجد وعقبا بالظاء وأخرا أحرف «كلمن»؛ حتى يفرغا من الأحرف المتشابهة، وذكرا العين وعقبا بالغين، ثم ذكرا الفاء وعقبا بالقاف، ثم ذكرا أحرف كلمن والهاء وأحرف العلة.
ولكون ترتيب أبجد يختلف عند المغاربة
8
عن ترتيبها عند المشارقة، كان ترتيب الحروف عند المغاربة بعد ضم كل حرف إلى ما يشابهه في الشكل هكذا: «ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز ط ظ ك ل م ن ص ض ع غ ف ق س ش ه و ي.» (4) الأحرف الخاصة بالعربية واللغات الأخرى
وفي الخط العربي فضلا عن الحروف الشرقية الأخرى ستة أحرف، هي: الثاء والخاء والذال والضاد والظاء والغين «ثخذ ضظغ»، وقد اقتضتها طبيعة اللغة العربية، وهذه الأحرف لا مخرج لها في اللغات الأخرى إلا بتركيب مع حرف آخر، والضاد منها خاصة باللغة العربية دون سواها، وهذا هو سبب تلقيب العرب أو المتكلمين بالعربية بلقب «الناطقون بالضاد» وتمييزهم بها، وفي الحديث: «أنا أفصح من نطق بالضاد» إشارة إلى ذلك.
وهنا ملاحظة ينبغي الإشارة إليها، وهي أن هذه الأحرف الستة لا تستعمل غالبا في اللغات الإسلامية الآتية «التي تكتب بالخط العربي» إلا لكتابة الكلمات العربية الدخيلة في لغاتهم؛ ولذلك فهم لا ينطقون بها تماما إذا قرءوها في نصوص عربية، بل يشركونها مع حرف آخر، فمثلا إذا أرادوا النطق «بالطاء» أو «بالضاد» تكلفوهما، فالطاء تخرج بين التاء والطاء كالسلطان والطوفان، والضاد تخرج كالزاي المفخمة في نحو رمضان وهكذا، ولما كانت هذه الأحرف معدومة عندهم فهم يستعملون حروفا
9
ناپیژندل شوی مخ
أخرى معدومة في العربية تقتضيها طبيعة لغاتهم؛ ولهذا كان من الضروري لنا أن نذكر هذه الأحرف عند ذكر لغاتها؛ لأنها تكون بمثابة تكملة لحروف الهجاء العربي عندهم. (5) النقط والحركات في الخط العربي (5-1) الحركات
لما اقتبس العرب الخط من الأنباط والسريان كان خاليا من الحركات والإعجام، فالحركات فيه حادثة في الإسلام، والمشهور أن أول من وضعها أبو الأسود الدؤلي المتوفى سنة 69ه لما كثر اللحن في الكلام؛ لاختلاط العرب بالأعاجم في صدر الإسلام، فكانت الحركات إذ ذاك نقطا يميزون بها الضم والفتح والكسر، فكانت النقطة فوق الحرف دليلا على الفتح، وإلى جانبه دليلا على الضم، وتحته دليلا على الكسر، ولم تشتهر طريقة أبي الأسود هذه إلا في المصاحف، حرصا على إعراب القرآن، أما الكتب العادية فكانوا يفضلون ترك الحركات والنقط فيها؛ لأن المكتوب إليهم كانوا يعدون ذلك تجهيلا لهم، قال بعضهم: «شكل الكتاب سوء ظن بالمكتوب إليه.»
أما استبدال النقط بالحركات الحديثة، فالغالب أنه حدث تنويعا للحركات عن النقط التي يميزون بها الباء عن التاء خوفا من الالتباس، فالحركات الحديثة وضعت بعد ذلك لتقوم مقام حروف العلة؛ لمشابهة الحركات لها، فجعلوا للضمة التي يشبه لفظها الواو علامة تشبه الواو، والتي يشبه لفظها الألف وهي الفتحة علامة تشبه الألف لكنها مستقيمة، ومثلها للكسرة من تحت، وهكذا.
10 (5-2) الإعجام وضبط الحروف العربية
أما الإعجام أو النقط فيظن أنها كانت موجودة في بعض الحروف قبل الإسلام وتنوسيت، ولكن المشهور أن اختراعها كان في زمن عبد الملك بن مروان، وذلك أنه لما كثر التصحيف، خصوصا في العراق، والتبست القراءة على الناس، لتكاثر الأعاجم من القراء، والعربية ليست لغتهم، فصعب عليهم التمييز بين الأحرف المتشابهة، ففزع الحجاج إلى كتابه، وسألهم أن يضعوا لهذه الأحرف المتشابهة علامات، ودعا نصر بن عاصم الليثي ويحيى بن يعمر العدواني (تلميذي أبي الأسود) لهذا الأمر، فوضعا النقط أو الإعجام أزواجا وأفرادا، بعضها فوق الحروف، وبعضها تحتها، وسمي الإعجام إعجاما لأن الإعجام في المعنى الأصلي هو التكلم على طريقة الأعاجم، كما أن الإعراب هو التكلم على طريقة العرب، وكان الجمهور يكره - كما قلنا - الإعجام والحركات في الكتابة وينفر منهما، ولكن الناس رجعوا بعد ذلك عن هذا الرأي حتى كانوا يعدون إهمال الإعجام خطأ في الكتابة، واستمر الأمر على اتباع هذا الإعجام إلى الآن. (5-3) الكتابة واتجاه السطور فيها
لم يتقرر لاتجاه السطور في الكتابة نظام إلا بعد ترقيها؛ ولذلك كانت الكتابة يدونها الأولون أنى اتفق، لا يراعون لها نظاما في اتجاه سطورها، كما كان عند قدماء اليونان، فإنهم كانوا يكتبون تارة من اليسار إلى اليمين، وطورا من اليمين إلى اليسار، وأحيانا يجمعون بينهما.
فلما ترقت الكتابة وتقرر نظامها عند الأمم، اتخذت كل أمة منها طريقا مخصوصا في كيفية سيرها: فأهل الصين وأتباعهم صاروا يكتبون من الأعلى إلى الأسفل ومن اليمين إلى اليسار على الخط الرأسي؛ ولذلك سميت كتابتهم «بالمشجر»، ولهم في ذلك اعتقاد خاص؛ حيث يعتقدون أن الله - سبحانه وتعالى - موجود في السماء العليا، فكل شيء لا بد وأن يأتيهم من جهته؛ ولذلك صاروا يكتبون من أعلى إلى أسفل.
وأهل أوروبا صاروا يكتبون من اليسار إلى اليمين؛ لكون الدورة الدموية تبتدئ من القلب الموجود في الجهة اليسرى، والقلب في بعض الروايات مركز العقل، فوجب أن تكون الكتابة من الجهة المقابلة للعقل الذي يستمد منه البنان؛ فلذلك صاروا يكتبون من اليسار إلى اليمين.
أما العرب والسريان وغيرهم من الأمم السامية فصاروا يكتبون من اليمين إلى اليسار بالنسبة لكون الطبيعة قضت بأن كل شيء لا يعمله الإنسان إلا بيده اليمنى، كما وأنه لا ينتقل من جهة إلى أخرى إلا بالرجل اليمنى، فلذلك صاروا يكتبون من اليمين إلى اليسار.
11
ناپیژندل شوی مخ
فالكتابة العربية الحالية متصلة من القديم، وتكتب أينما وجدت من اليمين إلى الشمال على السطر الأفقي، وقد روى الدكتور بشارة زلزل في كتابه تنوير الأذهان أنه «لم تزل بعض الأمم كالصومال تكتب الخط العربي من أعلى إلى أسفل (أي على السطر الرأسي) وتقرؤه من اليمين إلى اليسار»،
12
وهذا غريب يحتاج الإثبات.
الفصل الثاني
الخط العربي وانتشاره في العالم الشرقي والعالم الغربي
(1) تمهيد في الحضارة الإسلامية
ظهر الإسلام والخط العربي معروف في الحجاز، ولكنه لم يكن شائعا فيه كما تقدم، بل كان محصورا في فئة قليلة من الصحابة وبعض أهل الذمة.
ولما عم الإسلام جزيرة العرب
1
كلها، وذهب بدولتي الفرس والروم في العراق وفارس وسوريا ومصر وإفريقية وغيرها، وانتشرت معه اللغة العربية بين المسلمين وغيرهم من أهل هذه البلدان، انتشر معها الخط العربي في كل بقعة من هذه البقاع، ثم تجاوزها إلى لغات العالم الإسلامي في بلاد الفرس والترك والهند، وغيرهم ممن أصبحوا يكتبون به لغاتهم منذ بضعة عشر قرنا إلى الآن بفضل انتشار الحضارة الإسلامية، وتأثيرها في العالم، واتساع نفوذها، ورسوخ أصولها في الأصقاع المتنائية.
ناپیژندل شوی مخ
فالإسلام هو السبب الوحيد في انتشار الخط العربي، إن لم نقل هو محييه ورافعه إلى أوج الظهور، حتى انتشر هذا الانتشار العظيم بين الأمم الإسلامية وغيرها في آسيا وأفريقيا وأوروبا حتى بلغت حدوده من أقاصي الهند وأرخبيل الملايو (ماليزيا) شرقا إلى أقصى بلاد المغرب وبحر الأدريتيك غربا، ومن أعلى تركستان وأواسط روسية أوروبا شمالا، إلى أدنى زنجبار جنوبا، وقد تخطى الآن خضمات الأقيانوس، وبلغ إلى قارة أمريكا وغيرها من جزر البحار، فهو يضم بين دفتيه أمما لا تحصى، مختلفة الأجناس والعادات، متعددة اللغات واللهجات، كالعرب والأتراك والفرس والهنود والملايو والأفغان والتتر والأكراد والمغول والبربر وأهل السودان والزنوج والساحليين وغيرهم، ويظل تحت رايته من 200 مليون إلى 250 مليونا من الأنفس، ما عدا أكثر من مائة مليون من المسلمين يكتبون به في اللغة العربية نصوص الدين كالقرآن وغيره، مما هو أثر باق لذلك التمدن العظيم. (2) التمدن الإسلامي وسواه
فالتمدن الإسلامي لو قلنا: إنه لم يخلف مثل ما خلفه التمدن المصري القديم من الآثار البنائية كالهياكل والأهرام والبرابي والمسلات، ولا مثل ما خلفه التمدن البابلي والأشوري (الأثوري) من الخرائب والأطلال القرميدية والآثار البنائية، ولا مثل ما خلفه التمدن اليوناني والروماني من الآثار الفكرية والسياسية والبنائية كالمسارح والميادين، وغيرها من المصنوعات المحسوسة، وضربنا صفحا عن الآثار العظيمة الإسلامية البنائية وغير البنائية كالجوامع والأبنية العربية العديدة، وغيرها من آثاره في الشرق والغرب، فإنه خلف آثارا معنوية مطبوعة في النفوس تناقلتها الأمم عنه، فتوارثها الخلف عن السلف والأبناء عن الآباء، كأنه وسم الأمم التي دخلت في سلطانه بسمات خالدة أهمها الدين واللغة ثم الخط، فبعض الأمم وسم بالسمات الثلاث معا، كمسلمي مصر والشام والعراق وبلاد المغرب وغيرها، فضلا عن جزيرة العرب، وبعضها وسم بالسمتين: الدين والخط، كالترك والفرس ومسلمي الهند والملايو وغيرهم مما هو موضوع بحثنا في هذا الكتاب، والبعض الآخر وسم بسمتي اللغة والخط دون الدين، وهؤلاء هم أهل الذمة في العالم العربي، والبعض الآخر وسم بسمة الدين فقط كمسلمي الصين.
2
هذا، وإن يكن للتمدن الروماني سمات تشبه هذه السمات قد وسم بها بعض أمم أوروبا وأمريكا، ونعني بها سمتي الخط واللغة، وهما من أهم آثاره، لكن الفرق بين آثاره وآثار التمدن الإسلامي عظيم، فاللغة اللاتينية لم تبق شائعة على الألسنة، بل هي تعد من اللغات الميتة، وإن تكن قد دخلت في معظم لغات أوروبا، أما اللغة العربية فيكفي أن نقول عنها: إنها باقية ما بقي الإسلام والقرآن يتكلم بها الآن عشرات الملايين من الأنفس، كما سيأتي بعد.
شكل 2-1: صينيون مسلمون في زنقاريا.
وأما الخط الروماني فهو وإن كانت الكتابة به شائعة عند بعض أمم أوروبا وأمريكا، فالخط العربي أكثر منه انتشارا، وسترى أن الكتابة به عامة عند المسلمين كافة ، فهو آلة الكتابة المشتركة بين جميع الأمم الإسلامية، وبالجملة فهو أثر ديني والفرق كبير بين الأثر الديني وأثر شاع بالاستعمار أو بتقليد المحكوم للحاكم. (3) اللغات التي تكتب الآن بالخط العربي
وإليك الكلام على اللغات التي يكتب أهلها الآن بالخط العربي في أنحاء العالم، ولا يستعملون في الكتابة غيره، مع التفصيل التام عن هذه اللغات وتعدادها وتاريخها الخاص بالموضوع، وارتباطها بهذا الخط، ومواقع البلدان التي تستعمل فيها، وإحصاءات عن المتكلمين بها، وما يزيدونه من الأحرف على حروف الهجاء العربي، وغير ذلك؛ ليتبين للقراء حقيقة انتشار هذا الخط.
وقد قسمنا الكلام في هذه اللغات التي تكتب الآن به إلى خمسة أقسام:
القسم الأول:
هو مجموع اللغات التركية.
ناپیژندل شوی مخ
والقسم الثاني:
هو مجموع اللغات الهندية.
والقسم الثالث:
هو مجموع اللغات الفارسية.
والقسم الرابع:
هو مجموع اللغات الأفريقية.
ثم القسم الأخير:
وهو الخاص باللغة العربية، فنتقدم للكلام على كل منها: (3-1) اللغات التركية
هي من اللغات الطورانية
3
ناپیژندل شوی مخ
منتشرة بتركية أوروبا وتركية آسيا، وروسية أوروبا وروسية آسيا بتركستان وشواطئ بحر الخزر والقوقاس، ويتفاهم بها المغول الأتراك من الأزابكة والتتر والتركمان والعثمانيين وغيرهم، ويقدر عدد المتكلمين بها بنحو 40 مليون نسمة تقريبا جلهم من المسلمين، وأشهر فروعها التي تكتب به: (أ) التركية العثمانية
هي اللغة الرسمية للحكومة العثمانية، وهي منتشرة في ممالكها بأوروبا وآسيا، ويتكلم بها الأتراك والأرمن والأكراد وغيرهم من الشعوب في السلطنة العثمانية، وهي أكثر اللغات التركية تهذيبا وانتشارا، وأوسعها آدابا، وقد اصطلح الناس على تسميتها «باللسان التركي»، وهي تختلف اختلافا كليا في الوقت الحاضر عما كانت عليه في الأزمنة الغابرة، حتى إنك إذا أتيت بكتاب تركي قديم العهد وأطلعت عليه شابا من شبان الأتراك في هذه الأيام لما استطاع أن يفهم منه إلا القليل من الكلام نظرا للتغير العظيم الذي طرأ على هذه اللغة في أدوارها الأخيرة؛ إذ إنها تنقحت وتهذبت وربطت بقواعد جعلتها أشبه باللغات الغربية، وشبان الأتراك الذين نشئوا في هذا العصر يسعون لقطع كل علاقة بين اللغة التركية القديمة واللغة العصرية الجديدة، حتى إنهم لا يسمونها اللغة التركية بل «اللغة العثمانية»، على أن كثيرين من الأتراك - وعلى الأخص القسم الذي يقطن ولايات الأناضول - لا تزال لغتهم قريبة من لغة أجدادهم، وأهالي الآستانة يستهجنون كلامهم كما يستهجن أهالي باريس كلام الفرنسيين الذين في بلاد كندا. واللغة التركية العثمانية تتألف من ثلاث لغات: إحداها اللغة «الجغتائية»، وسيأتي ذكرها بعد، وهي أصل التركية العثمانية، وثانيتها «اللغة العربية» التي دخل من ألفاظها فيها نحو 50 في المائة، وثالثتها «الفارسية» التي تعد ألفاظها فيها بنحو 15 في المائة، وقد دخلها الآن ألفاظ كثيرة من اللغات الإفرنجية، حتى أصبحت - لكثرة ما أدخلوه فيها - تشبه اللغة المالطية العربية
4
واللغة الأوردية.
فهي لا تستنكف أن تضم إليها الكلمات الكثيرة من اللغات الأخرى، فصارت - بسبب ذلك - تضارع أشهر اللغات الإفرنجية في غزارة مادتها واتساع دائرة التخاطب بها.
والسبب في كثرة الألفاظ العربية في اللغة التركية العثمانية بهذا المقدار يفسره تاريخ الآداب فيها؛ وذلك أنه لم يكن للتركية العثمانية آداب قبل القرن السابع للهجرة؛ أي قبل تأسيس دولتهم، وأقدم آدابها مقتبس من الفارسية أو هو فارسي معنى ومبنى؛ والسبب في ذلك أن العثمانيين أقاموا دولتهم على أنقاض دولة السلاجقة الذين اختلطوا بالفرس، وتأدبوا بآدابهم، وكانت اللغة الفارسية لغة العلم والأدب والسياسة عندهم، فلما اقتبس الأتراك آدابهم من الفارسية اقتبسوا معها كثيرا من آثار اللغة العربية وآدابها التي كان الفرس اقتبسوها قبلهم، غير الذي اقتبسه الأتراك من اللغة العربية رأسا من الألفاظ والآداب الدينية؛ ولذلك كانت الألفاظ العربية في اللغة التركية أضعاف الألفاظ الفارسية فيها، فالأتراك يقلدون العرب بسائق الدين ويقلدون الفرس بسائق الأدب.
ولم تكتب اللغة العثمانية إلا في القرن السابع للهجرة، وهي من ذلك الحين تكتب بالخط العربي، وأول كتاب دون في نحو اللغة التركية وقواعدها بالخط العربي هو كتاب «الإدراك للسان الأتراك» الذي ألفه أحد علماء الإسلام في الأندلس، وهو أثير الدين محمد بن يوسف المعروف بأبي حيان الغرناطي «توفي في مصر سنة 745ه» الذي خلد اسمه بما يخرج عن مقدور البشر من تصانيفه، اهتم بوضعه في أوائل ظهور السلطنة العثمانية واستقلالها في سنة سبعمائة واثني عشر؛ ليكون أساسا لقواعد اللغة الرسمية العثمانية، وقد نشر في الآستانة سنة 1309، ونشره أيضا المسيو لوسين بوفا من مشاهير علماء المشرقيات الفرنسيين سنة 1325.
وأول من وضع قواعد اللسان العثماني في عصر الإصلاح هو جودت باشا المؤرخ الشهير.
ويزيد الأتراك على أحرف الهجاء العربية خمسة أحرف وهي « » بثلاث نقط وتنطق كالنون، وكاف يائية لا تنطق والأربعة الأحرف الفارسية الآتي ذكرها. (ب) التركية القازانية أو اللغة التترية
وهي منتشرة في ولاية قازان وما جاورها من الولايات في روسية أوروبا كولاية أوفا وغيرها، وهي لغة التتر
ناپیژندل شوی مخ
5
المسلمين في هذه الولايات، ويقدر عددهم بنحو مليون ونصف مليون نسمة، وللغة التترية آداب أصلية عندهم غير مقتبسة عن غيرهم من الأمم في الشعر والنثر، حتى إن بعض شعرائهم يلتزم النظم بالتترية بدون أن يستعمل ألفاظا دخيلة من العربية أو الفارسية أو غيرهما من اللغات التي دخل في التترية كلمات منها، بل إن هم التتر جميعهم اليوم - كما قال الأستاذ فمبري - هو تطهير لغتهم من الكلمات الدخيلة، كما كان همهم الوحيد في السابق هو مقاومتهم للطريقة المنسكية
6
حتى استراحوا منها، وتنشر بالتترية جرائد ومجلات ومؤلفات كثيرة (بالخط العربي بالطبع)، وتدرس بها جميع العلوم مثل التركية العثمانية، ويزيد التتر على أحرف الهجاء العربي الأحرف التي يزيدها الأتراك في اللغة التركية العثمانية. (ج) التركية القرمية
منتشرة في شبه جزيرة القرم بين سكانها التتر القرميين، وهي لغة المغول الذين احتلوا روسيا الجنوبية وشبه جزيرة القرم في القرن التاسع للهجرة، وقد دخلها كلمات كثيرة من العربية والروسية. (د) التركية النوجائية أو الكاراسية
Nogai or Karass Turki
هي لهجة تترية شائعة في ولاية كاراس القوقاسية وما يجاورها من شواطئ البحر الأسود الشرقية، يتكلم بها التتر هناك، وهي تشبه كثيرا التركية القرمية السالفة والآذرية الآتية. (ه) التركية الآذرية
7 (الآذربيجانية) أو التركية الترنسقوقاسية،
8
وهي منتشرة في آذربيجان، وتنقسم إلى لهجتين: (1)
ناپیژندل شوی مخ
شمالية: يتفاهم بها سكان قوقاسية آسيا (ترنسقوقاسيا) التابعة للروسيا، ويشتمل على حكومات باكو وتفليس وقوطاي وباطوم وغيرها. (2)
جنوبية: يتفاهم بها سكان إقليم آذربيجان التابع للعجم، وكلتا اللهجتين تكتبان بالخط العربي، وتطبع بالآذري عدة جرائد وكتب، وقد ألف ميرزا فتح علي أخوند زاده في القرن الماضي بعض الروايات التمثيلية اللطيفة بالآذرى الشمالي، ونقلت إليه بعض الروايات العربية الحديثة كرواية «عذراء قريش» لصديقنا المرحوم منشئ «الهلال» بقلم أخوندمير محمد كريم قاضي ولاية باكو.
9
ولا تعرف أشعار بهذه اللغة ترتقي إلى أكثر من القرن السابع عشر للميلاد. (و) التركية الداغستانية
من اللغات الآوارية التركية، وهي شائعة في داغستان
Daghestan ، وما يجاورها من شواطئ بحر الخزر الغربية.
وقد انتشرت هذه اللغة على الخصوص في أيام الإمام شاميل (شكل
2-2 ) القائد القوقاسي الشهير (ولد في داغستان سنة 1797، وتوفي سنة 1880) الذي حارب الروس ودافع عن القوقاس أكثر من 30 سنة أبلى فيها بلاء حسنا.
شكل 2-2: شاميل، القائد القوقاسي الشهير.
فعرفت لغته هذه الداغستانية في أنحاء القوقاس، وكتبت بها الكتب العديدة بالخط العربي في مختلف العلوم، وهم يزيدون على أحرف الهجاء العربية هذه الأحرف: «چ» وهي تنطق عندهم كالجيم الفارسية وكچشو. «ژ» الراء بثلاث نقط فوقها، وتنطق عندهم: إتسو
ناپیژندل شوی مخ